بقلم : د. أحمد الشوابكة (*)
العلماء أصناف وأنواع، منهم من يكتفي من العلم بزيّه يبيعون آخرتهم بدنيا سلاطينهم، يدورون معهم ومع أهوائهم حيث داروا، وهم الأغلبية، يكثرون عند الطمع ويتوارَون عند الفزع. وآخرون ربّانيون ديدنهم الحق وهو مهوى عقولهم وأفئدتهم لا يخافون فيه لومة لائم لا يبالون بالمصائر ولا يسألون عن النتائج. همّهم إرضاء ربهم وصلاح آخرتهم ولو كانت على حساب أعزّ ما عندهم. أعدادهم في كل زمان شحيحة، توشك أن تحصيهم، إلاّ أن نفعهم عميم وأثرهم عظيم وذكرهم مستديم.
والعالِم القرضاوي واحد من هؤلاء، بل هو رأسهم، تأرز إليه الأمّة في أزماتها، تنتظر كلمته وتتحرى موقفه، لعلمه وأمانته وصدقه وإخلاصه.
ينحاز دوماً إلى أمّته وإلى قضاياها المصيريّة حاضراً ومستقبلاً، شغله الشاغل وهمّه الأكبر وأسمى أمانيه أن يرى أمّته شامخة وقد استعادت عافيتها وهيبتها وأخذت المكانة التي تليق بها.
فهو حاضر في كل قضاياها وحواضرها، حاضر في غزّة العزّة وفلسطين الغالية والأقصى المبارك ومصر الحرّة الثائرة على الظلم والاستبداد وليبيا الحائرة بين الماضي والحاضر وتونس الخضراء واليمن السعيد وسوريا الأمويين وعمر بن عبد العزيز وعراق هارون الرشيد وتركيا آل عثمان والصومال المقسّم والأقليّات المضطهدة في غرب وشرق.
لم يقعده تقدّم سنّه واعتلال صحته عن مواصلة الجهاد بالكلمة الطيّبة والنصيحة الخالصة والقول الفصل الذي لا يحتمل اللّبس ولا الهزل، كاشفاً علل أمّته وما يفتك بها من أمراض، كآفة انقسامها وتناحرها فيما بينها وتُخلّفها وتبعيّتها وتبديد ثرواتها واستبداد حكامها ولهو شبابها معقباً على ذلك كله بتأكيد سبل إنقاذها.
فلا غرو، والحالة هذه، أن تجتمع عليه العداوات وتصوّب نحوه السهام من كل صوب، من يهود وأمريكان ومنظمات تسلّط وإذعان وأعراب ومستعربين انتسبوا زوراً وبهتاناً للعروبة الحقّة التي اتسمت حتى قبل إسلامها بشيم الشهامة والإباء والفروسية والشرف، فكيف بعد إسلامها.
سيبقى القرضاوي مهما قيل وصدر، صاحب الكلمة الصادقة والمواقف المشرّفة، صادعاً بالحق ومعلياً من شأنه وراضياً بتبعاته.
(*) أستاذ التاريخ وعميد كلية المجتمع الإسلامي بالزرقاء-الأردن