الثقافة الإسلامية.. وتحدي تغيير المفاهيم
كتبه: د. حاتم عبدالعظيم
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تواجه
الأمة الإسلامية تحديات غير مسبوقة على مستوى المنظومة الفكرية والعقدية وثوابتها
الدينية والتقاليد الراسخة والأعراف المتبعة في مختلف البلاد الإسلامية التي باتت
جميعها مهددة بدرجة ما؛ بسبب ما تعيشه البشرية من انفتاح غير مسبوق ومن سيولة
هائلة تضرب العالم وتعبث بثوابت الفطرة التي توارثت البشرية احترامها فضلاً عن
القيم الأخلاقية والثوابت الدينية.
وقد أدى
التطور الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة التحديات ومضاعفتها على وجه
الخصوص لتلك الأجيال التي ولدت وتشكل وعيها في ظل ثورة الاتصالات تلك.
وعليه،
فقد باتت مشاريع الإلحاد والشذوذ والجندرة بمثابة ثالوث مخيف يجتاح البشرية غرباً،
ويراد له أن يجتاحها شرقاً؛ وهو ما يمثل تحدياً كبيراً أمام الثقافة الإسلامية
ومؤسساتها الفاعلة، بل أمام مجتمعاتنا بأسرها.
فالإلحاد
يروج بضاعته عبر التشكيك في الثوابت الدينية، وعبر ماكينة لا تتوقف عن سوق الشبهات
حول القرآن الكريم، وحول النبي صلى الله عليه وسلم، وحول الشريعة الإسلامية، كما
تسعى إلى التشكيك في وجود الله سبحانه عبر مغالطات مكشوفة لكل ذي علم أو بصيرة،
غير أن هذه الأفكار المسمومة تستهدف بالأساس شباباً غضاً لم يتلق من العلم
والتزكية ما يمكنه من تفادي تلك العثرات المصنوعة قصداً وعمداً لإفساده.
وفي
الوقت ذاته، تأتي مظاهر الانفلات الأخلاقي والانتكاس الفطري كالشذوذ والجندرة
كمحاولة لإفساد الطبيعة البشرية وتدمير الإنسان ذاته وتحويله إلى مسخ حيواني
شهواني لا يصلح لشيء.
إنها
بالأحرى دعوة لتحرير الإنسان من ذاته، واعتبار الإنسانية بمثابة مادة خام يملك
الإنسان إعادة تشكيلها كما يشاء على نحو ما أطّرته مبكراً الكاتبة الفرنسية سيمون
دي بوفورا في كتابها «الجنس الآخر» الذي صدر عام 1949م؛ ومن ثم أخذت عجلة
«الجندرة» في الدوران انطلاقاً من المساواة بين الجنسين، كما ورد في بنود اتفاقية
«سيداو»، وانتهاء بإذابة الفوارق بينهما تماماً على نحو ما يطرحه خطاب «الجندرة»
في هذه الأيام.
وهذا كله
يقتضي من الأمة إعادة النظر في كثير من شؤونها استجابة لخطورة التحديات، وتأثر
الأجيال الصاعدة بها، يمكن أن نذكر ركنها ما
يأتي:
- تجاوز
الإغراق في الخلافات المذهبية والقضايا التاريخية التي لم يعد لها في واقعنا ذات
الثقل الذي كان قبل قرون أو حتى قبل عقود.
- تبني خطاب
جامع يركز على الأصول والثوابت -التي باتت مستهدفة- ويتسامح في الفروع والجزئيات
- إعادة النظر
في المحتوى التعليمي المقدم في مدارسنا بما يرسخ الثوابت الفطرية والعقدية والشرعية
بمنهجيات جامعة بين العقل والنقل تقطع الطريق على ماكينة الشبهات.
- تطوير الخطاب
الدعوي بما يستجيب لتلك التحديات، ويتعامل معها بالطرق المناسبة التي ترسخ أصول الإيمان
أولاً، ثم ترد الشبهات بأدلة العقل والعلم.
- ضرورة إزالة
الإشكال الموهوم حول انفصام الدين عن العلم في ظل الطرح القرآني الداعي للبحث والنظر
والاكتشاف واعتبار ذلك من مقتضيات الإيمان.
- تطوير المنتجات
الفنية والدرامية لتتحول إلى صيانة الهوية لا معاداتها، وتبني الدول الإسلامية إنتاجاً
إعلامياً ودرامياً يعزز الهوية.
- إفساح المجال
للدعاة القادرين على مخاطبة الأجيال الشابة بلسانها ولغة عصرها.
- إيجاد مراكز
متخصصة في رصد الشبهات والتصدي لها أولاً بأول.
- إدخال ما
يتعلق بالشبهات والرد عليها ضمن مقررات الكليات الشرعية والدعوية، وتقديم تدريبات
مستمرة للدعاة في هذه المساحة، ونحن نوقن قبل هذا كله بأن الله تعالى حافظ دينه
ومُظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.