الرابط المختصر :

"البكاؤون
السبعة" واجبنا اتجاه إخواننا في أرض الرباط
كتبه: أ.د / بلخير طاهري
الادريسي
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين
واجب الوقت:
قال تعالى: [وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا
مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا
وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ
(92) سورة التوبة.
سبب نزول هذه السورة:
قيل أنها نزلت في سيدنا العرباض بن سارية
رضي الله عنه، وقيل نزلت في سبعة نفر، وهم: من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير - ومن
بني واقف: هرمي بن عمرو، ومن بني مازن بن النجار: عبد الرحمن بن كعب, يكنى أبا ليلى
= ومن بني المعلى: سلمان بن صخر -ومن بني حارثة: عبد الرحمن بن يزيد، أبو عبلة، وهو
الذي تصدق بعرضِه فقبله الله منه = ومن بني سَلِمة: عمرو بن غنمة, وعبد الله بن عمرو
المزني.
فهؤلاء نالوا البشرى، بسبب صدق نيتهم وضعف
إرادتهم على الالتحاق بصفوف المجاهدين.
وقريب منها ما ورد في صحيح البخاري، فعن
أنس بن مالك رضي الله عنه، قال، قال رسول الله ﷺ: "لقد
ترَكْتُمْ بالمدينةِ أقوامًا ما سرتُمْ مسيرًا ولا أنفقتُمْ من نفقةٍ ولا قطعتُمْ من
وادٍ إلَّا وَهُم معَكُم قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يَكونونَ معَنا وَهُم بالمدينةِ؟
قالَ: حبسَهُمُ المرضُ" رواه البخاري. وفي رواية حبسهم المرض.
سبب الورود:
قيل إنه ورد، لما كان صحابة رسول الله راجعين
من غزوة تبوك، وقد نال منهم القتال والجوع والعطش، والإثخان من الجراح، إضافة إلى تعب
السفر.
فذكرهم الله بأقوام من إخوانهم حبسهم المرض
أو العذر، وكيف أنهم في الأجر سواء.
وفي الحديثِ:
فَضلُ النِّيَّةِ في الخَيرِ، وأنَّ الإنسانَ إذا نوى العملَ الصَّالحَ، ولكنَّه لم
يَستطعِ القيامَ به لعُذْرٍ؛ فإنَّه يُكتَبُ له أَجْرُ ما نوَى.
بيت القصيد:
كلنا مكلوم على ما يقع لإخواننا في أرض
الرباط من إبادة على أعين العرب والمسلمين والعالم بأسره، وكلنا يشهد تواطؤ الباطل
على أهل الحق، خاصة من بني جلدتنا.
وهناك الكثير من هو محروق القلب، يبحث عن
المسلك والمخرج كيف ينصر إخوانه، خاصة بدنيا من خلال الجهاد، ولكن هو يعلم أن هذا من
ضرب الخيال في هذا. الزمان.
فما هو واجبنا أمام هذا التكبيل، فأقول
وبالله التوفيق أمامنا أربعة، لا تسقط عنا بحال من الاحوال، وندخل تحت زمرة البكائيين،
أما الواجب الخامس، فنحن معذرون فيه.
* أولا: الواجب الإيماني: وهو واجب اعتقاد النصرة، والدعاء لهم في السر والعلن، وهذا
المستفيد الأول منه أنت أيها الداعي، حتى تبقى جذوة الجهاد متقدة في قلبك، وإحياء فريضة
الجهاد في قلبك، من حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه: "-مَن ماتَ ولم يغزُ ولم
يحدِّث نَفسَهُ بالغَزوِ ماتَ علَى شُعبةٍ من نفاقٍ". رواه مسلم.
* ثانيا: الواجب المالي: وهذا يتلخص في وجوب النفقة على المجاهدين وأسرهم، وهذا انطلاقا،
من التوجيه النبوي، فعَن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ
غَزَا). رواه البخاري.
وأوسع منه، مشروع إسراج القناديل بكل ما
تحمله هذه اللفظة من معاني تبشيرية من خلال الاسراج، الذي هو النور الذي يسري في هذه
الأمة، ومعاني تخويفية القناديل المحرقة لأعداء الاسلام، فعن ميمونة مولاة النبي -صلى
الله عليه وسلم- "أنها قالت، يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس فقال ائتوه فصلوا
فيه وكانت البلاد إذ ذاك حربا فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله".
رواه ابو داود.
* ثالثا: الواجب الاعلامي: ويتلخص في كل وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي، خاصة المتاحة
بين أيدينا، فضلاً عن القنوات التلفزيونية والجرائد والمجلات؛-
- أولا: للتعريف بقضيتنا العادلة،
- وثانيها: لفضح جرائم المغتصب الصهيوني، وفضح التواطؤ الغربي والخيانة
العربية والإسلامية.
فنحن لسانهم ونحن سقط فراؤهم، ونحن نوابهم
في قضيتهم، وكل من تقاعس عن السلاح فقد خان الرسالة.
ورأينا كيف الصور أرعبت الكيان، وأيقظت
النيام، وبددت أوهام الجيش الذي لا يقهر، وهو يجري بحفظاته وهي مبتلة.
الإضافة إلى العمليات النوعية، من مسافة
الصفر، التي أصبحت تدرس في أرقى الكليات الحربية. بالإضافة إلى كيف يصنع المقاتل الشرس
بأبسط التجهيزات التي يمتلكها المقاتل في زمن العافية.
قال تعالى: [يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ
عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا
أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ] (سورة
الأنفال: 65).
رابعا: الواجب الاقتصادي: ونقصد بالواجب الاقتصادي هو سلاح المقاطعة الفتاك الذي أغلق
أكبر الشركات العالمية، وأدخلها في الإفلاس، ولا يغرنكم نعيق بعض الفتاوى الشاذة كشذوذ
أصحابها -إن المقاطعة عبث ولعب، وحتى و لو كانت كذلك فلا بد فيها من إذن السلطان- وأنتم
تعرفون حقيقة السلاطين، ولهم حظ من هذه التسمية (التسلط).
فتحريمنا لهذه المنتوجات ليس لذاتها، وإنما
لمقصدها، إعمالا للقاعدة الأصولية المقاصدية (ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب لقصده،
لا لذاته).
وهذا فيه من النكاية في العدو ما فيه، فضلا
عن مؤيديه وناصريه.
فإذا كان أهل الباطل ينصروا بعضهم بعضا،
فمن باب أولى مناصرة أهل الحق للحق، وصدق الله العظيم: [يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ
ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى
اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا
أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ
الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ] (سورة المائدة: 53).
خامسا: الواجب الميداني: وأخرت هذا الواجب، الذي هو واجب المنازلة في الميدان عن طريق
الجهاد بالنفس، ونحن نعلم علم اليقين أنه دونه مفاوز، وهو على مراتب:
- الأولى: هو واجب وجوبا عينيا على أهل الرباط وهم أهل الأرض، وهذا
النوع من الجهاد، يسمى "جهاد الدفع" وعليه لا يشترط فيه إذن الحاكم، ولا
الزوجة زوجها، ولا الابن أباه، ولا العبد سيده.
- الثانية: فإن عجز أهل الأرض تعين على دول الطوق وجوبا عينيا، ونحن
نعلم أن حكام الطوق هم من يطوقونهم، ويبيعونهم بأبخس الأثمان، حالهم كحال ملوك الطوائف
كما وصفهم العلامة ابن حزم في رسائله، وهو يصور ذلك المشهد المخزي، حيث قال:
"والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم
يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً،
فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفاً من سيوفه"
رسائل ابن حزم؛ 3/174.
- الثالثة: فإن عجز أهل الطوق أو تخاذلوا انتقل إلى الأقرب فالأقرب
من أراضي المسلمين، حتى تنتهي لآخر مسلم أمكنه حمل السلاح، ولا يسقط فرض العين عن الأمة،
حتى تتبناه فئة من المسلمين دون غيرهم، كما جاء في الحديث الصحيح: (مثل المسلمين في
توادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى له عضو ، تداعى له الجسد بالسهر و الحمة).
فهذه هي مراتب جهاد الدفع، وحال المسلمين
لا يخفى على أحد، وحتى النصرة بالواجبات الأربع السابقة هي على استحياء والله المستعان.
في الأخير:
إن الأمة تمر بمخاض عسير، وإما أن تكون
شاهدة على الناس، وإما أن تكون مستشهدة في سبيله، ولا مكان لفسطاط ثالث، إما حزب الجهاد
والمقاومة، وحزب العمالة والخيانة للأمة.
وإن المستقبل لهذا الدين، عقيدة ويقينا،
وليس أمنية وطمعا، وهذا ما بشرنا به الصادق المصدوق، من حديث ثوبان رضي الله عنه: "لا
تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ،
حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وفي رواية: وهُمْ كَذلكَ". وراه مسلم.
فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا يا رب،،
قال تعالى: [هَا
أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ
ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ
الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا
أَمْثَالَكُم] (سورة محمد: 38).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر
عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.