البحث

التفاصيل

رمضان ورفع نوعية مطالب الإنسان

الرابط المختصر :

رمضان ورفع نوعية مطالب الإنسان (محاضرة)

كتبه: بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حق حمده، وما كل نعمة إلا من عنده، والصلاة والسلام على المصطفى خير الكلام وكفى.

مقدمة:

يقول تعالى في سورة غافر: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، تختلف مطالب الناس باختلاف مشاربهم، وباختلاف هممهم، وعلى قدر همتك تعطى، فأي شيء طلبت في عمرك يا إنسان، أما سمعت قصة الزِّبْرِقان بن بدر سيد قومه، والحُطيئة الشاعر الهجاء، حتى لا تكون مطالبك خسيسة وأنت لا تشعر. الزِّبْرِقان هو أحد وجهاء بني تميم وفرسانها وسادتها، وهو من الصحابة المخضرمين رضي الله عنه وأرضاه، جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني، أن الزِّبْرِقان كان سيدا من سادات الجاهلية، وله قدر عظيم في الإسلام، ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم، فحسن إسلامه، و ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه، وحين ارتد الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثبت هو مع قومه على الإسلام، وأحضر الصدقات لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فأقره خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات، وكذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما الحُطيئة، فكان شاعرا هجّاء؛ بذيء اللسان، لم يترك شخصا تعامل معه إلا وهجاه: هجا زوجته، ووالده، ووالدته، وخاله، وعمه، ولا أظن أنك ستتعجب كثيرا بعد ذلك لو قلت لك: إنه هجا حتى نفسه. ومما قال في هجوه للزِّبْرِقان:

(دَعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغْيتها ... واقعُدْ فإِنكَ أنت الطاعمُ الكاسِي)

فماذا حدث للحُطيئة بعد هجائه الزِّبْرِقان بذلك البيت الشهير؟ لقد شكا الزِّبْرِقان الحطيئة للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأحضرهما معاً، واستمع إلى الزِّبْرِقان وهو يردد ذلك البيت. فقال عمر: ولكن؛ أين الهجاء في هذا البيت.. إنني لا أسمع هجاءً، بل هو عتاب؟! قال الزِّبْرِقان: أكلُّ مروءاتي هي أن آكل وألبس؟! إنني إذن نكرة لا قيمة لي بين الناس، ولا دور لي في خدمة الدين. وفي رواية أخرى، قال له عمر: أما ترضى أن تكون طاعمًا كاسيًا؟ وفي رواية ثالثة، قال له عمر: ولكنه مدحك. قال الزِّبْرِقان: " أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس؟!"، قال عمر مخاطباً أحد مساعديه: عليَّ بحسان بن ثابت، فهو شاعر، وأكثر دراية وفهماً بالشعر وأغراضه، ولما جاء حسان ليحكم، عرض عليه الخليفة عمر بيت الحطيئة وسأله: هل هذا هجاء؟ فقال حسان: إنه لم يهجُه؛ ولكن سلح عليه" (أي تغوّط، كناية عن شدة الهجاء). ويقال: إن عمر سأل الشاعر لبيدًا كذلك، فأكد له أن ذلك البيت الذي قاله الحطيئة، هو أشد أنواع الهجاء، فقال لبيد: "ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه؛ وأن لي حُمُر النّـعم"، أي كرام الإبل. فأمر به عمر، فجعل في حفرة، وهذا هو السجن في تلك الأيام، ثم كان أن استشفع الشاعر الحطيئة الخليفةَ في قصيدته الرائيّة المؤثرة، فأطلقه، واشترى الخليفة أعراض الناس، واشترط عليه ألا يهجو الهجاء المقذع. [الأغاني للأصفهاني، المجلد 2، ص 177، جامع الكتب الإسلامية، بتصرف].

إن أكثر ما يلفت نظرنا في هذه القصة، هو استنكار الزِّبْرِقان لصفات لو قيلت لأغلب الأشخاص من أهل زماننا؛ لطار بها فرحا، فيكفي أن تقول عن شخص: إن فلانا هذا في حاله، ولا همّ له إلا إعالة أهله، وكافي خيرُه شره، ولكن هذا الرجل العربي المسلم الشهم، رفض أن يكون هذا هو فقط همه في الحياة، فأين هو من مطالب الآخرة؟ وأين هو من هموم أمته، والأخطار المحيطة بها من كل حدب وصوب؟ من يدفعها إن صار كل همه في الحياة هو توفير الطعام والكساء لذويه؟، لذلك فإننا لا نعجب كثيرا من أن مثل هذا الجيل، هو الذي فتح العالم، إن اهتمامكم بإعالة أنفسكم وأهليكم لا نقلل منها، فهذا فرض عليكم، واجتهادكم في السعي عليهم شيء رائع، ولكننا نربأ بكم أن يكون هذا هو مبلغ عزمكم، ونهاية همتكم، يجب علينا ونحن في دوامة التكسب من أجل أكل العيش، ألا نغفل مصيرنا الأخروي، وأن لا نغفل هموم أمتنا ولو للحظة، فإذا لم تستطيعوا التغيير، فما عليكم إلا إبلاغ الحق لمن تعرفوا، وإحسان التربية لمن تعولوا، وإياكم وأنتم تعولوا أهليكم، أن تضيعوهم بعدم التوعية والتربية على حمل هموم الأمة، وطلب معالي الأمور، فكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول، ولا تسمحوا لأي أحد أن يقعدكم عن المكارم، ولا أريدكم بأن تتفاخروا فقط بأنكم الطاعمين الكاسين.

هذا رمضان، وهذه أبواب السماء مفتوحة، فماذا سنطلب من الله تعالى؟ وكيف رفع الإسلام من نوعية مطالبكم، وأمانيكم؟ وماعلاقة هدف صيام شهر رمضان برفع همتكم؟

1 - رمضان واستجابة دعاء الصائم:

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 185، 186].

روى أحمد، والبخاري في الأدب، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِنَّ اَلدُّعَاءَ هُوَ اَلْعِبَادَةُ، ثم قرأ:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [سورة غافر: 60]، [أخرجه أحمد (4/271، رقم 18415)، والبخاري في الأدب المفرد (1/249، رقم 714)، وأبو داود (2/76، رقم 1479)، والترمذي (5/211، رقم 2969)، وقال: حسن صحيح، والحاكم (1/667، رقم 1802)، وقال: صحيح الإسناد، وغيرهم]. وروى الترمذي بسند حسن، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اَللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ) [رواه الترمذي (3370)، وابن حبان (870) والحاكم (1 / 490)]. ومن أسرار ذكر الدعاء بعد الحديث عن الصيام في هذه الآية الكريمة، أن للصائم دعوة لا ترد، روى الطيالسي في مسنده، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (" لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ ". وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو إِذَا أَفْطَرَ، دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا) [رواه الطيالسي في مسنده ج1/ص299 ح2262]، فالله عز وجل يحب الدعاء، ويحب العبد الملحاح، ويحب من يدعوه ويكثر من دعائه، خاصةً في أوقات السجود، وفي الثلث الأخير من الليل في رمضان، وخارج رمضان. ويستحب للصائم أن يدعو الله في كل الأوقات متى ما تيسر له ذلك، ودعاء الصائم عند الإفطار، هو سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 - أفضل الأدعية وأنفعها للإنسان:

أفضل الدعاء؛ هو ما كان من أدعية القرآن الكريم، فقد علّمنا الله عز وجل كيف ندعوه حينما أنزل آيات فيها دعاء له عز وجل، كما علمنا أيضًا الدعاء من خلال دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فيستحب الإكثار من هذه الأدعية الجامعة للخير، والتي أجراها الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي كتابه المبين. وكم من بابٍ بقي مقفلًا طيلة العام، ثم جاء رمضان يحمل المِفتاح، فدعاءُ رمضان مسموعٌ مرفوع، فحدِّد أدعيتك، ولا تضيع مواطن الإجابة، وادع وألح على ربك، ولا تيأس ولا تعجل، وفضل الله واسع، والله يرزق من يشاء بغير حساب.

3 -الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعه لنوعية مطالب الإنسان في رمضان

ها هو رسول صلى الله عليه وسلم، يرفع نوعية مطالب الإنسان في رمضان، بتوجيه مولاتنا عائشة رضي الله عنها العالمة الربانية، أم المؤمنين، وزوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي أدركت أهمية الدعاء، وشرف الزمان في رمضان عموما، وفي ليلة القدر خصوصا، فلم تُرد أن تضيع الفرصة السنوية التي هي ليلة القدر في طلب سفاسف الأمور، فلم تتسرع في طلباتها، بل توجهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرشدها لأفضل ما يمكن أن تطلب في ليلة القدر، روى النسائي في سننه الكبرى، وفي "عمل اليوم والليلة "، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه وصححه، وأحمد في مسنده، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: " قُولِي: اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ اَلْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) [رواه النسائي في سننه الكبرى ج6/ص219 (ح 10709)، وفي "عمل اليوم والليلة" (872)، والترمذي ( 3513 )، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه وصححه ( 3850 )، وأحمد في مسنده ج 6/ص208(ح25782) ، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين (1 / 530)].

إننا مهما بلغنا في العلم والمعرفة، فإننا لا نعرف مصالحنا، لهذا رفع الرسول صلى الله عليه وسلم هممنا، وكان تركيزه على طلب العفو والعافية، والسر في ذلك، أنك إذا كنت تدعُو الله، وضاق عليك الوقت، وتزاحمت في قلبك حوائجك، فاجعل كل دُعائك، أن يعفو الله عنك، فإن عفا عنك، أتتك حوائجك من دون مسألة، لهذا علينا أن نستشعر ما يتضمنه هذا الدعاء من معاني جليلة، إذ أن العفو هنا يتضمن ثلاثة أنواع: عفوا في الأبدان، وعفوا في الأديان، وعفوا من الديان. فعفو الأبدان: شفاؤك من كل داء، وعفو الأديان: توفيقك في الخير كله، وفي العبادة، وفي كل أعمال الآخرة، وعفو الديان: الصفح والعفو والغفران من الله العفو الكريم المنان، بمحو الذنب، والتجاوز عنه، وترك العقوبة عليه، ومن معاني العفو في اللغة العربية كذلك: الزيادة، والكثرة، فعفو المال زيادته، قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: 219]، أي ما زاد عن النفقة الأصلية، فعفوه سبحانه بأن يعطيك ما تسأل وفوق ما تسأل. لهذا نحن مطالبون بالإكثار من هذا الدعاء: (اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ اَلْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)، فهو يغني عن كل دعاء.

4 - دور صحبة أولياء الصالحين في الارتقاء بمطالب المصحوبين

بصحبة الصالحين؛ ترتقي أماني المؤمنين من سفاسف الأمور إلى ذرى الإحسان، لتصبح أسمى رغباتهم في الدنيا هي أن يكونوا أولياء لله عز وجل، أما في الآخرة فلا يستقر لهم قرار إلا برؤية وجه الله سبحانه وتعالى، وليست الولاية بالوراثة، ولا بالتمني ولا بالجهل، إنما هي بالعلم والإيمان والتقوى والعمل الصالح الجاد، والإخلاص في أعمال العبادة الظاهرة والباطنة، والقيام بها والصبر عليها، ومجاهدة النفس في دفع الشبهات والشهوات واجتناب المحرمات، وأداء الفرائض والواجبات، والإكثار من نوافل العبادات.

5 - إلى كل من تتوق نفسه أَنْ يَكُونَ وَليّاً لله تعالى

ما دامت أعمال العارفين بالله من المصحوبين الذين هم ورثة الأنبياء عليهم السلام، لا تحيد عن مقاصد الشرع، فإن الله عز وجل ما فرض شهر رمضان على المؤمنين إلا ليصبحوا أولياء الله تعالى، ليحققوا أسمى أمانيهم الدنيوية، قال عز وجل في سورة يونس: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [سورة يونس الآيات 62 - 64 ]، فبالإيمان والتقوى؛ يصبح الفرد - ذكرا كان أو أنثى - وليا من أولياء الله تعالى، بل إن شرط قبول الأعمال التعبدية كلها، هو التقوى، قال تعالى في سورة المائدة: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾،[المائدة: 27]،  بل إن التقوى هي الزاد الوحيد للآخرة، قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197]، ومن رحمة الله تعالى بكل مسلم، أنه سبحانه وتعالى راعى ضعفنا، وعلم أننا لا نقدر على تقواه حق التقوى طول العام، ففرض علينا صيام شهر رمضان، لنتقيه سبحانه وتعالى شهراً، ويكتبنا بمنّه وفضله وكرمه من المتقين دهراً، لأن بهذه الدورة التكوينية التربوية الربانية الرمضانية، سنمارس فيها الكثير من العبادات، والتي ستصبح بعد رمضان وردا لنا إن نحن وضعنا لها برنامجا محكما، وسعينا بكل جهودنا لممارستها دون إفراط أو تفريط، وذلك بالتعاون مع إخواننا ليتم التنافس، قال سبحانه وتعالى في سورة المطففين: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].

6 - الدورة التكوينية الربانية الرمضانية لتحقيق الولاية:

رمضان شهر القرآن"، إنه شهر الاحتفال بالقرآن، هذا الشهر؛ فرض الله علينا صيامه، وسن لنا قيامه، احتفاء وتخليدا لذكرى عظيمة هي ذكرى نزول هذه الرحمة المهداة من الله الرحمن الرحيم، رحمة القرآن، فكل ظرف إنما يشرف بمظروفه، والزمان يشرف بحسب ما فيه، والمكان يشرف بحسب ما فيه، والإنسان نفسه، وأي اسم إنما يشرف بمسماه، أي بمحتواه، فرمضان كانت له هذه القيمة، بسبب القرآن، كأنما سن الله لنا شكر نعمة القرآن بفرض صيام الشهر الذي نزل فيه القرآن. ونظرا لكون شهر رمضان هو أفضل شهور السنة كلها دون منازع، فهو الشهر الوحيد الذي حظي بذكر اسمه في القرآن الكريم، وشرفه الله عز جل بنزول كلامه سبحانه وتعالى فيه فقال في سورة البقرة: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾، وبالمصطلحات الحديثة، فإن هذا الشهر حري أن نسميه بالشهر العالمي للقرآن، وبشهر الدورة التكوينية الربانية؛ لنحظى بوسام الولاية لله، وما فرض الله رمضان إلا لنكون أولياء لله، وذلك بأن نتقي الله شهرا، فيكتبنا ربنا ويجعلنا بجوده وكرمه من المتقين دهرا، قال تعالى في سورة البقرة: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ مَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾، وشهر رمضان منظومة متكاملة من العبادات المتنوعة، التي لا تقتصر على الصيام فقط، بل تشمل عبادات أخرى، كما أنه لا يقتصر على النهار دون الليل، أو الليل دون النهار، بل يشمل اليوم كله، ليله ونهاره، ولا تتحقق الاستفادة من شهر رمضان حق الاستفادة، إن كنا جاهلين هذه العبادات، وإن لم نضع برنامجا دقيقا ليومنا ولليلتنا.

خاتمة:

رغم كل هذه الظروف المواتية الرمضانية التي هيأها الله تعالى للصائمين في شهر رمضان، فلا نغتر بأعمالنا، فإنه يجب على المؤمن أن يعيش بين ثلاث: الوجل والأمل والعمل، فكما أخفى الله ليلة القدر في العشر الأواخر ليتم الجد والاجتهاد طيلة هذه الأيام العشر، كذلك أخفى الله القبول لكل هذه الأعمال التي نقوم بها في رمضان، لتبقى القلوب على وجل، وأبقى باب التوبة مفتوحًا للعصاة، ليبقى الإنسان على أمل، وجعل العِبرة بالخواتيم، لئلّا يغتر أحد بالعمل.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم الدين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
الاعتكاف لأهل غزة في ظل الحرب.. رؤية مقاصدية
السابق
الاتحاد ومنتدى المسلمين الأوروبيين يوقعان شراكة لتقديم مشروعات علمية وفكرية وتنموية لخدمة الإنسانية

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع