البحث

التفاصيل

المصلحون حصن من الهلاك وضمان لاستقرار المجتمعات

الرابط المختصر :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

المصلحون حصن من الهلاك وضمان لاستقرار المجتمعات

بقلم: بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

مقدمة

قال تعالى في سورة هود: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، فالمصلحون هم  الذين اكتملت شخصيتهم الإسلامية، علما وعملا ودعوة، هم أهل النور المخزون المستودع في قلوبهم من نور الحق، إذا قابلوا منكرا دمغوه بالحال أو المقال، وإذا وجدوا فسادا أصلحوه، وإذا وجدوا فتنة أطفئوها، وإذا وجدوا بدعة أخمدوها، وإذا واجهوا ضالا أرشدوه، أو غافلا ذكّروه، أو طالبا للوصول وصّلوه، يمشون في الأرض بالنصيحة، لا يخافون في الله لومة لائم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، روى البيهقي في شعب الإيمان، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ، عَنْ أَقْوَامٍ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ بِمَنَازِلِهِمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى مَنْابِرَ مِنْ نُورٍ، يَكُونُونَ عَلَيْهَا، قَالُوا: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُحَبِّبُونَ عِبَادَ اللهِ إِلَى اللهِ، وَيُحَبِّبُونَ اللهَ إِلَى عِبَادِهِ، وَهُمْ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ نُصَحَاءَ، قَالَ: قُلْنَا: يُحَبِّبُونَ اللهَ إِلَى عِبَادِ اللهِ، فَكَيْفَ يُحَبِّبُونَ عِبَادَ اللهِ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: يَأْمُرُونَهُمْ بِحُبِّ اللهِ، وَيَنْهُونَهُمْ - يَعْنِي - عَمَّا كَرِهَ اللهُ، فَإِذَا أَطَاعُوهُمْ أَحَبَّهُمُ اللهُ) [رواه البيهقي في شعب الإيمان، (2/13) (ح405)].

والشخصية الإسلامية المكتملة، ترتكز على ثلاث مقومات أساسية: العلم بالإسلام، والعمل بالإسلام، والعمل للإسلام، وبهذا يتم الكمال النفسي للمسلم، فما المقصود بالكمال النفسي، وما هي أنواعه؟ وما علاقته بسورة فصلت والأعلى والعصر؟

أولا: أنواع الكمالات:

الكمالات البشرية ثلاثة:

1 - كمالات نفسية:

كالعلم والعفة والشجاعة والعدالة، وهي أشرف الكمالات.

2 - كمالات بدنية:

كالصحة والقوة والجمال وطول العمر في ذلك مع اللذة والبهجة، وهي أوسط الكمالات.

3 - کمالات خارجية:

 كالمال والأهل والعز وكرم العشيرة وهي أدون الكمالات.

ثانيا: أنواع الكمالات النفسية

الكمالات النفسية محصورة في أمرين: الأمر الأول: العلم اليقيني، والأمر الثاني: صالح العمل.

1 - العلم اليقيني:

ومنه معرفة الله عز وجل والإيمان به، وهو رأس المعارف النفسية ورئيسها، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى من سورة فصلت: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، [سورة فصلت الآية 30]، أي قالوها اعترافا بربوبيته تعالى، وإقرارا بوحدانيته سبحانه.

2 - الاستقامة:

أن يكون الإنسان مستقيما في الوسط، غير مائل إلى طرف الإفراط أو التفريط، وهو رأس الأعمال الصالحة ورئيسها. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى من سورة فصلت: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، [سورة فصلت الآية 30]، أي عملوا على وَفق ما قالوا، وذكر الاستقامة عقب القول، دال على أنه كان مقرونا باليقين التام والمعرفة الحقيقية.

ثالثا: مراتب الكمال النفسي

للكمال النفسي مرتبتان

1 - مرتبة كاملة:

أن يكتسب الإنسان من الصفات الفاضلة ما يصير به كاملا في نفسه، فقوله تعالى من سورة فصلت: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، [سورة فصلت الآية 30]، إشارة إلى المرتبة الأولى التي هي اكتساب الأحوال التي تفيد كمال النفس في جوهرها.

2 - مرتبة أكمل:

 أنه إذا بلغ المرتبة الكاملة، اشتغل بعدها بتكميل الناقصين، ولا ريب أن ذلك فوق الكمال. وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق، وهو المراد من قوله تعالى من سورة فصلت: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)،[سورة فصلت الآية 33].

رابعا: سورة فصلت وكمال الإنسان:

قال تعالى في سورة فصلت: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدْعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة فصلت: 30 - 36 ]،

في هذه الآيات الكريمة من سورة فصلت، إشارة إلى أنه ينبغي للداعية إلى الله تعالى أن يكون:

1 - صحيحا في دينه، من خلال قوله تعالى: (قَالُوا رَبُّنَا الله).

2 - مهذبا مستقيما عاملا بعلمه، من خلال قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، ليكون الناس إليه أسكن؛ وإلى قبول دعوته أقرب.

3 - مشتغلا بتكميل الناقصين، لتكتمل شخصيتهم فيصبحوا صالحين مصلحين مثله، صابرا على ما يلحقه من أذى لتحقيق هدفه، من خلال قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

خامسا: تربية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على الكمال النفسي من خلال سورة الأعلى.

قال تعالى في سورة الأعلى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ) [سورة الأعلى: 6 - 9].

1 - فقوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى)، هو العلم اليقيني النافع. والمقصود به العلم بالإسلام.

2 - وقوله تعالى: (وَنُيَسِرُكَ لِلْيُسْرَى)، هو العمل الصالح لتحقيق الكمال النفسي وهو المقصود بالعمل بالإسلام.

3 - وقوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى)، هو تكميل الآخرين. وهو المقصود بالعمل للإسلام.

وهذه هي المقومات الثلاثة للشخصية الإسلامية، والتي هي العلم بالإسلام، والعمل بالإسلام، والعمل للإسلام.

سادسا: سورة العصر وكمال الإنسان:

يكون كمال الإنسان بثلاثة أمور: العلم النافع، وهو المقصود بالعلم بالإسلام، والعمل الصالح، وهو المقصود بالعمل بالإسلام، وتكميله لغيره في العلم النافع والعمل الصالح، وهو المقصود بالعمل للإسلام، كما قال تعالى في سورة العصر: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ * وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) .[العصر:1 - 3]، فقد أقسم الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بالعصر، أن كل أحد خاسر إلا من:

1 - كمل قوته العلمية بالإيمان. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا).

2 - وقوته العملية بصالح العمل. (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).

3 - وكمل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه. (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ * وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

سابعا: الكمال النفسي ومراحل الوحي القرآني.

هناك رجال ذكرهم القرآن الكريم، وهناك رجال صنعهم القرآن، وإذا تدبرنا السور المكية الأولى التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الوحي في المرحلة المكية، نجدها تتضمن التدرج في التربية على الكمال النفسي.

1 - كان أول ما نزل من القرآن الكريم، أوائل سورة العلق.

قال تعالى في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)،[سورة العلق:1 - 5]، وتمثل هذه الآيات، أول الكمالات النفسية الثلاثة، والتي هي العلم اليقيني، الذي يعتبر رأس المعارف النفسية ورئيسها، وهو المقصود بالعلم بالإسلام.

2 - قال تعالى في سورة المزمل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمَلُ • قُم اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، روى الطبري في تفسيره، عن سعيد، قال: لما أنزل الله على نبيه:( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) قال: مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل، كما أمره الله، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين:( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ )... إلى قوله:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ )، فخفَّف الله عنهم بعد عشر سنين. [تفسير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، (23/679) المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420هـ - 2000 م]، وتمثل هذه الآيات النوع الثاني من الكمالات النفسية، والتي هي أن يكون الإنسان مستقيما في الوسط، غير مائل إلى طرف الإفراط أو التفريط، وهو رأس الأعمال الصالحة ورئيسها وهو المقصود بالعمل بالإسلام.

3 - قال تعالى في سورة المدثر: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ *وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) [المدثر: 1 - 7]، وتمثل هذه الآيات، النوع الثالث من الكمالات النفسية، والتي هي تكميل الغير في العلم النافع والعمل الصالح. والصبر على ما يلحقه من جراء ذلك، وهو المقصود بالعمل بالإسلام، وهذه الكمالات الثلاث هي نفسها مقومات الشخصية الإسلامية.

ثامنا: من مظاهر تفوق مرتبة المصلح على الصالح في التأثر والتأثير

من القواعد الفقهية التي ترسم لنا سنة ربانية، وتضع لنا منهجاً إصلاحياً: أن الماء الجاري لا يتنجس إذا ألقيت فيه نجاسة، فببركة جريانه، لا تؤثر فيه النجاسة، ويبقى على طهارته، أما الماء الراكد القليل، فبمجرد ملاقاة النجاسة له فإنها تنجسه وتلوثه. وهذا الحكم الفقهي، يعطينا رؤية اجتماعية في التأثر والتأثير، وفي الحركة القولية والفعلية التي يقوم بها المؤمن المصلح، فتنتج تغييراً في الأحوال والسلوك، والأخلاق والطبائع. قال تعالى في سورة الأنعام: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ، وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)،[الأنعام: 122]. من هنا ندرك قيمة الإصلاح، ففرق كبير بين الصالح الذي ينحصر أثر صلاحه وتقواه على نفسه، وبين المصلح الذي يتعدى أثر صلاحه على الآخرين في دعوته لهم، وتنعكس أقواله الطيبة أريجاً يعبق هداية ورشداً، وتفوح أحواله الربانية عنبراً زكياً يكون له الأثر الطيب في مجتمعه. لأن حال رجل واحد ممن إذا رءوا ذكر الله، في وسط ألف رجل، خير من ألف رجل يأمرون رجلا.

إن الرجل الصالح المصلح، يترك أثرا صالحا أينما حل، وقد حددت لنا آية قرآنية مقومات المصلحين، فوصفهم الله تعالى بأنهم الذين يدعون الناس إلى التمسك بتعاليم القرآن، ويحرصون على تقوية صلتهم بربهم من خلال إقام الصلاة، فقال سبحانه وتعالى

في سورة الأعراف: (وَالَّذِينَ يُمَسِكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [ سورة الأعراف الآية 170].وفي هذا وقاية من الهلاك، وحصن أمين من الضياع، وضمان للمجتمعات من الانهيار، كل ذلك نتائج مباركة؛ من سعي المؤمن في إصلاح الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وبذلك يتحقق الأمان من العذاب المادي والمعنوي، كما قال الحق سبحانه في سورة هود: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) [سورة هود، الآية 117].

الخاتمة

الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين سنة من عمره وهو صالح، حتى شهد بصلاحه الداني والقاصي، والعدو والصديق، وبعدها اصطفاه الحق سبحانه وتعالى وجعله من المصلحين، بل سيد المصلحين من الأولين والآخرين، فكن صالحا مصلحاً، منهجك وشعارك قوله تعالى من سورة هود: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88]، وكن من غِراس هذا الدين العظيم، طاعة ودعوة، وصلاحا وإصلاحاً، روى أحمد، وابن ماجه، والحكيم، والحاكم في الكنى، وابن عدي، والطبراني، والبغوي، عن أَبي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ رضي الله عنه، وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ) [أخرجه أحمد (4/200، رقم 17822)، وابن ماجه (1/5، رقم 8)، قال البوصيري (1/5): هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وذكره الحكيم (1/381)، وابن عدي (2/161، ترجمة 351 الجراح بن مليح) وقال: لا بأس به].

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم الدين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أ. د/ محمد دمان ذبيح؛ جامعة محمد العربي بن مهيدي أم البواقي -الجزائر، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
بعد عامين من الاعتقال... الغنوشي يوجّه رسالته: "لا خلاص لتونس إلا بالحرية والديمقراطية والعدالة الشاملة"

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع