البحث

التفاصيل

الحذر من قسوة القلب

الرابط المختصر :

الحذر من قسوة القلب

بقلم: د. فهمي إسلام جيوانتو

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

إن من أهم ما ينبغي أن يحققه الإنسان ويحافظ عليه هو صلاح القلب، فإن صلاح القلب هو صلاح الإنسان نفسه، وفي الحديث المتفق عليه: "أَلَا وَإِنَّ ‌فِي ‌الْجَسَدِ ‌مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهي القلب".

ومن علامة صلاح القلب تأثره بالمواعظ وذكر الله واهتزازه عند سماع آيات القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ‌وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: 2-4].

والقلب اللين والرقيق هو الذي يتقبل نور القرآن ويستجيب لندائه ويتفاعل مع رسائله، قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ‌ثُمَّ ‌تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: 23].

وعكس ذلك، القلب الفاسد والقاسي الذي لا يتأثر ولا يتفاعل مع آيات الله، وهذا الأمر يحصل مع الغفلة الطويلة وكثرة المعاصي، فقد نبهنا الله تعالى من هذا الداء، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ! وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، ‌فَقَسَتْ ‌قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16].

وقسوة القلب مانعة من قبول الهداية، محرومة من نور القرآن، وأصحابها على خطر عظيم، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ ‌لِلْقَاسِيَةِ ‌قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر: 22].

وإن وساوس الشيطان وشبهاته تنفذ في هذه القلوب بقوة، قال تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ‌وَالْقَاسِيَةِ ‌قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: 53].

ومن أسباب ضلال اليهود مع كونهم يسمعون كتاب الله ويعيشون من أنبياء الله هو قسوة قلوبهم وغلظ طبعهم، قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ ‌أَشَدُّ ‌قَسْوَةً، وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 74].

فقسوة القلب مصيبة عظيمة وحرمان كبير من نور الهداية، وعلامة البعد عن الله وعن أسباب الخير، فعلى المسلم أن يتعاهد حال قلبه ولا يكتفي بعبادة الجوارح من الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات الظاهرة، بل عليه أن يقوم بإصلاح الباطن وتحريك القلب خاصة عند تلاوة القرآن وعند سماعه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا تهذّوا القرآن كهذّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب".

ولأهمية رقة القلوب فإن العلماء ألفوا كثيرا كتبا في الرقائق، بل إن علماء الحديث خصصوا بابا في كتبهم للرقائق، فإن المؤمن بحاجة شديدة إلى ما يرقق قلبه ويهيئه للهداية واستقبال نور الله.

ومن عوامل رقة القلوب الاهتمام بالفقراء والضعفاء والحنو لهم، والبعد عن كل ما يقسي القلب كالمعاصي وكثرة الملهيات والإسراف في الأكل والشرب وسائر الملذات.

ومن أخطر أسباب قسوة القلب هو الأكل الحرام فإنه يفسد القلب فسادا عظيما، روى ابن حبان وغيره عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه لا يدخل الجنة لحم ‌نبت ‌من ‌سحت".

وعند الطبراني في المعجم الكبير: "وَكُلُّ لَحْمٍ ‌نَبَتَ ‌مِنْ ‌سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أصلح قلوبنا وسدد أقوالنا وأحسن أعمالنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

#سلسلة_فوائد_رمضانية_1446هـ


: الأوسمة


المرفقات

التالي
تحذيرات من تنامي خطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين وضرورة مواجهته بحزم
السابق
رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تعقد اجتماعها العاشر في إسطنبول لبحث قضايا الأمة وأوضاع غزة والسودان وسوريا

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع