البحث

التفاصيل

نائب رئيس الاتحاد فضيلة الشيخ الدكتور عصام البشير يشارك في مؤتمر علماء تركيا الأول

الرابط المختصر :

نائب رئيس الاتحاد فضيلة الشيخ الدكتور عصام البشير يشارك في مؤتمر علماء تركيا الأول

 

شارك فضيلة الشيخ الدكتور عصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس مركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة، في مؤتمر علماء تركيا الأول، الذي أقيم تحت شعار "نداء مآذن غزة".

الحدث الذي نظمته لجنة القدس وفلسطين التابعة للاتحاد، انعقد في مدينة إسطنبول التركية يومي السبت والأحد 12 و13 أبريل 2025، وشهد حضوراً مميزاً من كبار العلماء والدعاة من تركيا والعالم الإسلامي.

وفي كلمته، تناول فضيلته القضايا الملحة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مؤكداً على ضرورة تعزيز التضامن بين المسلمين والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

نص الكلمة:-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أعز أمة الإسلام بكتابه، ورفع قدرها بحماة عقيدتها، وجعل فيها بقيةً على الحق ثابتة، لا يضرها من خذلها ولا من عاداها. والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

- معالي رئيس شؤون الديانة التركية سعادة الدكتور علي أرباش

- فضيلة الأستاذ الدكتور علي القره داغي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

- فضيلة الدكتور مروان أبو راس رئيس لجنة القدس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

- السادة العلماء والدعاة العاملين والحضور الكرام..

أحييكم بتحية الإسلام العطرة، وأرحب بكم في هذا المؤتمر الجليل، الذي ينعقد تحت عنوان "نداء مآذن غزة"، ليلبي صرخة أرض الرباط، ويجيب أنين المسجد الأقصى، وقد أعياه الجرح من كثرة الطعن، وأنهكه النزف من شدة الخذلان. وقد جئتم من مشارق الأرض ومغاربها، لتجددوا العهد مع الله، ولتحملوا أمانة الأمة في زمن تكالب فيه الأعداء على جرحنا النازف.

نلتقي اليوم في ظلّ محنةٍ عظيمةٍ تمرُّ بها أمتنا، لكننا نعلم – يقينًا – أن هذه الأمة لم تكن يومًا هامشًا في مسار الحضارة، بل كانت دائمًا في مقدمةِ الركب، صنعت التاريخ بإيمانها، وكتبت المجد بحبر عقيدتها. كانت وما زالت في طليعة الأمم حين اعتصمت بحبل الله، وتناصرت فيما بينها كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

لقد مرت أمتُنا في تاريخها الطويل بمحنٍ كؤود، وخطوبٍ مدلهِمّة، واحتلالٍ وغزوٍ وتمزق، لكنها لم تلبث أن انتفضت، وقامت من كبوتها بعزيمة أبنائها، ودماء شهدائها، وجهاد علمائها.

واليوم، ونحن نُبصر الشامَ تستعيد وعيها، ودمشق تتنفس حريتها، ونرى السودان العظيم يمضي بخطى واثقة نحو دحر الفتنة وإحقاق الحق، نزداد يقينًا أن هذه الأمة حيّةٌ، لا تموت.

لكن وسط هذا الأمل، يبقى جرح غزة النازف ندبةً على جبين الأمة، وصرخةً تزلزل أركان الضمير، تستصرخ صدق الصادقين، وتختبر عزم المؤمنين.

أيها الحضور الكريم،

إن غزة اليوم ليست مجرد أرض تُروى بدماء أبنائها، بل هي ميدان العزة، وقلعة الصمود، ومنارة الكرامة. لقد شهد العالم، على مدى عام ونصف، عدوانًا صهيونيًا غاشمًا، لم يُرَ مثله في الوحشية والهمجية. بيوت هُدمت، ومساجد أُحرقت، ومستشفيات أُخرجت عن الخدمة، في محاولة خبيثة لإبادة شعب بأكمله، وتهجيره عن أرضه. وإن هذا العدو لا يكتفي بالقتل والتدمير، بل يسعى لاقتلاع أهل غزة من جذورهم، في مخطط مدعوم من الإدارة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية، التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما تُساند الإبادة بكل وقاحة. إن هذا النفاق يكشف زيف الغرب وفساد منظومته القيمية، كما أن هذا التعاون والتعاضد على نصرة الباطل، والتآمر على أهل غزة، ليزيد ويؤكد على ضرورة اضطلاع الحكومات العربية والإسلامية بدورها في نصرة غزة وتثبيت أهلها، حفاظا عليهم، ودفاعا عن القضية الفلسطينية، وحفظا للأمن القومي العربي والإسلامي، فإن هذا العدو لا يستهدف غزة وحدها، إنما شعاره كما هو معلوم: من الفرات إلى النيل ملككم يا بني إسرائيل.

ومع هذا الظلم الذي تتعرض له غزة، يقف أهلها كالطود الشامخ، يسطرون ملحمةً لم يعرف التاريخ لها نظيرًا. لقد علّموا العالم كيف يكون الصبر والثبات. طفلهم حكيم، وشابهم زعيم، وثاكلتهم تودع أبناءها بالرضا، ومقاومتهم تحمل بندقية التحرير بيد، ونعش الشهيد بالأخرى. إنهم يقاتلون نيابة عن الأمة، يدافعون عن المسجد الأقصى، أمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وميراث الأمة الذي لا يُفرَّط فيه. الأقصى الذي يئن اليوم تحت وطأة مخططات التهويد، بالاقتحامات اليومية، والحفريات التي تهدد أساساته، والإجراءات التعسفية ضد المرابطين. وإنه لخطر يهدد قلب الأمة، ويستوجب منا يقظةً وتنبهًا لنحفظ هذا المعلم المبارك، الذي قال الله عنه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].

أيها الإخوة الكرام،

إن ما يدمي القلب هو تخاذل كثير من الأنظمة والحكومات، التي تقاعست عن نصرة غزة، بل وأغلقت المعابر، وشددت الحصار، واستمرت في التطبيع مع العدو. وما هو أشد مرارة، تلك الأصوات الخارجة من جوف الأمة، التي تُسمى بالطابور الخامس، تحمل المقاومة مسؤولية الدمار، وتلتمس الأعذار للمتخاذلين، وتسعى لشق الصف وتمزيق الكلمة. وهي محاولة خبيثة لتزييف الوعي الشرعي، بإلباس الكيان المحتل ثوب الشرعية، وتمييع باب الجهاد الذي استقر في كتب فقهنا على مدى أربعة عشر قرنًا، مستندًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية. إن هذا التطبيع الإفتائي يستهدف تشكيك الأمة في مقاومتها الباسلة، وتخذيلها عن نصرة قضيتها المركزية، بل ويطعن في صميم الفتوى الشرعية المحررة، تلك التي تساند المقاومة باستدلالات صحيحة، متجردة من الأهواء وأجندات الاستبداد. إن الفتوى المقاومة هي راية شرف الأمة، يحملها علماء صادقون، يؤدون أمانتهم البيانية، فيُحيون بها ضمير الأمة، ويُلهمونها للثبات. فعلينا أن ننشر هذه الفتاوى المحررة، ونساند أصحابها، فإن ذلك من صلب نصرة المقاومة. وواجبنا كذلك أن نكشف زيف الفتاوى التطبيعية، التي مهما استندت إلى قول فقهي فإنها باطلة، لأنها تخالف روح الشرع ومقاصده، وتُساوم على كرامة الأمة وحقها في الدفاع عن مقدساتها.

أيها الحضور الكريم،

إن نصرة غزة واجب شرعي وأخلاقي وإنساني، لا يقبل التأخير ولا التردد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه". فكيف يطيب لنا العيش وإخواننا في غزة يُذبحون؟ إن الأمة مدعوة اليوم لتستجيب لنداء مآذن غزة، وأن تتحرك بكل طاقاتها لدعم أهلها وإسنادهم. وإنني أقترح جملة من الخطوات العملية المتنوعة، لتكون بمثابة خارطة طريق للنصرة:

أولًا: على مستوى الحكومات والأنظمة 

-       قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني فورًا، وإلغاء كل اتفاقيات التطبيع، فإن استمرارها عارٌ يلطخ جبين الأمة.

-       التوقف التام والفوري عن التعامل التجاري والتعاون الاقتصادي مع العدو، فإن استمرار هذا الدعم لاقتصاد العدو هو مشاركة له في الجريمة، وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.

-       فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، والسماح بمرور قوافل الإغاثة دون قيد أو شرط، فإن إغلاقها خذلان للمسلمين وتآمر عليهم.

-       استخدام الموارد الاقتصادية، كالنفط والغاز، كسلاح استراتيجي للضغط على الداعمين للعدو، كما فعلت الأمة في ملحمة أكتوبر. 

-       تشكيل حلف إسلامي وعربي، رسمي وشعبي، لوقف المجازر، ومنع التهجير، ودعم المقاومة سياسيًا وعسكريًا. 

-       إيقاف التنسيق الأمني مع العدو، فإنه خيانة لدماء الشهداء، وتسليم للمقاومة إلى أعدائها. 

-       ملاحقة الكيان الصهيوني أمام المحاكم الدولية، ومحاسبة قادته كمجرمي حرب، مستفيدين من الدعم الشعبي العالمي المتزايد للقضية.

ثانيًا: على مستوى الشعوب والأمة 

-       تكثيف المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الكيان الصهيوني والدول الداعمة له، فإن المقاطعة سلاح فعال يُضعف اقتصاد المحتل. 

-       تنظيم مظاهرات سلمية عارمة، وحصار سفارات العدو والدول المتواطئة معه، لإيصال صوت الأمة إلى العالم. 

-       إطلاق حملات إعلامية عالمية، بمختلف اللغات، لفضح جرائم الاحتلال، وكشف نفاق الغرب، مستغلين منصات التواصل الحديثة. 

-       إنشاء صناديق شعبية لدعم أهل غزة بالمال، لتوفير الغذاء، والدواء، والكساء، والإيواء، مع ضمان وصولها عبر قنوات موثوقة. 

-       تنظيم فعاليات ثقافية وتعليمية، كالمهرجانات والندوات، لتثقيف الأجيال بتاريخ فلسطين، وربطها بالمسجد الأقصى كجزء من العقيدة. 

-       إطلاق مبادرات شبابية مبتكرة، كتصميم تطبيقات رقمية توثق جرائم العدو، أو تنشر قصص صمود أهل غزة، لتكون أداة توعية عالمية.

ثالثًا: دور العلماء والدعاة

إن العلماء هم ورثة الأنبياء، ولهم دور محوري في إيقاظ الأمة وتوجيهها. وأقترح هنا: 

-       إصدار بيانات وفتاوى جماعية تحث على نصرة غزة والمسجد الأقصى، وتبين وجوب الجهاد بالمال والكلمة والدعاء. 

-       جعل قضية فلسطين حاضرة في خطب الجمعة، والدروس الدينية، والمقالات الفكرية، لتبقى في وجدان الأمة. 

-       تشكيل لجان علمائية لصياغة خطاب شرعي وسياسي موحد، يدعم المقاومة، ويرد على أصوات الخذلان والتضليل، وفضح التطبيع الإفتائي وتعرية أصحابه أمام الأمة.

-       إطلاق برامج تثقيفية للشباب، تربطهم بالمسجد الأقصى كرمز عقائدي، وتُعرفهم بحقوق الشعب الفلسطيني. 

-       تنظيم حملات توعية دينية، بالتعاون مع المؤسسات الإسلامية، لتعزيز روح الجهاد والنصرة في الأمة.

رابعًا: دور دول وشعوب الطوق

-       إن دول الطوق، بحكم موقعها الجغرافي ومسؤوليتها التاريخية، تتحمل واجبًا مضاعفًا. عليها أن تكون في طليعة الداعمين للمقاومة، بفتح قنوات الإمداد، وتوفير الدعم السياسي والعسكري، وتعبئة شعوبها للضغط على الأنظمة المتخاذلة. إن حراك هذه الدول هو حراك الأمة، وصمودها هو صمود فلسطين.

أيها الإخوة الكرام،

إن نصرة غزة ليست خيارًا، بل أمانة في أعناقنا، واختبار أمام الله والتاريخ، فلنكن أهلًا لهذا الشرف، ولنحمل راية الأقصى بقلوبنا وأفعالنا. وإن الله وعد الأمة بالنصر إذا أخلصنا النية وصدقنا العزيمة، قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. فكونوا مع الحق، ولا تهنوا ولا تحزنوا، فأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

وأختم برسالة إلى أهل غزة..

يا أبطال العزة وأسود الرباط: اشهدوا أننا نحبكم في الله، وأن دماءكم أمانة في أعناقنا، وأن صمودكم وثباتكم دين في أعناق الأمة إلى قيام الساعة، واعلموا أن النصر قريب، فإن الله لا يخلف وعده.

اللهم انصر إخواننا في غزة وفلسطين، وثبت أقدامهم، وتقبل شهداءهم، واشف جرحاهم، واربط على قلوبهم، وكن لأطفالهم وأراملهم، وأيدهم بنصرك المبين. اللهم احفظ المسجد الأقصى من كيد المعتدين، واجعله رمزًا لعزتنا ووحدتنا. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

(المصدر: المكتب الإعلامي)


: الأوسمة


المرفقات

التالي
مجازر القرن في غزة.. الجماعات الإسلامية في باكستان تستنكر جرائم الاحتلال الوحشية بحق الفلسطينيين
السابق
رئيس لجنة القدس بالاتحاد: الاحتلال يرتكب فظائع غير مسبوقة في غزة والمساجد تستغيث والعلماء في طليعة المواجهة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع