واشنطن تُطرد سفير جنوب أفريقيا
إبراهيم رسول، رفيق مانديلا البارز والداعم القوي لفلسطين
في تصعيد جديد للأزمة بين الولايات المتحدة
وجنوب أفريقيا، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، يوم السبت 15 مارس/آذار
2025، عن طرد السفير الجنوب أفريقي لدى واشنطن، إبراهيم رسول، واصفًا إياه بأنه
"شخص غير مرغوب فيه".
وقال روبيو في منشور عبر منصة "إكس".
لم يعد مرحبًا به في بلدنا العظيم.. إبراهيم رسول سياسي محرض على العنصرية، يكره أمريكا
ويكره الرئيس ترامب.. ليس لدينا ما نناقشه معه".
وأرفق روبيو منشوره برابط لمقال من موقع
"بريتبارت" اليميني، يتناول تصريحات إبراهيم رسول خلال كلمة ألقاها في معهد
مابونجوبوي للأبحاث بجنوب أفريقيا، حيث وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأنه
"يقود حركة عنصرية بيضاء في أمريكا وحول العالم"، وهو ما أثار غضب إدارة
ترامب، التي قررت إبعاده عن الأراضي الأمريكية بحلول 21 مارس/آذار 2025.
من جانبها، ردت حكومة جنوب أفريقيا ببيانين
رسميين من الرئاسة ووزارة العلاقات الدولية، وصفت فيهما الإجراء الأمريكي بأنه
"مؤسف"، لكنها أكدت التزامها بالحفاظ على العلاقات الثنائية ومعالجة الأمر
عبر القنوات الدبلوماسية.
إبراهيم رسول.. السياسي المسلم
ورفيق مانديلا؟
* يُعد إبراهيم رسول شخصية بارزة في السياسة
الجنوب أفريقية، حيث كان من رفاق نيلسون مانديلا ومناضلًا ضد نظام الفصل العنصري.
فيما يلي لمحة عن مسيرته:
* ولد عام 1962، وانخرط مبكرًا في النضال
ضد التمييز العنصري عبر الجبهة الديمقراطية المتحدة وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي،
وتعرض للاعتقال والإقامة الجبرية عدة مرات.
* شغل عدة مناصب قيادية، منها وزير الصحة
والخدمات الاجتماعية (1994-1998)، ورئيس وزراء مقاطعة كيب الغربية (2004-2008).
* عُيّن سفيرًا لجنوب أفريقيا لدى واشنطن
مرتين، الأولى بين 2010 و2015، والثانية في يناير 2025، قبل أن تطرده الخارجية الأمريكية.
* يُعد رسول من مؤسسي "حركة الشباب
المسلم"، المتأثرة بفكر جماعة الإخوان المسلمين، كما يُعرف بدعمه القوي للقضية
الفلسطينية.
* نشر قبل شهر من السابع من أكتوبر صورة
لكوفية فلسطينية تحمل توقيع إسماعيل هنية، وكان يرتديها في فعاليات عدة لدعم فلسطين
في جنوب أفريقيا.
دلالات الطرد وتداعياته
يعد قرار طرد رسول تصعيدًا غير مسبوق في
العلاقات بين واشنطن وبريتوريا، والتي شهدت توترًا متزايدًا منذ إدارة بايدن، وبلغت
ذروتها مع ترامب. ويعكس هذا الإجراء توجه إدارة ترامب نحو تقويض الشخصيات السياسية
التي تعارض سياساته، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات العرقية.
هل يمثل هذا القرار بداية قطيعة دبلوماسية
بين البلدين؟ أم ستتمكن جنوب أفريقيا من احتواء الأزمة عبر المسارات الدبلوماسية؟ الأيام
القادمة ستكشف عن تطورات المشهد.
ما التصريحات التي أدلى بها
رسول وأغضبت الأمريكيين؟
* كان رسول يتحدث في معهد "مابونجوبوي"
للتفكير الاستراتيجي (ميسترا) في جوهانسبرج٬ في محاولة لشرح مواقف ترامب الأخيرة في
ضد جنوب أفريقيا٬ وقال إن "التفوق الأبيض هو الدافع وراء عدم احترام ترامب للنظام
المهيمن الحالي في العالم، بما في ذلك مؤسسات مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين".
* كما ربط بين تبني ترامب لسردية المزارعين
الأفريكانز (البيض) في جنوب إفريقيا، الذين اتهموا حكومتهم بالسعي لمصادرة أراضيهم
الزراعية بعد إقرار قانون استرداد الأراضي الشهر الماضي، وبين الجهود العالمية لحماية
التفوق الأبيض.
* وأضاف رسول في التصريحات التي يبدو أنها
أثارت ترامب وروبيو أن "حركة (لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً) لم تكن استجابةً لغريزة
عنصرية فحسب، بل للتحولات الديموغرافية الأمريكية حيث من المتوقع أن يصبح 48% من الناخبين
البيض في الولايات المتحدة، مما يعني أن الأقليات ستشكل الأغلبية مستقبلاً، وهو ما
يجب أخذه في الاعتبار لفهم بعض السياسات التي قد تبدو غريزية أو عنصرية، مثل بناء الجدران
الحدودية وترحيل المواطنين الأجانب قسراً، وخاصة من دول أميركا اللاتينية.
* وذكر رسول في مداخلته عبر "zoom" أنه "ليس من قبيل الصدفة" أن ينخرط إيلون ماسك
في السياسة اليمينية المتشددة، وأن نائب الرئيس جيه دي فانس التقى زعيم حزب سياسي ألماني
يميني متشدد قبل الانتخابات هناك.
* وأشار إلى أن المزارعين من جنوب إفريقيا
الذين قدموا مظالم أفريكانية داخل الولايات المتحدة كانوا جزءاً من هذا الجهد العالمي
لتفوق البيض. وقال رسول إن جنوب أفريقيا يمكن أن تقود الجهود للتصدي لنزعة التفوق الأبيض
التي يتبناها ترامب، لأن البلاد كانت "الترياق التاريخي للنزعة التفوقية للبيض".
لكنه أقرّ بأن بلاده تفتقر إلى القدرة على التأثير على الولايات المتحدة من خلال تعاملاتها
التجارية مع دول مثل الصين، لأن التجارة مع الولايات المتحدة أكثر قيمة. كما حذر من
اقتراحات فك الارتباط مع الولايات المتحدة أو التخلي عن تجارتها لصالح دول أخرى.
* كما تناول السفير رسول تمسك جنوب إفريقيا
باستقلال قرارها وعلاقاتها الدولية بين الشرق والغرب، وخاصة مع الصين وروسيا، بالإضافة
إلى موقفها من الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني
في غزة والضفة، وإيصال "إسرائيل" للمرة الأولى إلى العدالة الدولية بالجرم
المشهود.
ما أسباب الخلافات بين أمريكا
وجنوب أفريقيا التي وصلت إلى حد طرد السفير رسول من واشنطن؟
* يعد طرد إدارة ترامب للسفير إبراهيم رسول أحدث فصول تدهور
العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا. وقبل ترامب كانت هناك توترات بين البلدين
في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن٬ وذلك بسبب دعم جنوب أفريقيا للقضية الفلسطينية
ومناهضتها لـ"إسرائيل"٬ حيث رفعت بريتوريا قضية ضد "إسرائيل"
-حليفة واشنطن- أمام محكمة العدل الدولية واتهمتها بارتكاب جرائم حرب إبادة جماعية
في القطاع المحاصر٬ وهو ما أثار غضب الأمريكيين ودفعهم إلى شن هجوم على جنوب أفريقيا٬
فيما قدم مجلس النواب الأمريكي حينها مشروع قانون يدعو إلى إعادة تقييم العلاقة بين
واشنطن وجنوب أفريقيا.
* ما فعلته إدارة بايدن في هجومها على جنوب أفريقيا ومحاولتها
عرقلة القضية التي رفعتها ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية٬ مهد الطريق
لإدارة ترامب لعقاب جنوب أفريقيا٬ حيث شن الرئيس ترامب، ووزير خارجيته ماركو روبيو،
وكبير مستشاري الرئيس الملياردير إيلون ماسك، جنوب أفريقيا في سلسلة من المنشورات على
وسائل التواصل الاجتماعي في مطلع فبراير 2025 قالوا فيها إن المزارعين البيض في البلاد
يتعرضون للتمييز بموجب سياسات الإصلاح الزراعي التي تقول حكومة جنوب إفريقيا إنها ضرورية
لمعالجة إرث الفصل العنصري.
* وقال ترامب: "جنوب أفريقيا تصادر الأراضي وتُعامل فئاتٍ
معينة من الناس معاملةً سيئةً للغاية…سأقطع جميع التمويلات المستقبلية عن جنوب أفريقيا
حتى انتهاء التحقيق الكامل في هذا الوضع!". وبحلول يوم الأربعاء، 6 فبراير
2025 نشر وزير الخارجية ماركو روبيو على موقعX، "لن أحضر قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ.. جنوب أفريقيا
تفعل أشياء سيئة للغاية: مصادرة الممتلكات الخاصة".
* فيما شن حليف ترامب ومستشاره ملياردير التكنولوجيا إيلون
ماسك، الذي وُلد ونشأ في جنوب أفريقيا هجوماً على القيادة الجنوب أفريقية٬ وأعاد ماسك
تغريد تعليقات ترامب وروبيو٬ وقال ماسك في رده على بيان الرئيس الجنوب أفريقي رامافوزا
حول اتهامات ترامب: "لماذا لديك قوانين ملكية عنصرية صريحة؟". وقال ماسك
إن البيض في جنوب إفريقيا كانوا ضحايا "قوانين الملكية العنصرية"٬ على حد
تعبيره.
* وبالفعل٬ قادت هذه الهجمات إلى إعلان البيت الأبيض في 8 فبراير
2025 أمراً تنفيذياً يقضي بخفض المساعدات المالية لجنوب أفريقيا٬ "بسبب سياستها
المتعلقة بالأراضي وقضية الإبادة الجماعية التي رفعتها على إسرائيل". وأضاف البيت
الأبيض في إعلانه أن "واشنطن ستضع أيضا خطة لإعادة توطين مزارعين من جنوب إفريقيا
وعائلاتهم كلاجئين". وقال "إن المسؤولين الأميركيين سيتخذون خطوات لإعطاء
الأولوية للإغاثة الإنسانية بما في ذلك استقبال اللاجئين وإعادة توطينهم من خلال برنامج
قبول اللاجئين في الولايات المتحدة لمن هم في الأغلب من نسل البيض المستوطنين الهولنديين
والفرنسيين الأوائل".
* إلى جانب هذه الأسباب التي أدت لتوتر العلاقة بين واشنطن
وبريتوريا٬ هو تقارب جنوب أفريقيا مع خصوم للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا٬ حيث
تعد بريتوريا عضواً أساسياً في مجموعة "بريكس" إلى جانب بكين وموسكو٬ وهي
المجموعة التي تتهم الدول الغربية بالهيمنة على المؤسسات الدولية المهمة في العالم،
وتدعو إلى إصلاح المؤسسات الدولية، وكذلك إصلاح النظام العالمي وخاصة النظام المالي
والنقدي، وتسعى إلى وضع حدّ لهيمنة الدولار من خلال إنشاء عملة البريكس لتكون عملة
بديلة يمكن استخدامها في مدفوعات التجارة الدولية بدلًا من الدولار.
* وخلال غزوها لأوكرانيا٬ رفضت جنوب أفريقيا إدانة موسكو٬ فيما
أعلنت بريتوريا إلتزامها بمبدأ "الصين الواحدة" الذي ينص على أن تايوان جزء
من الصين٬ فيم تتهم واشنطن بريتوريا بالتقارب مع الصين سياسياً واقتصادياً على حسابها.
وإلى جانب الصين وروسيا٬ الخصمين اللدودين لأمريكا٬ تحظى تعد العلاقة بين جنوب أفريقيا
وإيران، وخاصة بعد انضمامها لمجموعة البريكس علاقة وثيقة سياسياً واقتصادياً. وقد أثار
ذلك التقارب مع "أعداء الولايات المتحدة" غضب الإدارة الأمريكية.
ما هو قانون مصادرة الأراضي
في جنوب أفريقيا الذي تعاقب إدارة ترامب بريتوريا عليه؟
* تقول وكالة NPR الأمريكية إن العديد من السود في جنوب أفريقيا يشعرون بالإحباط
من طول المدة التي استغرقتها عملية إصلاح الأراضي منذ نهاية نظام الفصل العنصري في
عام 1994. ووفقاً لإحصاءات الحكومة، فإن الغالبية العظمى من الأراضي الزراعية الخاصة
في جنوب أفريقيا – حوالي 72٪ – لا تزال مملوكة للأقلية البيضاء في البلاد، والتي تشكل
حوالي 7٪ من السكان.
* وفي ظل نظام الفصل العنصري، طُرد سكان جنوب إفريقيا غير البيض
قسراً من أراضيهم لصالح البيض. واليوم، وبعد نحو ثلاثة عقود من انتهاء الفصل العنصري
رسمياً في البلاد، لا يمتلك السود في جنوب إفريقيا، الذين يشكلون أكثر من 80% من سكان
البلاد البالغ عددهم 63 مليون نسمة، سوى حوالي 4% من الأراضي الخاصة.
* ووقع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا في يناير 2025 مشروع
قانون يهدف إلى تسهيل مصادرة الدولة للأراضي للمصلحة العامة، والذي يهدف إلى معالجة
إرث الاستعمار والفصل العنصري.
* ودافع رامابوسا عن هذه السياسة، مؤكداً أن الحكومة لم تصادر
أي أراض. وأضاف أن هذه السياسة تهدف إلى معادلة الفوارق العرقية في ملكية الأراضي في
الدولة ذات الأغلبية من أصحاب البشرة السوداء.
* ورغم أن ترامب لم يحدد "فئات الناس" التي تتعرض
لسوء المعاملة في جنوب أفريقيا، فقد كان من المفهوم على نطاق واسع أنه كان يتحدث عن
الأقلية البيضاء في البلاد.
* وكان هذا القانون مثيراً للجدل في جنوب أفريقيا لأنه يسمح
بمصادرة الأراضي دون تعويض وإعادة توزيعها في بعض الظروف النادرة، إذا تبيّن أن الاستيلاء
"عادل ومنصف ويخدم المصلحة العامة". وصرح رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا
بأن التشريع "سيضمن حصول المواطنين على الأراضي بطريقة منصفة وعادلة".
* مع ذلك، لا يسمح القانون بمصادرة الأراضي تعسفاً، بل يجب
إبرام اتفاق مع المالك٬ كما يجب أن تتم أي مصادرة للأراضي عبر المحاكم المستقلة في
جنوب أفريقيا.
* وقالت حكومة جنوب أفريقيا، التي تتكون من 10 أحزاب بقيادة
حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، في وقت سابق إن تصرفات الرئيس الأمريكي كانت تستند إلى
"حملة من المعلومات المضللة والدعاية تهدف إلى تشويه صورة أمتنا العظيمة".
وأضافت أنه لم يتم الاستيلاء على أي أرض دون تعويض، وقالت إن هذا لن يحدث إلا في ظروف
استثنائية، مثل إذا كانت هناك حاجة إلى الأرض للاستخدام العام وتم استنفاد جميع السبل
الأخرى للحصول على الأرض".
* وأصدر رامافوزا بياناً ينفي فيه اتهامات ترامب٬ وقال:
"جنوب أفريقيا ديمقراطية دستورية راسخة الجذور في سيادة القانون والعدالة والمساواة.
ولم تصادر حكومة جنوب أفريقيا أي أرض". وأشار رامافوزا أيضاً إلى أن تهديد ترامب
بقطع التمويل ليس له أهمية كبيرة، قائلاً: "باستثناء مساعدات برنامج بيبفار، التي
تشكل 17٪ من برنامج جنوب أفريقيا لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، لا يوجد
تمويل آخر تتلقاه جنوب أفريقيا من الولايات المتحدة".
(المصدر: عربي بوست)