البحث

التفاصيل

شبهات المخذلين في خطاب الداعية ياسر برهامي

الرابط المختصر :

شبهات المخذلين في خطاب الداعية ياسر برهامي

كتبه: د. مسعود صبري

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

هاجم الداعية ياسر برهامي رئيس الدعوة السلفية بمصر الجهاد الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني المحتل لبلاد المسلمين. ونفى ياسر برهامي أن يكون ما تقوم به المقاومة الفلسطينية جهادا في سبيل الله، واستند في دعواه على أن حماس انفردت بالقرار ولم تستشر الدول العربية والإسلامية باستثناء إيران، وأن اختلال موازين القوى بين الكيان الصهيوني والفصائل الفلسطينية لا يسوغ لها القيام بالجهاد في سبيل الله، بل عليها الرضا والصبر حتى تتغير الموازين بأقدار الله، كما حصل في إدلب، إشارة إلى ما حصل في سوريا.

وقبل بيان الأخطاء المنهجية فيما قاله ياسر برهامي ومن حذا حذوه، أحب أن أنبه على بعض الأمور، وهي:

الأول: من له حق الإفتاء في مثل هذا الشأن العام؟

من الملاحظ أن هذه الفتوى لم تأت من مشيخة الأزهر، ولا من مؤسسات الإفتاء الرسمية في العالم الإسلامي، وإنما جاءت من داعية، هو في أصله طبيب، حيث تخرج من كلية الطب بجامعة الإسكندرية، وانشغل بالدعوة مع بعض أقرانه، ونشطوا في الدعوة السلفية في هذا الوقت، وجل اهتمامات الشيخ ياسر برهامي في الدعوة والعقيدة، ولا يعرف للشيخ ياسر برهامي كتاب أو برنامج في  الفقه والفتوى، وليس هو من أصحاب الصنعة الفقهية، فجل اهتمامه كانت بتدريس كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعض الكتب التراثية في العقيدة والرقائق، وهذا يعني أنه ينتمي إلى الفكر الوهابي، ولا أدري بأي وجه تسمح الدولة المصرية لرجل ينتمي للفكر الوهابي أن يتجاوز الأزهر الشريف بمثل هذه الفتوى التي تضر بسمعة الدولة المصرية العريقة، والتي هي حاضنة القضية الفلسطينية والتي ضحت من أجلها عبر تاريخها، ولا أعرف كيف يسكت رجالات الدولة المصرية عن هذا السفه، وأن تصمت المؤسسات الدينية بمصر والتي تعج بعشرات المئات من الفقهاء والعلماء الكبار، ليخرج لنا طبيب تربى على الفكر الوهابي ليسيء للدولة المصرية بهذه الصورة، وهي التي دافعت عن الكفاح الفلسطيني عبر تاريخها،  وإن كانت مواقف مصر الأخيرة ليست هي المواقف المطلوبة وفيها من التقصير ما فيها، إلا أن قضية فلسطين بدون مصر قضية خاسرة، كما قال بذلك الشيخ أحمد ياسين – رحمه الله-، وإن رجالات مصر في القوات المسلحة ليعرفون خطط الكيان الصهيوني ويقفون لها بالمرصاد، رغم ما قد يظهر على السطح من مواقف لا تعبر عن حقيقة موقف مصر،  وكنا ننتظر من السلطات المصرية التي طالما دعت إلى منع غير المتخصصين أن يتكلموا في الإفتاء أن تحجر على ياسر برهامي وأن يقدم للمحاكمة؛ لأنه افتات على ولاة الأمور في مصر، وظهر وكأنه مفتي الديار المصرية، أو شيخ الأزهر الذي يتكلم في شؤون عظمى ليست من شأنه، وليته اكتفى بالحديث عما تخصص فيه من الدعوة والتوحيد والدروس في المساجد، لا أن يتصدى لما ليس هو أهلا له.

الثاني: إشادة برهامي بالمعارضة السورية في إدلب:

إن بين ثنايا كلام د. ياسر برهامي أمور خطيرة لم يلتفت إليها، ففي معرض حديثه عن وجوب صبر أهل غزة حتى تتغير الموازين، أشاد بالمعارضة السورية في إدلب والتي كانت تقود حربا ضد نظام الدولة آنذاك، فهل معنى هذا أن ياسر برهامي كان يجيز الاقتتال الداخلي والذي استمر قرابة 14 عاما، وسالت فيه الدماء، في اقتتال داخلي بين الدولة السورية والمعارضة، وهل معنى كلامه أنه يطالب المقاومة الفلسطينية أن تكون مثل المعارضة السورية، فما الفارق بينهما إذن؟

إن المقاومة الفلسطينية تحارب عدوا احتل أرضها وقتل شعبها ودمر أرضها، وهو عدو كافر جاء من بلاد شتى ليشكل دولة احتلال افتضح أمرها، وعرفت الإنسانية كلها خبث مخططهم الذي يمثل حلم دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بما في ذلك الجزء الأكبر من مصر، في حين أشاد ياسر برهامي بالمعارضة السورية التي عارضت النظام الحاكم بسبب ظلمه، فهل يا ترى يجيز ياسر برهامي الخروج على النظام في مصر، ويجيز الاقتتال الداخلي حتى يأتي قدر الله بتغيير الموازين، ولكنه لا يجيز للفئة المؤمنة أن تجاهد العدو الكافر المحتل لبلادهم؟ ولا أدري كيف سمحت السلطات المصرية بمثل هذا الكلام الذي يضر بالأمن العام في مصر، وربما تلتقطه بعض الجماعات المسلحة، وتعتبره فتوى معتبرة من شيخ يرأس التيار السلفي اليوم في مصر، وهو ما لم يفعله الإخوان المسلمون أنفسهم الذين رضوا بأن يعتقلوا وأن يوضعوا في السجون ظلما وعدوانا، ولا أن يخرجوا بالسلاح على الدولة صيانة لوحدتها رغم الظلم الواقع عليهم..

وماذا سيقول برهامي إن كتب الله تعالى النصر للمقاومة الفلسطينية، كما كتبها للمعارضة السورية، هل سيخرج لنا برهامي ويقول: ذلك نصر من الله وفتح مبين، وإنني أتعجب من رجل أشاد بالمقاومة الفلسطينية كما هو ثابت في بعض فيديوهاته المنشورة، وأشاد بجهادهم، فإذا به ينقلب على عقبيه، ولن يضر المقاومة شيئا، وسيخزي الله المنافقين.

إن في ثنايا كلام الدكتور ياسر برهامي إشكالات كبرى ربما لم ينتبه لها، لأن التركيز قد انصب على نقد المقاومة الفلسطينية، وإن هذا الكلام ليؤسس للتطرف والإرهاب داخل الدولة المصرية، وربما أضر بمستقبل التيار السلفي داخل مصر، ولذا كان واجبا على حكماء التيار السلفي في مصر أن يخرجوا وأن يعلنوا رفضهم لكلام برهامي جملة وتفصيلا، وأنه لا يمثل التيار السلفي المعروف بتنوعه الفكري، فليس كل التيار السلفي في مصر مثل فكر برهامي، الذي يظهر مهادنة الدولة، لكنه يحمل في طياته أفكارا خبيثة، فضلا عن ضحالة الفكر وعدم امتلاكه مشروعا فكريا ووطنيا يساهم في نهضة الدولة المصرية، وإنما يتعايشون على القيام بأدوار خبيثة، لا ترضي الله ورسوله والمؤمنين، وسينقلب السحر على الساحر يوما ما، وساعتها سيندم التيار السلفي يوم لا ينفع الندم.

أما بخصوص ما أشار إليه الدكتور ياسر برهامي في كلمته، فهو ينم عن ثقافة شرعية ضحلة، وأن الرجل ليس متمكنا من علوم الشريعة، وإنما يلبس على عموم الناس، وأنه يقول كلاما عاما غير موزون ولا مؤصل، والسبب في ذلك أنه تصدر لما ليس هو أهلا له، وبيان بعض ما جاء في كلامه كالتالي:

الأولى: انفراد حماس بقرار الحرب:

ذكر الدكتور ياسر برهامي أن حماس انفردت بقرار الحرب، ولم تستشر الدول العربية والإسلامية باستثناء إيران، ومن المعلوم أن قرار الحرب قد اتخذته القيادة العسكرية في حماس ولم تعرف به لا إيران ولا غيرها، بل إن القيادة السياسية لحماس نفسها لم تكن تعرف به، وإن من التدليس الذي قام به الدكتور ياسر برهامي أن زج باسم إيران؛ استفادة لما تتهم به حماس من الموالاة لإيران.

ولماذا يتم التركيز على حماس وحدها، أليست الفصائل الفلسطينية هي الأخرى قد اتخذت قرار الحرب مع حماس؟ ألا يعد هذا اتفاقا من فصائل المقاومة الفلسطينية على تنوع اتجاهاتها على استمرار الجهاد ضد الكيان الصهيوني حتى خروجه من بلاد المسلمين؟

إن الإشكال في طلب الإذن اليوم في جهاد أهل فلسطين هو خلل منهجي واستجرار لكلام التراث على واقع مغاير، فإنه لما تكلم الفقهاء عن وجوب الإذن من الإمام في الجهاد، حين كان هناك إمام للمسلمين يحفظ بيضة الإسلام ويدافع عنه، وهو من يقرر متى يكون الجهاد وكيف يكون؛ حتى يحقق المصلحة منه، فهنا لا ينبغي للمسلم أن يخرج عن قرار الإمام، بل يلتزم الجماعة وقرار الدولة، والتساؤل هنا:

هل هناك خليفة للمسلمين اليوم يرجع إليه في قرار الحرب؟ ومن تستأذن الفصائل الفلسطينية، هل تستأذن بعض الأنظمة العربية الخائنة لله ورسوله، الموالية للكيان الصهيوني؟ وهل هذا هو الفقه الذي يسوغ له اليوم؟!

وهل لو استأذنت المقاومة الدول العربية، هل ستتفق الدول العربية اليوم على قرار واحد، أم أنهم سيختلفون؟ ومتى اختلفوا، برأي من سيأخذون؟

وهل المقاومة في غزة اليوم تخضع لحكم الدول العربية؟ أليست حماس هي من فازت بالانتخابات وشكلت آخر حكومة فلسطينية حسب نتائج الانتخابات؟ أم يستأذنون سلطة هي في خدمة الكيان الصهيوني؟

كما أن الإذن إنما يكون في جهاد الطلب، أم في جهاد الدفع؛ فهو جهاد متعين، يخرج الرجل دون إذن والديه، وتخرج المرأة دون إذن زوجها، ثم إن المقاومة لم تخرج عشوائيا، فهي اليوم تملك جيشا أقرب إلى الجيوش المنظمة بتقسيماتها العسكرية، ولديها جهاز استخبارات وجهاز إعلام، وهم ولاة الأمر في غزة، فكان واجبا الرجوع إلى رأيهم وعدم الخروج عنهم شرعا.

ومع هذا، فإن الجهاد بدون إذن الإمام مكروه وليس محرما، قال الإمام الشيرازي الشافعي: "ويكره الغزو من غير إذن الإمام أو الأمير من قبله لأن الغزو على حسب حال الحاجة، والإمام والأمير أعرف بذلك ولا يحرم لأنه ليس فيه أكثر من التغرير بالنفس، والتغرير بالنفس يجوز في الجهاد"[1].

واستدلوا على ذلك بحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أنه " لما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم صادفهم سلمة بن الأكوع خارجا من المدينة فتبعهم وقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خير رجالتنا سلمة بن الأكوع، وأعطاه سهم فارس وراجل".

الثانية: منع الجهاد مع قلة العدد:

ومما أثير ويثار كثيرا أنه لا يجوز الجهاد مع قلة العدد خشية التهلكة، وفصل القول في هذا أن هذا راجع إلى تقدير المصلحة للقيادة العسكرية، فإن الجهاد ليس المقصود منه الموت في سبيل الله في المقام الأول، بل مقصود منه هزيمة العدو وتحرير الأوطان من الاحتلال الغاشم، والجهاد مع قلة العدد له حالتان:

الأولى: أن يغلب على ظن المجاهدين هزيمة العدو: وفي هذه الحالة يستحب لهم الصبر والاستمرار في الجهاد، ولو كانوا أقل عدداً.

قال ابن قدامة: " إذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين فغلب على ظن المسلمين الظفر، فالأولى لهم الثبات لما في ذلك من المصلحة، وإن انصرفوا جاز؛ لأنهم لا يأمنون العطب والحكم معلق على مظنته، وهو كونهم أقل من نصف عددهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه.

ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر لما فيه من المصلحة"[2].

الثانية: أن يغلب على ظن المجاهدين الهزيمة: وفي هذه الحالة هم بالخيار؛ إما التراجع والتوقف عن الجهاد؛ صيانة للجيش عن الهلكة؛ لقوله تعالى: (‌وَلَا ‌تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195)، ولأن الهزيمة ليست مقصودة لذاتها.

قال الحصكفي: "فإن علم أنه إذا حارب قتل وإن لم يحارب أسر لم يلزمه القتال".

وإما الاستمرار في الجهاد، وهو الراجح؛ نيلا للشهادة كما نص على ذلك الفقهاء، وذلك لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ ‌اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (التوبة: 111).

قال محمد بن الحسن: "لا بأس بالانهزام إذا أتى المسلم من العدو ما لا يطيقه، ولا بأس بالصبر أيضا بخلاف ما يقوله بعض الناس من أنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة، بل في هذا تحقيق بذل النفس لابتغاء مرضاة الله تعالى، فقد فعله غير واحد من الصحابة – رضي الله عنهم- منهم: عاصم بن ثابت حمي الدبر، وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فعرفنا أنه لا بأس به".[3].

وتقدير المصلحة في اتخاذ قرار الحرب من عدمه راجع إلى القيادة العسكرية التي يجب أن توازن بين المصالح والمفاسد، وليس ذلك للمثبطين والمخذلين ومن لا شأن لهم بالجهاد في سبيل الله، ممن يعيشون بعيدا عن ذلك.

قلة العدد في تاريخ الجهاد في الإسلام

ولم تكن معارك المسلمين في تاريخهم تقاس بقلة العدد، ويشهد لهذا قول الله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ ‌قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249].

ولو اتخذ قلة العدد قاعدة لاتخاذ قرار الحرب ما جاهد المسلمون غالب معاركهم وغزواتهم، والتاريخ أكبر دليل على ذلك، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:

غزوة بدر:

كانت بين المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش وحلفائها من القبائل في عام 2هـ، وكان عدد المسلمين 313 مجاهدا، وعدد الكفار ألف مقاتل.

غزوة مؤتة:

كانت بين جيش المسلمين وجيش الروم والغساسنة عام 8 هـ، وكان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف مجاهد، وعدد جيش الروم والغساسنة 200 ألف مقاتل.

معركة اليرموك:

كانت بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد والامبراطورية البيزنطية عام 13هـ وكان عدد جيش المسلمين 36 ألف مجاهد، وعدد الجيش البيزنطي 240 ألف مقاتل.

معركة القادسية:

وكانت بين جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص والفرس بقيادة رستم، وذلك سنة 13 هـ، وكان عدد جيش المسلمين 30 ألف مجاهد، وعدد جيش الفرس 200 ألف مقاتل.

معركة نهاوند:

كانت بين جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص والنعمان بن مقرن، وبين الفرس، وذلك سنة 21هـ، وكان عدد جيش المسلمين 30 ألف مجاهد، وعدد جيش الفرس 150 ألف مقاتل.

معركة وادي لكة

وتسمى أيضا معركة شذونة أو سهل البرباط، كانت بين قوات الدولة الأموية بقيادة طارق بن زياد وجيش القوط الغربيين بقيادة لذريق عام 93هـ، وكان عدد جيش المسلمين 12 ألف مجاهد، وعدد جيش القوط 100 ألف مقاتل.

معركة بلاط الشهداء:

كانت بين المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي والفرجنة بقيادة شارل مارتل، وذلك عام 114هـ، وكان عدد جيش المسلمين 10 آلاف مجاهد، وجيش الفرنجة 200 ألف مقاتل.

معركة ملاذ كرد:

كانت بين المسلمين السلاجقة والروم، وذلك عام 463هـ، وكان عدد جيش المسلمين 40 ألف مجاهد، وعدد جيش الروم 200 ألف مقاتل.

معركة حطين:

وكانت بين المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي وبين الصليبيين، وذلك سنة 583هـ، وكان عدد جيش المسلمين 25 ألف مجاهد، وعدد جيش الصليبيين 63 ألف مقاتل.

معركة الدونونية:

كانت بين جيوش دولة المرينيين وجيش الفقيه ابن الأحمر من جهة، وجيش النصارى بقيادة ألفونسو العاشر، وذلك سنة 674هـ، وكان عدد جيش المسلمين 10 آلاف مجاهد، وعدد جيش النصارى 90 ألف مقاتل.

الثالثة: عدم قتال الخضر وموسى للملك الظالم:

وقد استدل الداعية ياسر برهامي بعدم جواز الجهاد بسبب قلة العدد بعدم قتال الخضر وموسى للملك الظالم، وهذا أيضا إما تدليس أو جهل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مكث سنوات لم يؤمر بقتال، بل أمر بالصبر، ثم أمر بعد ذلك بالقتال والجهاد، كما في قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج)، فالخضر وموسى عليهما السلام لم يؤمرا بقتال، ولم تحتل أرضهما، بل إن موسى عليه السلام لم يؤمر بقتال فرعون ومعه بنو إسرائيل، بل كان موسى – عليه السلام- من أهل مصر وفي ظل حكم فرعون، ولم يؤمر بالجهاد في سبيل الله، بخلاف أهل غزة الذين احتلت أرضهم، وأمروا بالجهاد في سبيل الله ومعهم المسلمون حتى يطرد الاحتلال الصهيوني الغاشم.

الرابعة: وجوب إعلان نقض معاهدة السلام:

كما استدل الداعية ياسر برهامي بأنه إذا أردنا أن نجاهد الكيان الصهيوني فعلينا أن نعلن نقضنا لمعاهدة السلام التي بيننا وبينهم. والرد على ذلك بما يلي:

1-   جهاد الكيان الصهيوني لا يتوقف على مصر وحدها، بل هو واجب على جيوش الدول العربية والإسلامية قاطبة، ولم تطلب المقاومة من مصر الدخول في حرب ضد إسرائيل، وإنما طلبت الدعم من خلال الدبلوماسية المصرية وما تملكه من أوراق ضغط على الكيان الصهيوني من خلال علاقاتها الدبلوماسية العالمية، ومن المعلوم أنه ليس كل الدول العربية لها معاهدات سلام مع الكيان الصهيوني.

2-   أننا لسنا بحاجة إلى نقض المعاهدة، فقد نقضها الكيان الصهيوني باختراقه الأجواء المصرية واحتلاله محور صلاح الدين، واستيلائه على معبر رفح وكل الخروقات التي يعرف السياسيون أنها خرق لمعاهدة السلام، ورغم أن معاهدة السلام ليست صحيحة من الناحية الشرعية، لكن نقض أحد الطرفين العهد لا يوجب على الطرف الآخر إعلان النقض؛ لأن العهد قد نقض، وفي السيرة النبوية لما نقضت قريش العهد الذي كتبت في الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ساعدت قريش بني بكر حلفائها على خزاعة حلفاء الرسول، فقد نقضوا العهد، فخرج لهم النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالحرب وكان فتح مكة دون أن يعلن لهم أن العهد قد نقض.

إننا أمام عدو أعلن على الملأ أن خطته هو دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وأنه حسب اعتقادهم يتقربون بذبح المسلمين وإبادتهم والقضاء على العالم الإسلامي، فليس من الدين أو العقل أو الحكمة أو السياسة أن يخذل المجاهدون الذين يحملون الجهاد نيابة عن الأمة، وأن هزيمة أهل فلسطين هي بداية سقوط الأنظمة العربية والإسلامية في المنطقة قاطبة، وأن دعمهم بكل الوسائل لهو الواجب الشرعي والواجب الوطني والواجب الإنساني، وإلا ستكون العواقب وخيمة على الجميع، وساعتها لا ينفع الندم، فليكف المثبطون والمخذلون والخائنون لله والرسول والأمة عن قاذورات كلامهم، وليكفهم السكوت إن كانوا جبناء.

وإنه يجب علينا أن نكون حريصين على وحدة الصف العربي، وتحقيق الوحدة الوطنية الإسلامية والعربية، وذلك من خلال دعم القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، فإنها ليست قضية محلية كما يحلو لبعض المخذلين أن يصوروها، فإنها قضية الأمة العربية والإسلامية، وإن من سنة الله تعالى أن من خذل قوما وهو قادر على نصرتهم خذلهم الله تعالى، كما جاء في السنة النبوية، وشهد بذلك التاريخ عبر عصوره المتعددة، فلتكن وحدة الأمة سلاحنا الذي نحتمي به بعد الله ضد أعدائنا، ولنحم أوطاننا قبل ألا يكون لنا وطن.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

- [1] المهذب للشيرازي 2/ 229 ط عيسى الحلبي.

- [2] المغني لابن قدامة 9 / 319 -320 ط مكتبة القاهرة.

- [3]- شرح السير الكبير 125/1 ط الشركة الشرقية للإعلانات.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
باكستان: الجماعة الإسلامية تطالب الحكومة بتحرك عاجل ضد عدوان الاحتلال على غزة وتدعو إلى تحالف إقليمي لكسر الحصار
السابق
مفتي سوريا يرد على تهنئة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ويؤكد أهمية التعاون المشترك لخدمة الأمة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع