البحث

التفاصيل

الأقصى: بين شد الرحال ومنع الاحتلال

الرابط المختصر :

الأقصى: بين شد الرحال ومنع الاحتلال

كتبه: عمر الجيوسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

يخطط الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات لتحويل (المُرابط) الفلسطيني في المسجد الأقصى إلى (سائح ديني)، ولتحويل المسجد الأقصى من (رمز للأمة) إلى (مسجد حارة) عادي؛ لذا يخاف الاحتلال وترتبك مخططاته حين تتوجه مئات الآلاف من كل فلسطين في نفس الوقت إلى المسجد الأقصى.

ولذلك وفي قرار استباقي وغير مسبوق منذ العام 1967 حددت دولة الاحتلال عددَ الذين يصلّون صلاة الجمعة خلال شهر رمضان في المسجد الأقصى بعشرة آلاف مصلٍّ فقط.

قبيل شهر رمضان المبارك كل عام يقدّم جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) توصية للحكومة مفادها أن المسجد الأقصى يشكّل برميلَ بارودٍ قابلٍ للانفجار في أي لحظةٍ؛ باعتباره المكان الأكثر حساسيةً في المنطقة، بما له من مكانةٍ دينيةٍ كبيرةٍ لدى مسلمي العالم.

الآن تدور معركة رمضانية في الأقصى بين شد رحال الفلسطينيين للصلاة والاعتكاف، وبين منع سلطات الاحتلال من أن يحقق الفلسطينيون ذلك

في شهر رمضان الماضي، انشغل المقدسيون وانشغلت الشعوب بمتابعة المجازر وأحداث الحرب على غزة، فانفردت سلطات الاحتلال بالمسجد الأقصى، وتمكنت من منع أي تحركٍ داخله، وحاولت أن تراكم إنجازاتها في تهويد الأقصى، ومسابقة عقارب الزمن لتسريع الاستيطان والتهجير، بموازاة تصعيد عسكري في الضفة الغربية وفي أعقاب حرب إبادة على قطاع غزة.

ونتذكر في السنة الماضية محاولة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير فرض القيود المقترحة حاليًا، إلا أن نتنياهو اضطر لإلغاء التعليمات بعد الليلة الأولى نتيجة المواجهات العنيفة التي اندلعت عند بوابات المسجد.

الآن تدور معركة رمضانية في الأقصى بين شد رحال الفلسطينيين للصلاة والاعتكاف، وبين منع سلطات الاحتلال من أن يحقق الفلسطينيون ذلك، فتقوم السلطات بتحويل الأقصى لثكنة عسكرية وبوضع العراقيل والقيود الأمنية والقيود الماكرة.

ومن هذه القيود: مَنعُ الشباب من دخول الأقصى والسماح لبعض كبار السن، وإجبار المصلين على المغادرة قبل غروب الشمس لمنع الاعتكاف، وكذلك تقوم السلطات بتصعيد حملات الاعتقال العشوائي.

ومن أصعب القيود هو زرع مئات كاميرات المراقبة التي تعمل بخاصية 360 درجة في كل زقاق داخل البلدة القديمة لمراقبة عشرات الآلاف من روّاد المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.

ومن القيود كذلك منعُ الأسرى المحررين من دخول المسجد الأقصى، وإبعاد العشرات منهم خارج فلسطين.

ومنه أيضًا ما ذكره د. عبدالله معروف وهو" تعمُد الشرطة تفتيش المصليات المسقوفة والساحات بعد صلاة التراويح للتأكد من خلوها من المصلين لوأد أي محاولات للاعتكاف منذ بداية الشهر بادعاء أن هذه العبادة غير مسموح بها سوى في العشر الأواخر من الشهر الفضيل".

هناك حراكات مقدسية وناشطون يعملون ويدعون للحشد والاستنفار والمشاركة طيلة الأيام القادمة، لإعمار المسجد الأقصى وإحياء كل الصلوات فيه، والرباط فيه، والتصدي لاقتحامات المستوطنين وانتهاكاتهم

في المقابل: تتواصل الدعوات الفلسطينية، لديمومة الرباط وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان، وكسر الحصار عن المسجد.

وتؤكد الدعوات على ضرورة الذود عن المسجد الأقصى وحمايته من اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين، إلى جانب عدم التوقف عن محاولات كسر الحصار المفروض عليه منذ عدة أشهر.

وهناك حراكات مقدسية وناشطون يعملون ويدعون للحشد والاستنفار والمشاركة طيلة الأيام القادمة، لإعمار المسجد الأقصى وإحياء كل الصلوات فيه، والرباط فيه، والتصدي لاقتحامات المستوطنين وانتهاكاتهم، خاصة خلال الشهر الفضيل، مؤكدين على وجوب كسر الطوق الإسرائيلي المطبق على الأقصى بتحرك الجميع، والوصول إلى المسجد الأقصى المبارك خاصة من مناطق القدس كافّة.

ودعا الحراك الشبابي المقدسي (للنفير العام)، وإغلاق كافة مساجد القدس، والتوجه نحو المسجد الأقصى للصلاة فيه طيلة شهر رمضان المبارك.

كذلك تطالب المملكة الأردنية الهاشمية ـ صاحبة الوصايةـ بالرد على هذه الإجراءات الاستفزازية، كما طالبت المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات واحترام حقوق المسلمين وتمكينهم من ممارسة شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى بحرية.

وطالبت المواطنين بعدم الانصياع لهذه القرارات الباطلة؛ بل وشد الرحال والرباط في المسجد الأقصى وإفشال محاولات الاحتلال تقييد حق المسلمين في الوصول إليه والصلاة فيه.

من جهتها دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفلسطينيين إلى شد الرحال إلى المسجد الأقصى في القدس المحتلة والرباط والاعتكاف، وذلك مع تزايد تضييقات الاحتلال لتقييد وصول المصلين في المسجد خلال شهر رمضان.

وقالت الحركة في بيان لها بمناسبة حلول الشهر الفضيل: "ندعو جماهير شعبنا في عموم الضفة والقدس والداخل المحتل إلى حشدّ كلّ الطاقات في هذا الشهر عبر شدّ الرّحال إلى المسجد الأقصى والرّباط والاعتكاف فيه".

كما طالبت حماس الفلسطينيين في كافة المناطق حول العالم بإطلاق أوسع المبادرات والفعاليات التضامنية مع أهلهم في قطاع غزة والضفة والقدس.

وكانت حماس قد أدانت -الثلاثاء الماضي- اعتزام إسرائيل تقييد وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ودعت إلى التصدي لكل محاولات "تدنيسه وفرض السيطرة عليه".

وتدرك حركة حماس وتدرك هذه الحراكات أن هدف الاحتلال الإسرائيلي هو إفراغ المسجد الأقصى، وعزله عن محيطه الفلسطيني والاستفراد به، لاستكمال مشروعه التهويدي لمدينة القدس ومقدساتها.

يقول الأستاذ زياد ابحيص ـ المختص بشؤون القدسـ : " من أخطر ما تتعرض له مدينة القدس هو محاولة فصلها عن الضفة الغربية عبر الحدود المصطنعة من خلال الحواجز وغيرها، في محاولة للسيطرة على المدينة المقدسة والتحكم بها، وإلغاء فكرة أن القدس تقع في قلب الضفة الغربية".

على طريق الأقصى شواخص تحذيرية لا بدّ من التوقف عندها؛ فأي تصعيد إضافي قد يفجّر الأوضاع ويشعل المنطقة برمتها

كيف يمكن أن يحدث الصدام؟

حين تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع الكتلة البشرية المتحركة من الضفة الغربية أو يتم تقييد وصولها للمسجد الأقصى المبارك، فإن هذا المنع سيتحول إلى أحد أسباب الصداع للاحتلال، الذي لا يرغب في تصعيد المواجهة من بوابة المسجد الأقصى.

ولذلك تعمل سلطات الاحتلال بأسلوب التاجر الجشع، حيث أصدرت تقارير تفيد بأنها لن تسمح لأكثر من 10 آلاف من فلسطينيي الضفة بالوصول إلى المسجد الأقصى خلال أيام الجمعة من رمضان.

وهي تحدث نفسها بأنه لو ارتفع هذا العدد إلى الضعف أو الضعفين فلن يكون مشكلة كبيرة قياسًا بصلوات الجُمعة الأخيرة في رمضان والتي كان يحضرها ربع مليون في سنوات سابقة.

وهنا تنطلي خدعة سلطات الاحتلال حين يرى البعض أن صلاة ثلاثين أو أربعين ألفًا تعتبر انتصارًا على قانون سلطات الاحتلال، فتهدأ ثائرتهم، بينما تكون السلطات الإسرائيلية قد نجحت في تخفيض أعداد المصلين في كل رمضان عن رمضان الذي قبله.

على طريق الأقصى شواخص تحذيرية لا بدّ من التوقف عندها؛ فأي تصعيد إضافي قد يفجّر الأوضاع ويشعل المنطقة برمتها.

وهذا ما أشار إليه قبل أيام قليلة الرئيس التركي أردوغان، حيث قال: "أحذّر من أن المسؤولين الإسرائيليين يلعبون بالنار من خلال استفزازاتهم التي تستهدف المسجد الأقصى".

والمتابع لمفاجآت هذا الطريق يعرف أنه منذ عهد الدولة العثمانية ومن بعده زمن الاحتلال البريطاني كان المسجد الأقصى محرّك الثورات والانتفاضات، وما حرب طوفان الأقصى الحالية إلا انتصار للأقصى وإنذار نهائي للاحتلال ولمقتحميه.

وكي لا يحقق الاحتلال هدفه وهو الانفراد بالمسجد الأقصى ومنع شد الرحال إليه هناك الكثير من الخطوات التي يجب أن تسند خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى، وهو صمود المقدسيين في القدس، والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى.

وعلامة النجاح تبدأ، حين يدخل آلاف المصلين مسجدهم الأقصى للصلاة والاعتكاف والرباط دخولًا حرًّا دون قيود.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
90 ألف مصلٍ في الأقصى لأداء صلاة الجمعة الأولى من رمضان
السابق
إسطنبول: قيادات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تشارك في إفطار علمائي وتناقش قضايا الأمة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع