فركت عينيّ وأنا أُطالع ما نشرته وسائل الإعلام المصريّة عن القرار الذي اتخذه النائب العام المصري الجديد هشام بركات بوضع العلامة الدكتور الإمام يوسف القرضاوي على قوائم ترقّب الوصول بمنافذ الدخول في الموانئ المصريّة سواء الجويّة أو البحريّة أو البريّة.
وفيما نشر على لسان مصدر قضائي مجهول برّر سبب القرار أن القرضاوي متهم بالتحريض على قتل الجنود المصريين والتدخّل في الشؤون المصرية !! واللافت أن النائب العام طلب تحريات جهاز الأمن الوطني لبيان ما يمكن أن يكون القرضاوي ضالعاً فيه!
على مدى سنوات عملي الطويلة في القانون والمحاماة والاشتراك في قضايا سياسيّة لخصوم النظام من الإسلاميين وغيرهم لم أجد دوراً للنيابة العامّة في البحث عمّا يُمكن أن يتورّط فيه مواطن مصري لم تبدر منه مخالفة أو جريمة، فتُبادر هي بوضع قيمة وقامة في حجم الشيخ الدكتور العلامة يوسف القرضاوي على قوائم ترقب الوصول! شيء سخيف جدّاً وخارج عن حدود اللياقة في التعامل مع شخصيّة في هذا الحجم، ربّما لو تفضّل سيادته واتصل هاتفيّاً بمكتب الشيخ ودعاه لتناول قدحاً من الشاي للبّى الشيخ دعوته فوراً.
جميل أن النائب العام يتصرّف على ضوء ما يُنشر بوسائل الإعلام، وطالما نادينا النائب العام في كل زمان من أزمنة الحكم في مصر أن يتخذ من التدابير القانونيّة اللازمة وفقاً لما يُمكن اعتباره بلاغاً يُوجّه إليه ممّا ينشر في وسائل الإعلام، فكم نشرت تلك الوسائل عن جرائم اقترفها ضباط شرطة بحقّ مواطنين ولم يتدخل أحد، وقُتل مواطنون مصريّون سلميّون استخدموا حقهم في التظاهر السلمي الاحتجاجي أمام نادي الحرس الجمهوري وتكرّر المشهد أمام النصب التذكاري ثمّ في ميدان رمسيس ثمّ في رابعة العدوية وميدان النهضة ثمّ في مسجد الفتح دون أن يستخدم النائب العام صلاحيّاته في متابعة القاتل والوصول إليه واستجوابه ومحاكمته ؟! تلك مفارقة تبرز الميكيافليّة لدى النائب العام وسياسة الكيل بمكيالين.
وتابع "أقزام" في الإعلام المصري الهجوم على الشيخ الجليل ولم يُراعوا سنّه ولا قيمته ولا جهاده ولمجرّد أن فضيلته تعرّض "لهؤلاء" الذين يسوقون الهجوم عليه ويُطالبون بمحاكمته ورد عليهم في إشارة بخطبته من على منبر مسجد عمر بن الخطاب ووصفهم "بالوقحين" اعتبروا أنه يتطاول على الشعب المصري، مال لهؤلاء والشعب المصري، فليتحدّثوا عن أنفسهم دون الزجّ بالشعب.
إن التطاول على عالم في قيمة القرضاوي لمجرّد أنه يصدع بما يراه حقّاً ويُعلن رأيه في هذا الصدد فيُصبح الأمر تعنتاً وتطاولاً وضيقاً من القيمة التي يحملها رأيه وتأثيراتها في عموم الشعب المصري الذي يثق في الرجل وفي وسطيّته واعتداله، إن ممّا ضايق هؤلاء إسقاطه على قتل المتظاهرين السلميين في رابعة العدوية وفي النهضة، وحينما يُطالب أنصار الشريعة بالثبات ولو كان نتيجته الموت فلا يعني هذا أبداً أنه يُحرّض على القتال أو القتل، فكلنا نقول لأبنائنا وقت أن كانوا معتصمين أو في تظاهراتهم "كونوا ابن آدم الأول المقتول ولا تكونوا أبداً ابن آدم القاتل".
فليعلم هؤلاء الناعقون أن "القرضاوي" قيمة ينبغي أن يفخر بها المصريّون حتى أولئك الذين يُخالفونه الرأي، فالرجل تمّ تكريمه في العديد من البلدان العربية والإسلامية في السعودية والأردن والمغرب وبروناي وماليزيا وقطر ودبي ومنحه الملك عبدالله الثاني وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، أصدر ما يزيد على 120 مصنفاً ومؤلفاً علميّاً وفقهيّاً امتلأت بها المكتبة الإسلامية، وعُدّ من الشخصيّات المؤثرة في العالم العربي والإسلامي وحصل على الترتيب الثالث ضمن أبرز المفكرين على مستوى العالم من بين عشرين عالماً ومفكراً.
حفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة والتحق بالأزهر الشريف ودرس به حتى حصل على الثانوية العامة بتفوّق مبهر إذ كان الثاني على دفعته، وواصل حتى حصل على العالية وكان ترتيبه الأوّل ثمّ حصل على العالمية "الدكتوراه" وكان ترتيبه الأوّل أيضاً.
صدع بالحق في عهد عبدالناصر فاعتقل ثلاث مرات نتيجة مواقفه، ولكنه أيضاً وقف موقفاً مشدداً من ظاهرة "التكفير" وكتب مؤلفات تناقش الظاهرة وحرض على الاعتدال، وهنا اقتربت منه السلطة وتحدّثت عن قيمة الرجل واعتداله، فإذا ما ناهض الانقلاب والاعتداء على الشرعيّة الدستوريّة انقلبوا وغيّروا ما كانوا يُردّدونه عن فقهه وحكمته وربّما ندموا على ضمّه لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
لا ينبغى للاختلاف في الرأي أن يكون معياراً للتهجّم على أصحاب الفكر والشخصيّات المميّزة أصحاب القامات العالية مثل أستاذ الأجيال يوسف القرضاوي.
ــــــــــ
* كاتب ومحام مصري