الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يعزّي في وفاة
المفكر الإسلامي البارز الدكتور خورشيد أحمد
قال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً،
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: 27-30].
يتقدّم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بخالص التعازي
وصادق المواساة إلى الأمة الإسلامية، وبخاصة إلى الشعب الباكستاني الشقيق، في رحيل
الأستاذ الدكتور خورشيد أحمد المفكر الإسلامي البارز والأكاديمي القدير،
الذي وافته المنية في مدينة ليستر بالمملكة المتحدة.
لقد كان الفقيد -رحمه الله- من أعلام الفكر والسياسة في باكستان
والعالم الإسلامي، ومن أبرز رموز الفكر الإسلامي المعاصر، ورفيق درب
العلامة أبي الأعلى المودودي، وخبيرًا اقتصاديًا لامعًا، ونائب أمير الجماعة
الإسلامية في باكستان، وعضوًا في مجلس الشيوخ، ووزيرًا أسبق للطاقة والتخطيط
والتنمية.
نشأة علمية رصينة
وُلد الدكتور خورشيد أحمد في 23 مارس 1932 بمدينة دلهي، وتلقى
تعليمه العالي في القانون والاقتصاد والدراسات الإسلامية، حيث نال درجات الماجستير
في هذه التخصصات، إلى جانب حصوله على دكتوراه فخرية في التربية.
انضم إلى "الجمعية الإسلامية للطلبة" عام 1949،
وانتُخب ناظرًا أعلى لها في 1953، ثم التحق بصفوف الجماعة الإسلامية عام 1956.
مسيرة حافلة بالعطاء
تميّز الفقيد بمسيرة علمية وسياسية ثرية، شغل خلالها عضوية مجلس
الشيوخ الباكستاني لعدة دورات (1985، 1997، 2002)، وترأس اللجنة الدائمة للشؤون
الاقتصادية والتخطيط، وتولى وزارة التخطيط والتنمية عام 1978، كما عُيِّن نائبًا
لرئيس لجنة التخطيط الحكومية.
درّس في جامعة كراتشي، وعمل باحثًا في جامعة ليستر البريطانية،
وتقلّد مناصب قيادية في مؤسسات أكاديمية داخل باكستان وخارجها.
ريادة معرفية وتأصيل فكري
كان الدكتور خورشيد أحمد من روّاد تأسيس علم الاقتصاد الإسلامي،
حيث أسهم بفاعلية في تأصيله وتنظيره، وجعل منه علمًا مستقلًا يرتكز على مقاصد
الشريعة.
شارك في أكثر من مئة مؤتمر وندوة علمية، وألّف ما يزيد على 70
كتابًا باللغتين العربية والإنجليزية، وتولى تحرير عدة مجلات فكرية، وكان في آخر
أيامه مديرًا لتحرير مجلة "ترجمان القرآن".
تكريم وتقدير عالمي
نال الفقيد -تغمده الله برحمته- تكريمًا واسعًا محليًا ودوليًا،
منها جائزة الملك فيصل العالمية (1990) عن إسهاماته في الفكر والاقتصاد الإسلامي،
وجائزة المصرف الإسلامي للتنمية (1988)، وجائزة "لاربا" الأمريكية
(1998)، إلى جانب وسام "نشان الامتياز" من الحكومة الباكستانية عام 2010.
وقد أسّس الدكتور الراحل مؤسستين فكريتين مرموقتين: معهد
الدراسات السياسية في إسلام آباد، ومؤسسة الإسلام في مدينة ليستر البريطانية، كما
كان عضوًا في العديد من مجالس الأمناء والهيئات العلمية في السعودية والأردن
وماليزيا ونيجيريا وألمانيا، وأسهم طوال مسيرته في بناء جسور التواصل بين الفكر
الإسلامي ومتطلبات العصر.
إرث خالد وبصمة متجددة
ترك الدكتور خورشيد أحمد إرثًا معرفيًا غنيًا، وأثرًا عميقًا في
الفكر والسياسة والاقتصاد، وامتلك مكتبة ضخمة حوت عشرات الكتب،
أوقف معظمها لاحقًا لصالح مراكز الأبحاث والمكتبات الإسلامية، ليظل علمه وميراثه
شاهدين على عطائه الثرّ وتفانيه في خدمة دينه وأمته.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يرفع مقامه
في عليّين، ويثيبه عن علمه وعمله خير الجزاء، وأن يرزقه الفردوس الأعلى مع النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
كما نسأله تعالى أن يلهم أهله وذويه وتلامذته ومحبيه جميل الصبر
وحسن العزاء.
﴿إِنَّا لِلّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
الدوحة: ١٦ شوال ١٤٤٦هـ
الموافق: 14 أبريل 2025م
د. علي بن محمد الصلابي أ. د. علي محيي
الدين القره داغي
الأمين العام
الرئيس