مقاصد
عيد الفطر وأبعاده المٱلية: التعبدية، الاجتماعية، الصحية، السياسية
كتبه:
أ.د/ بلخير طاهري الإدريسي
عضو
مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بعد شهر من
الصيام والقيام ومتابعة الحياة اليومية بعجرها وبجرها، يأتي التتويج على هذا
الالتزام الرباني بهذا الانقطاع عن شهوتي البطن والفرج، ساعات تستحضر فيها الرقابة
الإلهية، وتشحن فيها البطارية الإيمانية، وتصفى فيها السموم البدنية، وتطهر فيها
القلوب البشرية.
إنه يوم
الجائزة، الذي تتوق له النفوس الصافية، الواثقة بوعد ربها، كما جاء في الحديث
الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- أنَ النبي صلى
الله عليه وسلم قال: للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه.
قال الحافظ
ابن رجب -رحمه الله: أما فرحة الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولة على الميل إلى
ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها
في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح
بذلك طبعاً.
وأما فرحه
عند لقاء ربه: فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه،
كما قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَِنفُسِكُم
مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجرَاً﴾ [المزمل:
20]، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا
عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا﴾ [آل عمران: 30]، وقوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾
[الزلزلة: 7].
فهذا فرح
الصائم عند فطره، فكيف فرحه بصومه عند لقاء ربه.
** وللصائمين
باب في الجنة يقال له الريان لا يدخل منه غيرهم.
روى البخاري،
عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه. عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ
فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ
الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا
دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".
وسوف
نحاول بإذن الله أن نقف على بعض المقاصد في مجالات محددة، ليست على سبيل الحصر،
وإنما من باب الذكر والتنبيه.
**
أولا: مقاصد تعبدية:
1- الامتثال
لأوامر الله من جهة وجوب الفطر في هذا اليوم، ووجوب الزكاة ووجوب الصلاة.
2- تعليق الصيام
بزكاة فطره، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ
الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ، طُعْمَةً لِلْمَساكِينِ،
فمَنْ أَدَّاها قبلَ الصَّلاةِ؛ فهيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أَدَّاها بعدَ الصَّلاةِ؛
فهيَ صدقةٌ مِنَ الصدقة".
3- الصيام معلق
بإصلاح ذات البين فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا
أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين؛
فإن فساد ذات البين هي الحالقة".
4- ادخال السرور
على المؤمن، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: "أَحَبُّ الناسِ إلى
اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على
مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ
أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ
المدينةِ شهرًا".
5- فرحة اللقاء
بالله، كما جاء في الحديث الصحيح: "وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح
بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
**
ثانيا: مقاصد اجتماعية:
1- استشعار حال
الفقير في هذا اليوم ومحاولة مواساته بما أمكن من انواع البر والصلة، المادية
والمعنوية.
2- فرصة لفعل
الخيرات وزيادة القربات (إفطار الصائمين مما تسمى بمائدة رمضان، أو مطعم السبيل،
أو ضيوف رمضان).
3- زيادة
الإنفاق من خلال قفة رمضان التي تشتمل على انواع من المواد الغذائية الأساسية
والضرورية التي لا قبل للفقير بها في هذا الشهر، وهذا يحقق مقصد سد حاجة المحتاج،
وتحقيق معنى التكافل والشعور بالفقراء.
4- ومن بين
كذلك سبل تحقيق مقصد التكافل الاجتماعية ما يسمى بكسوة العيد، التي تدخل السرور
على الأولاد الذين يرون اقرانهم بتلك الالبسة الزهية والنقية في هذا اليوم، فتأتي
هذه الأعمال الخيرية ليكون عيد الفطر، عيد بهجة وسرور.
5- ومن المظاهر
الاجتماعية التي يحققها عيد الفطر، هو ذلك اللقاء الجماعي في صلاة العيد، ثم
التسليم والتسامح بين المصلين، وأعظم مقصد يتجلى في هذا المعنى، هو الإرشاد الى
تغيير الطريق الذي جاء منه ليسلك طريقا أخرا. حتى يتسنى لقاء أكبر عدد من إخوانه
المسلمين. مع تجنب العناق والاحتضان قدر الإمكان.
6- تغيير الطريق
الذي خرجت منه، لا ترجع عليه، حتى تلتقي بعدد أكبر من الجيران والمصلين.
**
ثالثا: مقاصد صحية:
وهذا النوع
من المقاصد فرضته كثرة الأوبئة، وأدخلتنا في أحكام استثنائية.
1- التحرز من
التجمعات الكبرى، كصلاة عيد الفطر في المصليات والفضاءات، الضيقة وغير ذات التهوية
المعتبرة.
2- صلاة عيد الأضحى
تؤدى جماعة، وعليه تجنب الاحتكاك المباشر، بين آلاف من المصلين لا يعرف من بينها
من هو مصا بمرض معدي من غيره، فمن وجد في نفسه أي عارض مرضي تجنب هذه الجموع خشية
زيادة المرض، وانتقال العدوة.
3- وجوب
استعمال الكمامات في هذه المناسبة الكبرى سواء في المساجد أو في بيوت العائلات،
تجنبا لانتقال رضاضات السعال دون قصد. خاصة لمن كانوا مصابين بالزكام، سواء حاد أو
خفيف.
4- ومن المقاصد
الصحية المؤثرة على بعض الأحكام الشرعية، هو عدم الاطالة في الصلاة، وفي الخطبة،
وفي المكوث، دفعا للملل، أو زهدا في التغافر.
5- زيارة
المرضى في المستشفيات في هذا اليوم، لعيادتهم والتخفيف عنهم، مع المساهمة في
حمالات التبرع بالدم، في مثل هذه الأيام المشهودة.
**
رابعا: مقاصد سياسية:
لا جرم أن لعيد الفطر عدة أبعاد سياسية ظاهرة
يمكن أن نجملها في النقاط التالية:
1- وحدة
المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فطرا، وفرحة، وتهنئة، من خلال قرار سياسي موحد
لأغلب الدول الإسلامية.
2- إظهار تماسك
المسلمين بدينهم والممثل في عقيدتهم واستشعارهم بهذه الفريضة.
3- شعور
المسلمين بعضهم ببعض وتحقيق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لم يهتم
بأمر المسلمين فليس منهم"، حيث كانت تجمع زكاة الفطرة نقدا وتوجه الى فلسطين
فمثل هذا اليوم من سنة 1970 كما هو ثابت بالوثائق.
في
الأخير:
هي محطة
ربانية، وفرصة انسانية، لإعادة النظر في: العبادة وحقيقتها، والنفس وصحتها، وأوجه الإنفاق
ومصادرها، والعلاقات الاجتماعية وترابطها، وترشيد النفقات وتسييرها.
فرمضان مدرسة
إيمانية، وعيد الفطرة محطة اجتماعية، وشوال فرصة استدراكية.
فاللهم
أفرحنا بفطرنا، واجعلنا من الفائزين والمبشرين، ومن المعتقين من النيران، وهو
القادر على ذلك، وليس ذلك على الله بعزيز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة
تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.