الدكتور
رأفت الميقاتي يرد على الشبهات النسوية حول مكانة المرأة في الإسلام
كشف
الافتراء والدنس في زعم أن ديننا وهم مقدس
بقلم: أ.د/ رأفت
محمد رشيد الميقاتي
عضو الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
اطلعنا على منشور تبناه موقع فيسبوك باسم الوهم المقدس، بعنوان: "حقيقة المرأة في الإسلام باختصار" تضمن سبع عشرة شبهة تطعن في الإسلام، واختتم بعبارة "هكذا
كرم الإسلام المرأة".
وبعيدا عن خلفيات من أعده وروّجه، وبعيدا عن إغفال كل النصوص
القرآنية والنبوية التي قررت للمرأة ما قررته من مكانة وحقوق ورعاية وحماية فكرية
وتشريعية وقضائية، فإن الاستهزاء بدين الله
يختلف تماما عن الاستعلام عن كيفية رد الشبهات، فالأول خروج من ملة الإسلام،
والثاني دفاع شريف عن وحي السماء، ومن حق القارئ الحصول على الرد العلمي الآتي:
** أما الزعم "بلعن الملائكة -إذا لم تلبّي رغبات زوجها"
فهذا فيه تدليس على الناس، إنما ذلك لمن دعاها زوجها إلى الفراش فأبت فبات زوجها وهو
عليها غضبان -وهو عقاب لمن أخلّ بالالتزام العقدي الجوهري والمتعلق بالإحصان، وكذلك
فإن الملائكة تلعن الزوج إذا دعته زوجته فأبى بدليل قوله تعالى: [..وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ..]، وليس اللعن لمطلق عدم الاستجابة "لرغبات الزوج" التحكمية
والمزاجية المزعومة!
** وأما نقص العقل والدين فهو
أمر علمي والمراد منه تخفيف تحمل المرأة للمسؤولية
عن الأمور المالية المحاسبية وذلك جراء نقص
ضبطها المسائل المالية اليومية باعتبارها مكلفة بما هو أهم بكثير وهي مهام الأمومة
الشريفة حملا وولادة وإرضاعا ورعاية زوجية ورعاية والدية فضلا عن عملها المباح خارج
البيت إذا تحقق التوازن بينه وبين المسؤولية البيتية الأولى ، فخفف الله عنها عبء التورط
بشهادة لوحدها أمام القضاء وطلب ضم شهادة امرأة أخرى بما يؤمن العدالة الكاملة ويدفع
الريبة الناجمة عن النسيان والعبرة للغالب الشائع والنادر لا حكم له.
وأما نقص الدين، فتركها الصلوات أيام عذرها الشهري الذي لا يد لها
فيه فهو من العوارض السماوية لا المكتسبة، فلم تحاسب على ذلك ولم تؤمر بقضاء الصلوات
التي فاتتها مدة ثلث شهر تقريبا بما يعادل ثلث عمرها من يوم البلوغ وحتى اليأس من المحيض.
أفيكون ذلك مساويا لمن لم يترك فريضة واحدة من الرجال!!
** وأما القول بأن" أكثر أهل النار هن النساء " فهذه شبهة
يثيرها البعض ويغفل سياق حديث النبي ﷺ: (يا معشر النساء، تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: ولم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير). (رواه البخاري ومسلم).
فإن النبي ﷺ لم يقل إن النساء في النار بسبب أنوثتهن، وإنما
بسبب بعض السلوكيات التي قد تؤدي إلى ذلك.
• قال ﷺ: “تكثرن اللعن، وتكفرن العشير”، أي أن كثيرا من
النساء يقعن في السباب والجحود للنعمة والنكران للأزواج، وهذه أمور يمكن تجنبها،
وليس دخول النار لأن النساء سيئات بطبيعتهن.
• وإن الحديث تحذير وليس إدانة للمرأة بطبيعتها، فالإسلام
فيه مسؤولية فردية، وكل شخص يُحاسب على أفعاله.
** وأما تفسير آية: [...وَإِن
كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ
أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ...] فلا تسوية مزعومة بين المرأة
والغائط،
بل بيّن نواقض الطهارة التي
تستوجب التطهر لأداء الصلاة، وإلا فلو لامست المرأة
زوجها لقيل وفق هذا المنطق ان الآية سوت بين الرجل والغائط.. ولم يقل ذلك ذو عقل سوي! وحمل الجمهور ملامسة النساء على
جماعهن وبالتالي فإن فعل الجماع يوجب الطهارة للزوجين معا وليس تطهرا للزوج من رجس
زوجته كما أوحى بذلك شيطان صاحب الشبهة.
** وأما المرأة التي تقبل في صورة شيطان، فهذا كناية عن استشراف الشيطان
لها لإغواء الرجال بها، وتحذير لهم من الافتتان بالنساء، ودعوة لهم لغض البصر عنهن،
وليس أن المرأة نفسها شيطان كما توهمت صاحبة الشبه إلا إن أصرت على ذلك فلن تكون على
صورة شيطان، بل ستكون الشيطان نفسه.
** وأما كون المرأة تقطع صلاة المصلي وكذلك الحمار والكلب فقد سُئلت
السيدة عائشة رضي الله عنها عن هذا الحديث، فغضبت وقالت: "قد عدلتمونا بالكلاب والحمير! والله لقد رأيتني بين يدي النبي ﷺ
مضطجعة، فإذا أراد أن يسجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتها". (رواه البخاري ومسلم).
** وأما القول بأن المرأة عورة فمعناه أنها موطنٌ هام يستدعي العناية
الخاصة به سترا وصونا واحتشاما، لا تشبيهها بمكان عورات الناس كما توهم جهلة اللغة
وسيئو الظن بدين الله.
** وأما القول بأن "المرأة خلقت من ضلع أعوج "فهذه شبهة
تغفل مطلع حديث النبي ﷺ: "استوصوا بالنساء، فإن
المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن
تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء". (رواه البخاري ومسلم).
فإن هذا
يستدعي بيان:-
أن الحديث تكريم للمرأة وليس إهانة
لها، والحديث يبدأ بأمر نبوي "استوصوا بالنساء"، وهو توجيه واضح بضرورة
معاملة النساء بالرفق واللين. وقد ذكر النبي ﷺ الضلع في الحديث ليس للانتقاص، بل
لبيان طبيعة المرأة العاطفية والرقيقة، مما يستوجب حسن التعامل معها.
ومعنى "خُلقت من ضلع" ليس أن المرأة معيبة أو ناقصة، بل أن لها طبيعة مختلفة عن
الرجل، تمامًا كما أن الضلع مخلوق بشكل معين ليحمي القلب والرئتين؛ وفي بعض
الروايات الأخرى للحديث، لم يرد ذكر كلمة "خلقت"، وإنما جاء "إن المرأة كالضلع"، أي أن التشبيه مقصود
به طبيعة المرأة وليس أصل الخلق بالضرورة.
ولماذا ذُكر الضلع الأعوج؟ فالمقصود بالاعوجاج هنا ليس العيب،
بل الرقة والعاطفة التي قد تجعل المرأة تتصرف باندفاع عاطفي أحيانًا، فالعوج في
الضلع ليس نقصًا، بل هو ميزة خلقها الله لحكمة، لأنه لو كان مستقيمًا تمامًا لما
استطاع حماية القلب. والمرأة بطبيعتها تميل
للعاطفة أكثر من الرجل، وهذا ليس عيبًا، بل هو تكامل بين الرجل والمرأة.
وأما كيف نفهم جملة "إن ذهبت تقيمه كسرته" فإذا حاول الرجل أن يجعل المرأة تتخلى عن عاطفتها الطبيعية أو
يضغط عليها لتصبح مثل الرجل، فإنه يُفسد طبيعتها ويؤذيها نفسيًا. و"كسرها”
هنا يُشير إلى إفساد العلاقة الزوجية أو إيذاء المرأة نفسيًا وجسديًا إذا أسيء
التعامل معها.
** وأما الزعم بأنه "يجب على الزوج ضرب المرأة ان لم تتبع أوامره"
فكذب على الله تعالى، لأن الضرب ليس بواجب عند أي من الفقهاء، بل أبيح اللجوء إليه
إباحة بالسواك أو بشيء رمزي لوضع حد لتأديب الزوجة المصرة على التمرد على منهج
الله في الحياة الزوجية، فهو مشروع بالوصف المذكور عند تعذر الحوار والهجر في
المضجع لدفع شر أعظم وهو انهيار البيت الزوجي وسقوط سقفه على كل من فيه من زوج
وأولاد، وليس وسيلة تنكيل وتعذيب كما يتوهمه العوام والجهلة.
** وأما الزعم أن المرأة تسجد لزوجها، فهذا كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل في الحديث الشريف: "لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها،
لما عظم الله عليه من حقه". رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد
فإن النبي ﷺ نفى الأمر بالسجود قبل أن يذكر حق الزوج، مما يدل على أنه لا يجوز
السجود لغير الله أبدًا، والسجود في الإسلام عبادة خاصة بالله وحده، وليس كما كان
في بعض الشرائع السابقة حيث سجد الناس لبعضهم تكريمًا، مثل سجود الملائكة لآدم
وسجود إخوة يوسف له.
والغرض من الحديث هو بيان أهمية حق الزوج وليس الإذلال، فالنبي
ﷺ أراد أن يبيّن عظم حق الزوج، وليس أنه فعليًا يمكن للمرأة أن تسجد له واستخدم
أسلوب المبالغة اللغوية (لو كنتُ آمرًا… لأمرتُ)، وهو أسلوب شائع في اللغة العربية
للتأكيد على أهمية الموضوع، وليس للتشريع الفعلي.
** وأما لعن المرأة التي وصلت شعرها أو نمصت حاجبيها، فهذا مرتبط بذم
الغش والخداع والتحذير منه، كون وصل الشعر والنمص يُستخدم غالبًا لخداع الآخرين، مثلما
فعلت بعض النساء في زمنه صلى الله عليه وسلم لإيهام الناس بجمال غير حقيقي؛ كما أن
الوصل والنمص فيه تغيير خلق الله، وقد نهى الإسلام عن التغيير الدائم للجسد الذي يكون
بغرض التجميل الزائد، لأنه يعكس عدم الرضا عن خلق الله؛ هذا فضلا عن أن الوصل والنمص
من التقاليد الجاهلية إذ كانت بعض القبائل في الجاهلية تستخدمهما كوسيلة لإغراء الرجال
بطريقة غير مشروعة، فجاء الإسلام لمنع ذلك.
فهل تتوقع صاحبة الشبهة أن تثاب على خداعها بالوصل والنمص!!
** وأما الزعم بأن المرأة زانية إذا وضعت العطر، فهذا كذب على رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "أيما امرأة استعطرت،
فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية". (رواه أحمد وأبو داود والترمذي)، فهذا لا يعني أن كل امرأة تضع
العطر تصبح زانية ويقام عليها الحد، وإنما المراد أنها ارتكبت فعلًا يؤدي إلى
الفتنة والإغراء، وهذا أسلوب مبالغة في التحذير، وفيه حماية للمرأة وخاصة في عصرنا
من جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب.
** وأما الزعم بأنه "خاب قوم ولوا أمرهم امرأة" فهذا ليس
بحديث إنما الحديث هو قول النبي ﷺ: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة". (رواه البخاري).
والحديث ورد عندما بلغ النبي ﷺ أن الفرس ولّوا ابنة كسرى ملكةً
عليهم بعد وفاة والدها، أي أن الحديث ليس حكمًا عامًا على كل النساء في كل زمان
ومكان، بل كان في سياق سياسي معين.
** وأما الزعم أن المرأة "تسجن في بيتها إذا مات زوجها أو تطلقت"،
فهذا كذب على الإسلام الحنيف، فمن حق المرأة أن تعتدّ رعايةً لحق نفسها وحق زوجها وحق
جنينها، وهي مدة لا تتزوج فيها في حالة الطلاق، ويحل لها فيها أن يُعرّض لها الخاطب
بالخطوبة تعريضا في عدة الوفاة ، ولها أن تخرج من المنزل في حدود الحاجة، وليس ذلك
سجنا لها كما توهم المشككون بل منحها الإسلام الحنيف فرصة الراحة النفسية مع بقاء
عبء الانفاق على زوجها في عدة الطلاق، وإنفاقها على نفسها من إرث زوجها في حالة
وفاته، وهو ما لم يظفر به
الزوج نفسه منها ان حدث طلاق أو وفاة. أفيعد
ذلك حبسًا بعد كل ذلك.
** وأما الزعم بأن شهادتها نصف الرجل على الإطلاق فهذا مردود على من
زعمه، فقد تشهد المرأة شهادة على الرضاع والولادة -وهذا أمر هام متعلق بالنسب- وتعتبر شهادتها كاملة غير منقوصة كونها من الأمور التي لا يطلع
عليها إلا النساء. وأما ما يتعلق بالأمور المالية فقد سبق ردنا على ذلك أعلاه.
وأما شبهة تنصيف نصيبها في الإرث مطلقا فمردودة أيضا، وهناك من
فصّل في الحالات تفصيلا نحيل إليه درءا للإطالة، فقد ترث المرأة مثل الرجل وقد ترث
أقل منه وقد ترث أكثر منه وقد ترث ولا يرث الرجل، وهذا مرتبط بمعايير فلسفة الإرث
والعدل وطبيعة الأدوار والتكليف بالإنفاق لا المساواة المطلقة التي لوثت كثيرا من
الأذهان المعاصرة فنادت بالتساوي في كل شيء وجرّدت المرأة من مهرها ونفقتها قبل
الزواج وبعده وألزمتها بالتكسب استقلالا عن الزوج كل ذلك تحت مظلة التمكين الاقتصادي المزعوم، أفإن ألزموها بكل ذلك
تكون قد أُنصفت!!
** وأما عدم جواز أن تمس المرأة المصحف وهي حائض فهذا يقابله عدم جواز
مس الرجل المصحف وهو جُنب، وكذلك تجنب الدخول إلى المساجد، تعظيما لحرمات الله وتعظيما
لشعائر الله ولورود النصوص على ذلك، وليس "لنجاسة المرأة" كما زعم المنشور
الخبيث الذي يشتم المرأة وهو يزعم إنصافها.
والله أعلم وأحكم..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا
تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.