من الإعجاز النبوي
(الصيام جنة)
بقلم: أحمد بكار انيانغ
عضو الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين
ما أوجز هذه الجملة وما أبلغها: (الصيام
جنة)، ولا يتأتى صدورها إلا من نبي مرسل أو ملك كريم، لما فيها من الإعجاز العلمي
واللغوي واللفظي، ولصلاحيتها للزمان والمكان، ولعظيم فائدتها في الآل والمئال!
ومن إعجازها اللغوي كون هذه الكلمة
(جنة) تحمل معنيين متضادين في آن واحد: الدفع والجلب؛ فالصوم حيث يدفع عن الصائم
كل الأضرار الجسمية والنفسية، العقلية والقلبية والروحبة؛
يورث (يجلب) للجسم في الوقت نفسه صحة
وعافية وتوازنا، بمعنى (جنة) تقيه شر التخمة التي قد تسبب له أمراضا جسيمة تتولد
من تكدس المواد السامة في جسم الإنسان نتيجة تضخم المواد الغذائية التي تضعف
الجهاز الهضمي فيحتاج إلى الراحة، ويكون (الصيام جنة) بمعنى العلاج الأمثل لحل هذه
المشكلة الصحية المستعصية؛ فقد اكتشفت الأبحاث العلمية حديثا عن حاجة الإنسان
للصوم لمدة ستة وثلاثين يوما (36) سنوياً، للتخلص من هذه الرواسب الفتاكة؛ وإذا ما
تأملنا قول الرسول الكريم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر)
نرى الإعجاز العلمي في (الصوم جنة) ظاهرا.
أما النفس فإنما تراض وتزكو من جوع،
فإذا جاعت زكت: [قد أفلح من زكاها] (سورة الشمس: الآية 9)، وقال الحكيم في تعداد
دواء القلب في خمسة أمور:
خلاء بطن وقرآن تدبره *** كذا
التضرع باك ساعة السحر
كذا قيامك جنح الليل
أوسطه *** وأن تجالس أهل العلم والخبر
فالصوم إذن، وهو الإمساك عن كل
المفطرات من الفجر إلى الغروب بنية عبادة الله (جنة) للنفس تقيها عن الغي والجماح
في شهواتها، وإذا ما انتهت النفس عن غيها وزكت صلح القلب وامتلأ تقوى الله الذي هو
الحكمة الإلهية المقصودة من الصوم، فالصوم على هذا المعنى (جنة) أيضا للقلب تهيئ
له أسباب التقوى؛ والتقي من يراقب الله في نفسه وفي غيره ويتحاشى مخالفة أمره
سبحانه وتعالى، فيكون قلبه مطمئنا ومتصلا بالنور الإلهي الذي يسطع على عقله فيصقله
فيفهم الإشارات الخفية: [واتقوا الله ويعلمكم الله] (سورة البقرة الآية 281):
شكوت إلى وكيع سوء
فهمي ***
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم
نور ***
ونور الله لا يعطى لعاصي
فالإنسان حين يبلغ هذا المستوى من
الصفاء تكون روحه ربانية في علياء من السماء: [ويسالونك عن الروح قل الروح من أمر
ربي] (سورة الإسراء، من الآية 85).
ومن الإعجاز اللفظي صعوبة وضع كلمة
أخرى مكان (جنة) تؤدي المعنى نفسه في هذه الجملة.
وليس هذا كل ما تعنيه هذه العبارة
النبوية (الصوم جنة)، بل تحمل من بين ما تحمل في طياتها من معان السلام والأمن
والعدالة للعالم كله، لأن الصوم معناه الإمساك، ومن معاني الإمساك الكف عن إلحاق
أي ضرر بالآخرين قولا أو فعلا: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في
أن يدع طعامه وشرابه) بل الإمساك يشمل التغاضي عن المظالم، فضلا عن ردها بالمثل،
(فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن امرؤ خاصمه أو شاتمه فليقل إني
صائم)!
وأين دعاة السلام والحضارات من هذه
الدعوة النبوية؟
وأين رعاة حقوق الإنسان من هذه الدروس
النبوية؟
وأين مجلس الأمن الدولي من تلك المجازر
التي ترتكبها أيدي اليهود القذرة في حق أهل غزة في فلسطين المحتلة وفي غيرها من
العالم الإسلامي؟
وقد يعتقد أن هذه السماحة الإسلامية
إنما تنم عن ضعف ليس إلا، فكلا، وإنما تنم عن قوة، إنها العفو عند المقدرة: [فمن
عفا وأصلح فأجره على الله] (سورة الشورى، من الآية 40). ومن الملاحظة في الحكم
الإلهية أن المسلمين حينما يكونون قلة في العدد والعدة (حالة الضعف في نظر الغير)
يحرضهم الإسلام على الإقدام على العدو دفاعا عن أنفسهم وعن دينهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى
الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ
وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾ (سورة الأنفال، من الآية 65)؛
وحينما يكونون كثرة في العدد والعدة (حالة القوة) يأمرهم بالعفو والصفح: [وإن
جنحوا للسلم فاجنح لها] (سورة الأنفال، من الآية 61)، ومن المعلوم أن الجنوح للسلم
من الخصم لا يكون إلا في حالة الضعف، عكس ما هو معروف ومألوف لدى كل الحروب
التاريخية التي تقودها قوات الكفر والطغيان حين تكون الغلبة لها نراها تدمر كل شيء
وتحرق كل يابس وتفرض قوانينها بلا رحمة ولا مساومة، وهذا هو الحال في غزة في
فلسلطين وفي بوسنه وكشمير والهند وفي كل أنحاء العالم الإسلامي حيث تستضعف حقوق
المسلمين!
وعليه ليعلم علماء الإسلام اليوم حيث
وجدوا، وهم قلة في العدد أو في العدة، أنهم مطالبون بالصمود دفاعا عن أنفسهم وعن
دينهم، ولا ينفعهم مع العدو اليوم الاستسلام لأنه لا يرحم ولا يسامح ولا يعفو،
فآية التحريض ماثلة أمامهم: [حرض المؤمنين على القتال]؛ والتحريض، وله أساليب
وأنواع مختلفة فكلها مسؤولية الجميع.
والله ولي التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله
وصحبه ومن والاه.