البحث

التفاصيل

رمضان وغزة العزة

الرابط المختصر :

يا أمة الإسلام هكذا نستقبل شهر رمضان مع غزة ومعاني العزة

رمضان وغزة العزة

بقلم: أ.د/ محمد دمان ذبيح

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد:

إن الحديث عن رمضان هو حديث عن أفضل الشهور عند المولى عز وجل، ويكفيه فضلا وشرفا أنه شهر القرآن الكريم قال الله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ﴾[ البقرة: 185] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"[1].

ولله در ابن الجوزي عندما قال: "قيل: الشّهور الاثنا عشر كمثل أولاد يعقوب عليه وعليهم السلام، وشهر رمضان بين الشّهور كيوسف بَين إخْوته؛ فَكما أنّ يوسُف أحب الأولاد إلى يعقوب، كذلك رمضان أحبُّ الشّهور إلى علَّام الغيوب."[2]

     ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هنا، ماهي أهم الأعمال التي يجب أن نحرص عليها في هذا الشهر الفضيل؟

وكإجابة عن هذا السؤال، لا أريدها أن تكون عادية أو تقليدية، أين يتم الحديث عن التراويح، وختم القرآن الكريم وغير ذلك، بل يجب إلى جانب هذه الأعمال، أو بالأحرى قبل هذه الأعمال أن نستشعر مجتمع الجسد الواحد، والقلب الواحد، ولا خير فينا إن عشنا في دائرة من الأثرة الممقوتة، أو الأنانية المذمومة، وهذا الذي ينطبق جملة وتفصيلا، وشكلا ومضمونا على إخواننا في غزة، فكيف يطيب لي المأكل والملبس وأخي هناك في غزة تراه جائعا وعريانا؟!

يا أمة الإسلام إن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، ويقول أيضا: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71] ومعنى أولياء بعض؛ أي: يحبونهم ويناصرونهم.

يا أمة الإسلام إن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول: "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى"[3]، ويقول أيضا: المسْلِمُونَ كَرَجُلٍ واحِدٍ، إنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ، وإنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ"[4]، وهذا الذي يجب أن نجسده على أرض الواقع، فإذا بكى أخوك في المشرق تئن وتحزن أنت في المغرب، وما أجمل قول القائل:

إذَا اشْتَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الصِيْنِ أرَّقَنِيْ  ***  وإنْ بَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الْهِنْدِ أبْكَانِي

وَمِصْرُ رَيْحَانَتِيْ وَالشَامُ نَرْجِسَتِيْ  ***  وَفِيْ الْجَزِيْرَةِ تَارِيْخِيْ وَعُنْوَانِي

وفي العراق أَكُفّ المَجْدِ تَرْفَعُني  ***  إلى بساتين عِزٍّ ذاتِ أفنَان

ويسمعُ اليَمَنُ المحبوبُ أُغنيَتي  ***  فيستريحُ إلى شَدْوِي وألحاني

ويسْكُنُ المسجدُ الأقصى وقُبّتُهُ  ***  في حَبّةِ القلبِ أرعاهُ ويرعاني

أرى بُخارى بلادي وهي نائيةٌ  ***  وأستريحُ إلى ذِكرَى خُراسانِ

شريعةُ اللهِ لَمّتْ شَمْلَنا وبَنَتْ  ***  لنا مَعالِمَ إحسانٍ وإيمانِ

وحَيْثُمَا ذُكِرَ اسْمُ الله فِيْ بَلَدٍ  ***  عَدَدْتُ أرْجَاءَهُ مِنْ لُبِّ أوْطَانِي 

        يا أمة الإسلام إن إخواننا بغزة بحاجة ماسة إلى شيئين اثنين، يجب أن نحرص عليهما، ونعض عليهما بالنواجذ وهما:

أولا: الإنفاق في سبيل الله تعالى

     إنه خلق المتقين قال الله تعالى : ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة 1، 3]، ويقول في آية أخرى : ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].

      والله سبحانه وتعالى في الكثير من الآيات قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس  من ذلك قوله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾  [الصف:10- 11]، وقوله كذلك : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾

[الحجرات: 15]، إلا في آية واحدة قدم النفس على المال فقال: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة:111].

       وهذا كله في دلالة واضحة على أهمية الجهاد بالمال، لأن بالمال يشترى كل ما يحتاجه المجاهدون من سلاح وطعام وغير ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب عليه الجهاد بماله، فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله، وعلى هذا: فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل، وكذلك في أموال الصغار إن احتيج إليها، كما تجب النفقات والزكاة، فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا".[5]

      فلذلك كن أنت أخي المسلم سباقا إلى هذا الخير، الذي به تستعيد الأمة عزها وكرامتها، وتاريخها العريق مجدا وسؤددا.

   شارك أخي ولو بالقليل، المهم بصدق وإخلاص، وتذكر ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه ".

ثانيا: الدعاء

     إن الدعاء من أجل العبادات وأفضلها على الإطلاق عند المولى عز وجل، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]؛ أي: عن دعائي، فسمى الدعاء عبادة، وقال صلى الله عليه وسلم: "الدُّعاءُ هو العبادةُ".[6]

      لذلك من الواجب أن نكثر من الدعاء لإخواننا في هذا الشهر الفضيل الذي تستجاب فيه الدعوات، ندعو ونحن موقنون بالإجابة، ولعله السر في اقتران آية الدعاء بآيات رمضان في سورة البقرة، قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:185، 186]، وصدق فاروق الأمة رضي الله عنه عندما قال : "أنا لا أحملُ همَّ الإجابةِ، ولكن أحملُ همَّ الدُّعاءِ، فمن أُلهِمَ الدعاءَ فإن الإجابةَ معه".

وفي الأخير أقول إن الجهاد بالمال ، والدعاء وسيلتان في متناول الجميع خاصة في هذا الشهر الفضيل، ولا عذر لنا أمام الله تعالى إن فرطنا، أو قصرنا، ولنتذكر دوما أن العزة والمجد في إعلاء كلمة" لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وأن الذلة والصغار في خيانة هذه الكلمة من أجل دنيا تصيبها، أو امرأة تنكحها، واقرأوا ما قاله الحسن  رحمه الله تعالى" بُنِيَ الإسلام على عشرة أركان: الإخلاص لله وهي الفطرة، والصلاة وهي الملة، والزكاة وهي الطُّهرة، والصيام وهو الجُنَّة، والحج وهو الشريعة، والجهاد وهو العزة، والأمر بالمعروف وهو الحُجَّة، والنهي عن المنكر وهو الواقية، والطاعة وهي العصمة، والجماعة وهي الأُلفة".

اللهم إنّي بلغت اللهم فاشهد..... اللهم إنّي بلغت اللهم فاشهد..... اللهم إنّي بلغت اللهم فاشهد..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أ.د/ محمد دمان ذبيح؛ جامعة محمد العربي بن مهيدي أم البواقي - الجزائر-، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

 

 

 



[1] - رواه النسائي برقم 2106.

[2] - ابن الجوزي ، بستان الواعظين ورياض السامعين ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت ، لبنان،  ط02، 1998م، ص : 230 وما بعدها.

[3] - رواه البخاري برقم 6011.

[4] - رواه مسلم برقم 2586.

[5] - ابن تيمية ، الاختيارات الفقهية ، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1978م،  ص : 530.

[6] -  رواه الترمذي برقم 2969.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
الاتحاد يهنئ الأمة بحلول شهر رمضان الفضيل ويدعو لاستثماره في نهضة الأمة وتجديد عزائمها (بيان)
السابق
مسيرة حاشدة في عمان ترفض تهجير الفلسطينيين على يد الاحتلال

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع