الأمين العام السابع للأمم المتحدة في الفترة من 1997 وحتى 2006
مع اقتراب عام 2014 من نهايته، أصبحت القيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحت التهديد. ففي مختلف أنحاء العالم، تتعرض الحريات الشخصية وحقوق الإنسان والديمقراطية إلى المخاطر، حتى في البلدان التي تبنت المثل الديمقراطية.
ويعيش المجتمع الدولي حالة من الانقسام العميق، الأمر الذي يحول دون إحراز أي تقدم في التعامل مع مجموعة من التحديات العالمية، بدءاً من الأزمات في سوريا والعراق وأوكرانيا إلى تغير المناخ والتجارة الدولية.
والواقع أن ثلاثة عوامل -وجميعها من المرجح أن تستمر في عام 2015- تحرك هذه الاتجاهات المثيرة للقلق الشديد.
فأولا، ربما حققت العولمة العديد من الفوائد، ولكنها أدت أيضاً إلى تآكل قدرة المجتمعات على تحديد مصائرها بنفسها. والواقع أن العديد من التحديات المعاصرة -بما في ذلك التهرب الضريبي، والجريمة المنظمة، وانعدام الأمن "المعلوماتي الإلكتروني"، والإرهاب، وتغير المناخ، والهجرة الدولية، والتدفقات المالية القانونية وغير القانونية- تشترك في أمر واحد، وهو أن الأدوات التقليدية التي تمتلكها الدول ذات السيادة ليست كافية لإدارتها.
وثانيا، لعبت الحلول العسكرية الفاشلة في أفغانستان والعراق دوراً كبيراً في تقويض وحدة المجتمع الدولي، وتراجع الثقة في التدخل عموما، حتى حين تعمل القوى الراسخة على خفض ميزانياتها وتتجنب القوى الناشئة تولي مسؤوليات جديدة. وفي عام 2014، في موطني أفريقيا وأماكن أخرى من العالم، تحدى الزعماء موضوعية وفعالية المحكمة الجنائية الدولية، التي كان تأسيسها مَعلماً رئيسياً على طريق النضال من أجل إنهاء حصانة الزعماء الوطنيين وإفلاتهم من العقاب.
وأخيرا، فشلنا في تحديث البنية المؤسسية للنظام الدولي. فلا تزال المؤسسات الأكثر أهمية -مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي- خاضعة لهيمنة المنتصرين الأوروبيين والأميركيين في الحرب العالمية الثانية، من البلدان التي تمثل أقلية متزايدة الصِغَر من سكان العالم وحصة متزايدة الانكماش من الناتج الاقتصادي.
وكان الفشل في التعبير عن تغيّر موازين القوى العالمية بسبب صعود الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها من البلدان الناشئة، سبباً في تقويض فعالية وشرعية النظام الدولي القائم اليوم، وخاصة في نظر أولئك الذين يشعرون بأنهم محرومون من الاعتراف اللائق.
ولكن أياً كانت أوجه القصور التي تعيب النظام الدولي، فمن الأهمية بمكان أن نتذكر أنه لم يسبق في تاريخ البشرية أن كانت أعداد القتلى بسبب الصراعات المسلحة قليلة إلى الحد الذي نشهده اليوم (كنسبة من سكان العالم). ولعل هذه الحقيقة لا تتصدر عناوين الصحف الرئيسية، ولكن النظام الدولي، بقواعده ومؤسساته، يسمح للدول بتسوية أغلب نزاعاتها سلميا، أغلب الوقت.
إن مكافحة أوبئة مثل إيبولا أو منع العواقب الأكثر ضرراً لتغير المناخ تتطلب التضامن والتعاون. والعودة إلى الأحادية، أو القومية المتطرفة، أو سياسات الهوية لن تُفضي إلا لعالم مرير مفتت ومحفوف بالمخاطر.
وعندما نتطلع إلى عام 2015 وما بعده، فسوف ندرك أن العالم في حاجة ماسة إلى زعماء شجعان قادرين على رؤية الصورة الكاملة من خلال نظرة طويلة متأنية. ففي عالم حيث تتأرجح القوة صعوداً وهبوطا، تكمن مصلحة الجميع في التمسك بنظام عادل من القواعد التي تحترم السيادة الوطنية والحقوق الفردية.
ويتعين على قادة القوى التاريخية العالمية أن يدركوا أن من مصلحتهم أيضاً أن يلتزموا بالقواعد، وأن يسمحوا للدول الصاعدة بالمساعدة في صياغة هذه القواعد. وكما أكَّدت دوماً، فإن مجلس الأمن لا بد أن يتوسع حتى يتسنى للدول النامية أن تحظى بحقوق تصويت أكبر في مؤسسات بريتون وودز: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وفي المقابل، يتعين على القوى الأحدث عهداً في العالم أن تبدأ في تولي حصة أكبر من المسؤولية عن النظام العالمي، الذي يتوقف عليه نجاحها. ولم يعد بوسعها أن تقف موقف المتفرج وتندد بمظالم الماضي. فبدلاً من هذا، ينبغي لها أن تنضم إلى قريناتها في بناء المستقبل.
ونحن كثيراً ما نستمع إلى أحاديث عن أوجه القصور التي تعيب الأمم المتحدة، والتي تكمن في صميم النظام الدولي. ونادراً ما ننتبه إلى إنجازاتها ونجاحاتها، وهي كثيرة. وبدلاً من الانسحاب من نظام أفضى إلى نتائج استثنائية غير عادية، يتعين علينا أن نستغل الأزمة الحالية التي يعيشها المجتمع الدولي بوصفها فرصة تاريخية لإعادة تشكيل النظام القائم، بحيث يصبح قادراً على التصدي للتحديات المعاصرة التي يواجهها بشكل أفضل.
المصدر : بروجيكت سينديكيت