غزة تسقط هيبة
الاحتلال... والأمة أمام مفترق طرق
كتب: أ.د/ علي القره
داغي
رئيس الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين
شاركتُ، بحمد الله، في مؤتمر علماء
تركيا الأول، الذي نظمته لجنة القدس وفلسطين في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،
تحت شعار "نداء... مآذن غزة"، في إسطنبول، يومي 12 و13 أبريل 2025. كان
الحضور مهيبًا، ضمّ كوكبة من العلماء والدعاة من تركيا والعالم الإسلامي، وجاءت
الكلمات شاهدة على ما تعيشه أمتنا من مفاصل تاريخية دقيقة.
وفي كلمتي الافتتاحية، كانت غزة في
القلب، وفلسطين في الضمير، وأهلنا الأبطال في البال. وجهتُ رسالة تضامن خالصة إلى
أبناء شعبنا في غزة، أولئك الذين أثبتوا أنهم ليسوا ضحية الجغرافيا ولا رهينة
الاحتلال، بل هم صانعو المجد وكاسرو القيد، ووصفتهم بـ"الشعب البطل في البلد
العزيز". لقد وقفت غزة في وجه آلة الطغيان الصهيونية في وقتٍ خذلتها فيه
الأمة، أو وقفت عاجزة عن نصرتها، فكانت غزة في مواجهة، والأمة في حيرة.
غزة...
حين تهتزّ هيبة الطغيان
لم تكن غزة تدافع فقط، بل كانت تبني
مجدًا وتكتب تاريخًا. أكدتُ في كلمتي أن صمود أهلنا في فلسطين، في غزة والضفة،
أحدث شرخًا عميقًا في كيان الاحتلال، شرخًا لن يلتئم بإذن الله، وذكّرتُ الحضور
بما جاء في كتاب الله، من دلائل تشير إلى أن هذه التصدعات هي أولى بشائر زوال
المفسدة الثانية، التي تحدّث عنها القرآن الكريم.
إن ما يجري ليس مجرد مقاومة، بل هو
اصطفاء إلهي لأهل فلسطين، الذين اختارهم الله ليكونوا في الصفوف الأولى للدفاع عن
الأقصى والقبلة الأولى. وها نحن، العلماء والدعاة، نشهد على بطولتهم، وندعو لهم،
ونسعى قدر وسعنا لنكون في خندقهم، وإن قصّرنا عن اللحاق بمقامهم.
العلماء...
بين الغضب والعجز
بألم شديد، عبّرتُ عن معاناة العلماء
من العجز عن المشاركة المباشرة في الجهاد المبارك، فلا سلاح بأيدينا، ولا جيش تحت
تصرفنا، لكننا لا نتوقف عن العمل: بيانات، فتاوى، رسائل، لقاءات مع الزعماء،
نداءات لا تنقطع... ولعل آخرها فتوى الاتحاد بخصوص استمرار العدوان على غزة ووجوب العمل على وقفه.
ثلاث
رسائل للأمة والإنسانية والتاريخ
في هذا المقام، أطلقت ثلاث رسائل، لا
تقبل التأجيل:
أولًا: إلى الأمة الإسلامية، حكامًا وشعوبًا: آن أوان التحرك
الحقيقي، لا الكلام. آن أوان الدعم العملي، لا الاكتفاء بالتنديد. إن الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين لا يعادي أحدًا من أجل العداء، لكنه يواجه الباطل، ويدعو
للحق. وحقنا في هذه المحنة أن ننهض جميعًا لنصرة أهل غزة. الأمة لم تؤدِّ واجبها،
وهذه وصمة في جبين التاريخ.
ثانيًا: إلى الإنسانية جمعاء، شرقًا وغربًا: لا يكفي الشجب، لا
تكفي المسيرات الرمزية، يجب أن يتحول التعاطف إلى ضغط حقيقي لوقف الإبادة والتهجير
القسري. غزة لا تحتاج فقط إلى عواطف العالم، بل إلى إرادته في مواجهة الاستبداد.
ثالثًا: إلى الساسة في العالم الإسلامي والعالم الحر: صبر الشعوب
بدأ ينفد، وإن لم تتحركوا الآن فسيأتيكم الطوفان، طوفان الغضب الشعبي، الذي لن يقف
عند حدود الخطابات. الأوطان تهتز، والشعوب تثور، والمحتلون يعيثون فسادًا، فهل من
مواقف تليق بحجم الجريمة؟
الاتحاد...
صوت الضمير لا صوت السياسة
ذكّرت الحضور أن الاتحاد لا يمثل دولة،
ولا يحمل راية سياسية، لكنه يبيّن الحكم الشرعي، ويوجه نداءات صادقة إلى ولاة
الأمر: أن أفيقوا قبل فوات الأوان، أن ادفعوا الظلم قبل أن تتسع رقعته، أن تعودوا
إلى مسؤولياتكم أمام الله والتاريخ والشعوب.
نداء
لتركيا... وريادة في زمن الانكماش
في ختام كلمتي، أثنيت على مواقف الجمهورية التركية، قيادة وشعبًا، لما
أبدته من مواقف مشرفة تجاه قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين. تركيا، بحكمتها
وحنكتها، تستطيع أن تلعب دورًا رياديًا أكبر، ليس فقط في وقف العدوان على غزة، بل
أيضًا في دعم إعادة إعمارها، وحقن الدماء في السودان، ومساندة الشعوب المنكوبة في
بقاع عديدة.
إننا بحاجة إلى خارطة طريق عملية: تبدأ
بوقف العدوان، وتستمر بإعادة الإعمار، وتنتهي بتحرير الإنسان من خوفه وجوعه وقهره.
وإننا على يقين بأن الله سينصر أهل غزة نصرًا عزيزًا، وسيهلك الطغاة الذين طغوا في
البلاد وأكثروا فيها الفساد.
وليس لنا سوى أن نردد:
﴿وَاللَّهُ
غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر
بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.