بسم
الله الرحمن الرحيم
خطاب حب ووئام، إلى أهلنا في الشام
كتب: أ.د/ عبد الرزاق قسوم
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
لا نُكِنُّ، لأشقائنا في سوريا -علم الله- إلا ما
يكنه لهم الصادقون من أبنائهم، والمخلصون من أشقائهم، والمنصفون من أصدقائهم، أي
كل مشاعر التعبير عن الاستقرار وحسن المصير، والازدهار، واستقلالية المسير،
والوحدة الوطنية، واستكمال التحرير.
فسوريا الفيحاء، وقد عادت من رحلة التيه والضياع، في
غياهب الاستبداد، وتفشي الفساد، والتنكيل بالأحرار من المواطنين الأمجاد، جديرة بأن
تحتضن اليوم من كل أشقائها، فهي
مثخنة بالجراح، وملبدة جوانبها بالأتراح.
لقد كنا، من أوائل من هلل للثورة السورية عندما لاحت
بشائرها، ونددنا بكل ما عاناه
الشعب السوري، التواق إلى التغيير، من تقتيل، وتهجير، ومن تعذيب وتغييب، وككل عمل مبارك، كان لابد
أن يكلل بالنجاح، وقد رأينا كيف انطلقت معركة التغيير، بسلمية وتسامح، ونقاوة ذمة،
فباركنا مقدماتها التي بعثت برسائل مطمئنة، تؤكد سلامة النتائج.
ولا تزال ثورة التغيير، في سوريا، تسجل كل يوم في
الداخل والخارج، نتائج سياسية معتبرة، فقد نجحت في تعبئة الجماهير التي عانت من القمع،
والختل، والقتل، فأغلقت السجون المرعبة الرهيبة التي كانت وصمة عار في جبين الحكم السوري البائد، واستطاعت أن
تجمع حولها مختلف الطوائف السورية، في جيش واحد، هدفه الأسمى حماية سوريا.
كما تصدت ثورة التغيير، لفلول الثورة المضادة، أو ما
يعرف في المصطلح السوري "بالشبيحة"، هذا الجهاز القمعي الرهيب الذي هدم البلاد،
ونكل بالعباد، فكان رمز فساد وإفساد، وها هو اليوم أصحابه كالجرذان يتوارون عن
أعين العباد، بسبب أنهم ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ، فَأَكْثَرُوا
فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [سورة الفجر، الآيات من 11 إلى 14].
كما أنه على الصعيد الدولي نلاحظ تمكن قادة التغيير في
سوریا، من إیصال خطاب سیاسي ودبلوماسي مطمئن، للحلفاء، وحتى للفرقاء، فتوافدت بعثات
مختلف بلدان العالم عليهم، مطمئنة وطالبة للاطمئنان.
وقد بدأت المساعي لتخفيف القيود التي كانت مكبلة
لسوريا، فبدأت محاولات التخفيف عن هذه القيود، وفي ذلك نوع من الطمأنينة النفسية،
الكفيلة بإيجاد المناخ السياسي المناسب.
وككل مشروع فتيّ، وناجح، لا يخلو من المزعجات،
والمنغصات، لإفساد جو الاستقرار، وإحداث الفوضى، واللاأمن داخل الدار.
ويكاد المريب أن يقول خذوني، فقد تكالبت قوى الشر
ممثلة في الصهيونية الفاشية،
فأخذت تتحرش بالثورة السورية الفتية، فاحتلت بعض أرجاء سوريا، وهي ما فتئت تشوش
على جيشها، وعلى قواعدها، وعلى منشآتها الإستراتيجية.
حركت الصهيونية أذيالها، فأوعزت إلى أكراد سوريا،
بالاحتفاظ بسلاحهم مقابل توحيد الأسلحة في جيش وطني سوري موحد، وأوحت إلى الجرذان الشبيحة،
أن ينظموا مقاومة يائسة، للنفاد بالجلد، والتشويش على القيادة الجديدة.
ولا نريد التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، فأهل
سوريا أدری بهضابها وشعابها، ولكن بدأت بعض أصوات الثوار السوريين تتعالى، من أن
أيدي الصهيونية، توشك أن تكون لها من خلال الشبيحة آثار، وها هي بعض عناصر
الشبيحة، بعد أن يلقى عليها القبض، يطلق سراحها بكفالة مالية، وهذا إن صح، فإنه
يمثل إحباطا، للأحرار السوريين، وتمكينا للخيوط الصهيونية اللعينة من التسلل.
وفتش على الصهيونية في كل عمل شيطاني خبيث، في كل أنحاء
المعمورة.
وعلى حد تعبير الشاعر العراقي أحمد مطر بخصوص أول فتنة
بشرية حدثت بين قابيل وهابيل، يقول فيها:
اثنان لا سواكما، والأرض ملك لكما
لو سار كل منكما بخطوه الطويل، لما التقت خطاكما
إلا من
بعد جيل
فكيف ضاقت بکما، فصرتما القاتل والقتيل
قابیل يا قابیل
هابیل يا هابیل
لو لم يرد ذكركما في محكم التنزيل
لقلت مستحيل
من زرع الفتنة ما بينكما؟
ولم تكن في الأرض إسرائيل
إن إسرائیل –إذن-
هي مخلب قط الشر في كل
ركن من أركان
المعمورة
نريد لقادة سوريا الأحرار، أن يحددوا موقفهم من هذا العدو
الصهيوني الذي يبث عيونه وسمومه في كل مكان.
وما لم تردع إسرائيل في المنطقة، وما لم يوضع حد لعربدتها،
وغطرستها، وما لم تعزز أواصر التحالف ضدها، في المنطقة، فإن كل استقرار، يبقى هشا،
وقابلا للاستغلال.
نقول كل هذا بدافع من الحب الصادق لأشقائنا في سوريا،
فقد سقطت الأقنعة، وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولا يختلف اثنان في أن العدو
المشترك للجميع، هو الصهيوني بجميع مقوماته ومكوناته، وامتداداته، ونذكر قول أمير
الشعراء أحمد شوقي في رائعته:
بني سوریا اطرحوا الأماني وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا بألقاب الإمارة، وهي رق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكن كلنا في الهم شرق
نحن نعتقد أن ما تم في سوريا، هو ايجابي إلى أبعد
الحدود، ويكفي، ما تتمتع به سوريا اليوم من أمن واستقرار، وما ينعم به شعبها، بعد
كل المعاناة، وما ألحقه بها شرذمة الشبيحة، الذين عذبوا، ونهبوا، واغتصبوا،
وارتكبوا مما يندى له الجبين، وما يشيب لهوله الولدان.
ولكن لابد من ثمن تقدمه الشعوب من أجل استرجاع حريتها،
ووحدتها، وعزتها.
ونهمس
بالرغم من كل ذلك، في آذان القائمين على الشأن السوري، أن حذار من عدو الدار،
والعدو الجار.
إن العدو الحقيقي ليس حزب الله، ولا أنصار الله، ولكن
الأعداء هم أعداء الله والوطن.
فضموا صفوفكم، ولا تتركوا بين صفوفكم فرجة للشياطين،
واذكروا أن عدو الأمس لم يلق بكل أسلحته،
وأن حلفاء الصهونية كثر،
ويتربصون
الدوائر، بكل اتجاه، عربي إسلامي صحیح، يرسم خطى القيم الإسلامية الصحيحة، ويحصن الوطن والمواطن
بقيم التدين، ووحدة المفاهيم الإنسانية الصحيحة.
﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾
[سورة الكهف، الآية 20].
إن البقاء سيكون في النهاية للأصلح، وإن الأصلح في
الواقع العربي، هو التحول السوري الذي يمثل محطة ثابتة من ثوابت الوحدة العربية الإسلامية،
بشرط أن لا تتسلل
إليها، الملوثات، والمنغصات، وكثيرة هي، والله غالب على أمره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي
كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.