الرابط المختصر :

معالم الإفتاء الراشد في
نوازل السياسة الشرعية
كتبه: د. مسعود صبري
عضو الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين
اهتم الصحابة وجيل السلف بفقه السياسة
الشرعية منذ بواكير تاريخ الإسلام، وليس أدل على ذلك من انشغالهم بتعيين حاكم
للدولة الإسلامية الناشئة يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن
يدفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي تأخر لليوم التالي من الوفاة، إلا أن
الأحداث والاجتهادات في فقه السياسة الشرعية المعاصرة تثبت يوما بعد يوم فقر هذا
النوع من الفقه عن غيره من أنواع الفقه الأخرى، فنجد زخما كبيرا في التصنيف
والتأليف في أبواب العبادات والمعاملات المالية وفقه الأسرة وغيرها من الأبواب،
إلا أن باب فقه السياسة الشرعية مازال غير ناضج نضجا سويا، ولم ينل اهتمامه كما
نالت الأبواب الفقهية الأخرى، ولعل من أهم أسباب ذلك طبيعة السياسة والحكم والزهد
في الاهتمام والعناية بها، وقد يكون من أسباب ذلك خشية طائفة من الفقهاء أن يظهروا
اجتهاداتهم التي قد تكون سببا في إيذائهم، سواء إما في أنفسهم بالسجن أو التعذيب،
بل والقتل، أو في أرزاقهم وقوت عيالهم، فيفصلون من وظائفهم، أو التضييق عليهم
بأنواع شتى، ويضاف إلى هذا – أيضا- أنه ليس كل فقيه أو مشتغل بالفقه عنده الملكة
الفقهية والقدرة على الاجتهاد في نوازل السياسة الشرعية.
ولهذا، كان الإفتاء في نوازل السياسة
الشرعية صعب المنال، معقدا إلى حد كبير، لا يفتح فيه إلا على ثلة قليلة من العلماء
الذين يجمعون بين التأصيل العلمي وخشية الله تعالى، والصدع بالحق لا يخافون في
الله لومة لائم.
خطورة الإفتاء السياسي
وليس خفيا على عاقل فضلا عن أن يكون فقيها خطورة
الفتاوى السياسية على الأمة كلها، حتى إنها كانت أحد أهم أسباب إسقاط الخلافة
العثمانية، حين أفتى مفتي الخلافة العثمانية محمد ضياء الدين أفندي بجواز خلع
السلطان عبد الحميد الثاني.[1] ..
تسيس الفتوى:
ومن مظاهر خطورة الفتاوى السياسية ظاهرة تسيس
الفتوى، بل وانتشار ذلك التسييس بشكل كبير، حتى إننا وجدنا فقهاء لسان حالهم يقول:
(جاهزون للتسييس دون طلب)!!
ويطرح الدكتور سيف الدين عبد الفتاح ثلاثة أشكال لـ(تسييس
الفتوى)، هي:
الشكل الأول: تهميش فتاوى الأمة؛ حينما نحاول -خاصة في أبواب الفتاوى- طرح موضوعات شديدة التكرار وربما
شديدة التفاهة أيضا. وهذه من المسائل التي تعد من إضاعة الفتوى التي تقصي قضايا
الأمة الحقيقية.
الشكل الثاني: إسناد المواقف السياسية بالفتوى، وهي مسألة غاية في الخطورة، إن كانت تلك المواقف تطوع الشرع لصالحها،
فهناك مواقف سياسية تتخذ من الدول أو من المسئولين أو من الأنظمة السياسية، ثم
يأتي المفتي ليسند هذا الرأي الذي يتعلق بالنظام السياسي الرسمي.
الشكل الأخير: حالة التفاتي؛ أو
حروب الفتوى التي تكون أحيانا بين الفقهاء وبين المفتين؛ ففارق كبير بين اختلاف
التنوع في الفتوى واختلاف التضاد الذي يؤدي إلى اتخاذ مواقف سياسية وليس مواقف
إفتائية تتناسب مع تلك الحالة الإفتائية[2].
ضوابط الإفتاء في نوازل
السياسة الشرعية:
ومن هنا، كان واجبا على كل فقيه أو
مشتغل بالفقه من الباحثين وطلبة العلم أن يتهيأ لهذه المهمة الصعبة قبل الخوض
فيها، وألا يتسارع في القول والاجتهاد في تلك النوازل قبل أن يتسلح بالتكوين
العلمي الأصيل، والدربة والخبرة في صناعة الفتوى عامة وفي نوازل السياسة الشرعية
خاصة، وأن يكون من أهل الاجتهاد بشروطه، كما بينها العلماء في كتبهم، ويضاف إليها
بعض الضوابط الأخرى ذات الأهمية، ومن أهمها:
التخصص في الفقه:
من الواجب على الفقيه السياسي أن يكون
من الذين تخصصوا في علم الفقه خاصة دون غيره من العلوم، فإنه لما كان فقه السياسة
الشرعية من الأمور العامة، فإنه قد تجرأ عليه من ليس من أهله من غير الفقهاء،
كالمشتغلين بعلوم الحديث، أو التفسير وعلوم القرآن، أو الدعوة، أو اللغة العربية،
وليس تخرج شخص ما من مؤسسة دينية يجعله مؤهلا للإفتاء عامة، فضلا عن أن يفتي في
نوازل السياسة الشرعية، وقد رأينا بعض من تصدر القنوات الفضائية ووسائل التواصل
الاجتماعي ممن ينشغل بالدعوة أو الحديث أو التفسير من يقحم نفسه في تلك المعضلات
السياسية؛ انطلاقا من الظهور الإعلامي والجماهيرية، دون أن يتكون تكوينا علميا
رصينا يؤهله لخوض غمار نوازل السياسة الشرعية؛ فمثل هؤلاء مهما قرؤوا من كتب الفقه
التي ربما يدرسونها أحيانا في بعض المساجد، أو يقومون بإعطاء بعض الدورات في بعض
المتون، أو يشرحون بعض كتب الفقه القديم، فكل هذا لا يؤهلهم بالإفتاء في نوازل
السياسة الشرعية، ولذا نجد بعضهم يسقطون سقطات غير محمودة؛ لعدم تخصصهم ولعدم
تمكنهم من الاجتهاد الفقهي المعاصر، ولغياب الملكة الفقهية لديهم، وإن كان لديهم
ثقافة فقهية تسمح لهم بفتاوى الطهارة و الصلاة والزكاة والصوم والحج، و مسائل
الزواج والطلاق، وليس بلازم أن يفقه المرء كل التخصصات، بل ربما تخصص بعضهم في فرع
أو أكثر في الفقه دون غيره من الأبواب.
على أنه لا يتوجب بالضرورة أن يكون
حاصلا على شهادة من مؤسسة أكاديمية، وإن كان يفضل هذا، لكنه متى كان عالما بمسائل
الإجماع ومسائل الخلاف، مصاحبا لكتب الفقه، مدارسة وتدريسا وتأليفا؛ حتى يقال عنه
(فقيه).
معرفة الواقع السياسي:
ومن أهم ضوابط الإفتاء في نوازل
السياسة الشرعية معرفة الواقع السياسي الذي يفتي فيه، وأن يلم بالمعلومات في
المسألة إلماما كبيرا، ويحيط بملابساته، وأن يعرف عنها أدق التفاصيل بكل وسيلة
ممكنة، سواء من الخبراء في المسألة السياسية محل الإفتاء، أو من خلال القراءة
المعمقة من البحوث والدراسات والمقالات المتخصصة، وألا يكتفي بقراءة الصحافة، وألا
يفهم المسألة بالذوق، أو بالعاطفة، أو بجمع المعلومات من بعض الأشخاص المقربين منه.
ولهذا اشترط ابن القيم وغيره على
الفقيه المجتهد معرفة نوعين من الفهم: "أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه
واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما، والنوع
الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على
لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر".
فقه الموازنة بين
المصالح والمفاسد:
وهذا الفقه هو لب الفقه السياسي في
الإسلام، لاسيما مع قلة النصوص الواردة في الفقه السياسي، على اعتبار قيام السياسة
على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وهنا يختلف نظر الفقهاء في المسائل السياسية بناء
على اختلافهم في تقدير المصالح والمفاسد، لكن المشكلة الأكبر هو عدم قدرة الفقيه
في إدراك مراتب المصالح والمفاسد خاصة في الشأن السياسي، ومن هنا يقع كثير من
الفقهاء في الخطأ عند اجتهادهم في المسائل السياسية، بل لا أكون مبالغا إن قلت:
ندر من الفقهاء اليوم من يستطيع خوض ذلك الغمار، فغالب الاجتهادية السياسية
اجتهادات سطحية، يعوزها العمق.
مراتب المصالح والمفاسد:
ومن هنا نبه الفقهاء إلى المصالح
والمفاسد لها رتب، فتنقسم المصالح إلى: الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل، كما تنقسم
المفاسد إلى القبيح والأقبح، والرذيل والأرذل، ولكل واحد منها رتب؛ عاليات،
ودانيات، ومتوسطات متساويات وغير متساويات.
ومن رتب المصالح والمفاسد: أن مصالح
الإيجاب أفضل من مصالح الندب، ومصالح الندب أفضل من مصالح الإباحة، كما أن مفاسد
التحريم أرذل من مفاسد الكراهة.
طرق معرفة المصالح
والمفاسد:
ومن فقه المصالح والمفاسد أن مصالح
الدنيا ومفاسدها تنقسم إلى مقطوع ومظنون وموهوم، وأن مصالح الآخرة ومفاسدها لا
تعرف إلا بالشرع، ومصالح الدنيا ومفاسدها تعرف بالتجارب والعادات ، وليس كل الفقهاء يطلع على
التجارب والعادات.
الترجيح بين المصالح
والمفاسد:
ومن فقه المصالح والمفاسد معرفة
الترجيح بينها، وهي في الجملة إما أن تكون مصلحتان، فيجمع بينهما، فإن تعذر؛ قدمت
المصلحة الأعلى على الأدنى، وإما أن تكون مفسدتان، فتدفع كلتاهما، فإن تعذر؛ دفع
المفسدة الأكبر، وإما أن تكون بين مصلحة ومفسدة، فإن كانت المصلحة أكبر والمفسدة أدنى؛
انشغل بتحصيل المصلحة الأكبر، وإن كانت مفسدة أكبر ومصلحة أدنى؛ انشغل بدفع
المفسدة الأكبر، وإن تساوت المصلحة والمفسدة؛ انشغل بدفع المفسدة مع فوات المصلحة.
اختلاط المصالح
والمفاسد:
ثم من فقه المصالح والمفاسد أن يعلم
أنه قد تنشأ المصلحة عن المفسدة، والمفسدة عن المصلحة، وقد تنشأ المفسدة عن
المفسدة، والمصلحة عن المصلحة، وقد تقرن المصلحة بالمفسدة، ولا تنشأ إحداهما عن
الأخرى، وإذا ظهرت المصلحة أو المفسدة؛ بني على كل واحدة منهما حكمها، وإن جهلنا
استدل عليهما بما يرشد إليهما، وإذا توهمنا المصلحة المجردة عن المفسدة الخالصة أو
الراجحة؛ احتطنا لدفعها، ويتساوى في ذلك مصالح الدنيا والآخرة في جريان تلك
القواعد عليهما.
قاعدة اعتبار المآلات:
ومن أهم قواعد فقه السياسة الشرعية
اعتبار المآلات، وألا يقتصر عمل الفقيه السياسي على مجرد التوصل إلى الحكم الشرعي
فقط، بل عليه أن ينظر ما تؤول إليه الأمور والأفعال، "وذلك
أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بإقدام أو بالإحجام
إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو
لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه
أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول
بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها
فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول.»
ومثال ذلك امتناع النبي صلى الله عليه
وسلم عن قتل المنافقين؛ حتى لا يقال: إن محمدا يقتل أصحابه، وامتناعه عن إعادة
بناء الكعبة على قواعد إبراهيم؛ لحداثة القوم بالإسلام، وخشية حصول فتنة، ونهيه عن
زجر الأعرابي حين بال في المسجد؛ خشية حصول نجاسة في مواضع أخرى، وذلك كما قال ابن العربي: "النظر في مآلات الأفعال
في الأحكام، اختلف الناس بزعمهم فيها - وهي متفق عليها بين العلماء فافهموها
وادخروها".
الملكة الفقهية:
ومن شروط الإفتاء الراشد في قضايا
السياسة أن يكون لدى الفقيه السياسي ملكة فقهية تؤهله للتصدي لمثل هذا النوع من
الإفتاء، فلا يكتفى بانشغاله بالفقه، وإذا كان العلماء قد نصوا على وجوب حصول تلك
الدرجة للفقيه عامة، فهي في حق الفقيه السياسي أوجب، بل هي من أوجب الواجبات في
حقه. يقول الإمام الجويني رحمه الله: " وأهم المطالب في الفقه التدرب على
مأخذ الظنون في مجال الأحكام، وهذا هو الَّذي يسمى فقه النفس، وهو من أنفس صفات
علماء الشريعة"،
وذلك أن حصول الملكة الفقهية يجعل الفقيه صاحب رياضة في الاجتهاد، كما قال
الزركشي:" وليس يكفي في حصول الملكةُ على شيء تَعَرُّفُه، بل لا بُدَّ مع ذلك
من الارتياض في مباشرته، فلذلك إنَّما تصير للفقيه ملكة الاحتجاج واستنباط المسائل
أَنْ يرتاض في أقوال العلماء وما أتوا به في كتبهم، وربما أغناه ذلك عن العناء في
مسائل كثيرة، وإنَّما ينتفع بذلك إذا تمكن من معرفة الصَّحِيح من الأقوال من فاسدها، ومما يعينه
على ذلك أَنْ تكون له قوة على تحليل ما في الكتب ورده إلى الحجج، فما وافق منها
التأليفُ الصوابَ فهو صواب، وما خرج عن ذلك فهو فاسد، وما أشكل أمره تَوَقَّفَ
فيه".
التجرد من كل المؤثرات:
فإن المتكلم في فقه السياسة إن كان
متأثرا بحزب سياسي أو فكر معين، أو تيار أو اتجاه؛ فلابد محالة أن يكون متأثرا به
في اجتهاده، ولا يسلم من ذلك إلا من سلمه الله، وكم وقع بعض المتكلمين في الشأن
العام من الدعاة أو بعض الفقهاء في أخطاء جسيمة بسبب تأثرهم بفكرهم أو حزبهم أو
تيارهم، فالخصومة الكامنة في النفس لتيار منافس أو معاد، غالبا ما تظهر في فتاواه،
وإن أظهر أنه يبحث عن الحق، وأنه متجرد، بل ويدعي أنه يحارب الحزبية وهو في
الحزبية سقط، بل وجدنا بعض المشتغلين بالشأن العام يخوص بالطعن في الفصائل
والجماعات؛ متأثرا بفكره وحزبه، فربما أفسد من حيث أراد أن يصلح، وفرق دون أن
يجمع، وإن ظن أنه قال صالحا أو ناصحا، وما ذاك إلا بعدم تجرده، مع الجهل بفقه
السياسة الشرعية.
ومنهم من يسارع في الإفتاء بقتل من لا
يجوز قتله، لأجل معارضة سياسية، أو يدعي جواز القتل بالتسبب دون أن يتثبت من حصول
التثبت مع كونه خلاف جماهير الفقهاء، وربما جر بعضهم الشباب في مواجهات غير محسوبة
أضرت أكثر مما نفعت، وما ذاك إلا بسبب عدم التجرد.
وقد نبه الإمام ابن القيم – رحمه الله-
إلى فضيلة التجرد وألا يكون قصد المرء انتقاص الخصم ولو تكلم بألفاظ الشرع، فيقول:
«وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم
ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الالفاظ ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من
الألفاظ ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق
والباطل، ولا تغتر باللفظ ..
فإذا أردت الاطلاع على كنه المعنى هل
هو حق أو باطل فجرده من لباس العبارة وجرد قلبك عن النفرة والميل ثم أعط النظر حقه
ناظرا بعين الإنصاف، .. فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ والناظر بعين
المحبة عكسه وما سلم من هذا إلا من أراد الله كرامته وارتضاه لقبول الحق ».
الاجتهاد الجماعي في
قضايا الأمة:
ومن سمات الإفتاء الراشد في قضايا
السياسة الشرعية ألا ينفرد عالم أو فقيه برأي في قضية من قضايا الأمة الكبرى، فإن
العقل الواحد قاصر، وتمامه مع عقول إخوانه من العلماء، والخطر كل الخطر أن يتكلم
آحاد الفقهاء في قضايا الأمة على الملإ من شاشات التلفاز أو الإذاعة أو غيرها من
وسائل الإعلام العامة، فهنا تزل الأقدام مهما كان العالم كبيرا، فثمة فرق بين
تحبير المسائل والتريث فيها بالنظر والكتابة والكلمات المرسلة على الهواء مباشرة،
فضلا عن أن تكون من شخص، مهما علا كعبه، أو اغتر بشهرته، وقد نبه الله تعالى على
وجوب ذلك بقوله: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83] ، يقول
الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «أي: يردُّونه إلى جماعة أُولي الأمر، فيفهمُه
الفاهمون من أُولي الأمر، وإذا فهمه جميعهم فأجدَر».
إن الإفتاء في نوازل السياسة الشرعية
من أصعب أنواع الفقه، والإفتاء فيه صاحبه على خطر، ومن هنا كان حصانة الاجتهاد
الجماعي أولى من الانفراد فيه، وليعلم الفقيه أنه موقع عن الله تعالى في تلك
القضايا الحساسة، فليوغل فيها بفرق وحكمة، مع تجرد القلب والعقل لله، ساعيا كشف ما
يراه حقا؛ مع اعتقاده أنه مجتهد قد يخطئ، فإن رأى لغطا أو تشويشا فالسلامة بالسكوت
أولى، واضعا نصب عينيه مآلات قوله، فإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها
في النار سبعين خريفا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر
بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
* المصدر: مجلة المجتمع.
[1] - راجع: صحوة الرجل
المريض، موفق بن مرجه ص: 410 وتاريخ الدولة العلية، محمد فريد، ص: 709-710،
[2] - راجع: مشكلات الفتاوى في عالم السياسة، نهال
محمود مهدي، تحقيق بموقع ( إسلام أون لاين.،ت) بتاريخ: 24-8-2006م، وحلقة الفتوى
والسياسة، موقع قناة الجزيرة.
[3]
- إعلام الموقعين، لابن القيم (١/٦٩).
[4] - الفوائد في اختصار
المقاصد، للعز ابن عبد السلام (ص39):
[6] - ترتيب الفروق واختصارها،
للبقوري (1/ 44):
[7] - الموافقات، للشاطبي،ج 4
/ 194 - 195.
[8] - راجع: المرجع السابق، ج 4 / 195 - 198.
[10] - البحر المحيط 6/ 228.
[11] - مفتاح دار السعادة
ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 141):
[12] - «التحرير والتنوير» (4/
203).