فتوى الاتحاد تصل إلى اللحم الحي
بقلم: د. سالم الشيخي
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
هل لنا أن نتساءل لماذا أحدثت الفتوى الأخيرة للجنة الفتوى في
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كل هذا التفاعل والتعاطي عبر جهات متعددة
ومتنوعة؟
لماذا تفاعلت دار الإفتاء المصرية بالرد عليها، وعدّها تمثل
تهديدًا للاستقرار الأمني والمجتمعي؟
لماذا تفاعلت معها الصحف الإسرائيلية وامتد صداها من داخل الأرض
المحتلة إلى دوائر القرار الأمريكيّة المؤيدة لجرائم الاحتلال وعدوانه؟
لماذا هذا التفاعل وقد أصدر الاتحاد قبل هذه الفتوى عدة فتاوى
وبيانات منذ أحداث الطوفان؟ هل هناك من مزية خاصة لهذه الفتوى أحدثت هذا التفاعل
والتعاطي وردود الأفعال المتعددة والمتنوعة؟
اقرأ: (فتوى لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشأن "استمرار العدوان على غزة ووقف الهدنة")
الجواب عن كل هذه الأسئلة اختصارًا: أنّ هذه الفتوى صعدت بسقف الخطاب والبيان
الشرعي حتى لامس اللحم الحي للمحتل وأعوانه وأتباعه، وقد أحدثت المسافة البيانيّة
بين هذه الفتوى وما سبقها من فتاوى وبيانات كل هذا الاهتمام من المخالفين
والموافقين.
ويمكننا أن نقول: إنّ ما كان يُطالب به بعض الفضلاء من رفع سقف
الخطاب والبيان للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو تلك المسافة البيانيّة التي
أوجعت الاحتلال وأعوانه وذيوله في المنطقة.
كل الفتاوى السابقة في نظر المخالفين للاتحاد كانت دعوة للأعمال
السلمية من مظاهرات واعتصامات، مع التنديد والمطالبات بوقف العدوان الصهيوني على
أهلنا في غزة، وهذا عندهم مقبول وإن لم يخل من تشويش وتكدير علماء السلطان بأنّ كل
ذلك يحتاج إلى إذن ولي الأمر ومالك القرار السياسي في ظنهم، وهم يفهمون جيّدًا أن
كل الوسائل السابقة أثرها العملي ضعيف في رد العدوان وكف الصهاينة عن إفسادهم
وإجرامهم رغم أهميتها في إبقاء جذوة الإنكار القلبي واللساني المقدور عليهما حية
لدى كثير من أبناء المسلمين شرقاً وغرباً، إضافة إلى أن هذه الوسائل قد تُستخدم من
قبل دهاقنة السياسة في تفريغ شحنات الغضب وإراقتها لدى الشعوب، وما مثال الأردن
عنا ببعيد، فأهل الأردن لو صمتوا لدقيقة واحدة لسمعوا بآذانهم دون أي وسائط صراخ
النساء والأطفال والجرحى في غزة الجريحة، وهم قد خرجوا في مظاهرات بالملايين لكنها
في الواقع لم تغير من المشهد المؤلم شيئًا، وفي نهاية يومهم يرجعون إلى بيوتهم
ونسائهم وهم يعتقدون أنهم قد أدّوا ما عليهم من حق النصرة لإخوانهم وليس بعد ذلك
من حرج.
أمّا هذه الفتوى فإنّها تتكلم عن فريضة شرعيّة يعلم أعداء الأمة
في الداخل والخارج أنه لو جرى تفعيلها وفق القواعد والضوابط الشرعية ضد الاحتلال
الصهيوني لفلسطين، فإنّها سوف تُفسد مشروع الاحتلال وأعوانه برمّته، وسوف تؤثر
بشكل مباشر في مقاومة الإفساد والظلم والجبروت والطغيان الذي أظهره الاحتلال تجاه
أهلنا في غزة دون رادع ولا خوف.
والذي نراه أنّ الذين أزعجتهم هذه الفتوى على
ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: الصهاينة وأعوانهم من
منافقي هذه الأمة شرقًا وغربًا، فهؤلاء رفعوا أصواتهم بأنّ هذه الفتوى تحرض على
الإرهاب وتساند الإرهابين في غزة على حد وصفهم.
الصنف الثاني: علماء السلطان وفقهاء
البلاط وموظفو الفتوى التي يطلبها صاحب الحكم والسلطان السياسي، وأوضح مثال على
ذلك بعض دور الإفتاء التي أصبحت ألعوبة في يد السياسي واتجاهاته واختياراته،
وهؤلاء وصفوا الفتوى بأنّها تحريض للأفراد على مخالفة دولهم والخروج على قرارات
وليّ الأمر، وهو يُعدُّ دعوة إلى الفوضى والاضطراب والإفساد في الأرض، على حسب
زعمهم.
الصنف الثالث: أصحاب فوبيا المنطق
الوعظي أو أصحاب المقاصد والمصالح الموهمة الخادمة للاستبداد، وهؤلاء يرون في
الفتوى أنها فتوى عاطفية تستجيب وتلبي مطالب الجماهير، وأنها عبارة عن كلام وعظي
لا يمت للواقع ومصالح العباد بصلة.
وفي الختام هذه الفتوى المباركة صدرت من أهل الاجتهاد وفي
محلها من النظر الشرعي الاجتهادي، فهي صادرة من أهلها وفي محلها، ومن أراد أن
يناقشها فعليه أولاً أن يتحرر من قيود السلطة السياسية، وإرتهان الهيمنة الغربية،
وأسر الضغوط الدولية ثم له بعد ذلك أن يبرهن بالبينة والبرهان رجحان ما يدعو إليه
وإلا فليزم الصمت ويدع الفتوى لأهلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر
بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.