البحث

التفاصيل

التدين المغشوش ومأساة الأمة

الرابط المختصر :

التدين المغشوش ومأساة الأمة

بقلم: أ. د/ محمد دمان ذبيح

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

         الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد.

        يقول الشيخ محمد الغزالي رحمة الله تعالى عليه: "إن كل تدين يجافي العلم، ويخاصم الفكر، ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة.. هو تدين فقد كل صلاحيته للبقاء."[1]

      ولا شك أن الأمة اليوم وبشكل عام تعيش هذا النوع من التدين، أو بتعبير آخر هذه المأساة، وهذه المعاناة، إنه التدين الذي أوصل الأمة إلى هذه الدركة التي لا تحسد عليها، فهو أشد تهديدا لها من حروب متتالية، أو من ضربات تواجهها من هنا وهناك.

     إن التدين المغشوش ترى صاحبه من أبعد الناس عن العلم والمعرفة ، فهو  لا يتعلم إلا قليلا ونادرا ، ولكنه ينتقد غيره كثيرا زورا وباطلا ، والأخلاق بالنسبة إليه مرتبطة بهوى النفس ، فإن حققت مصلحة ذاتية فنعم ، وإن لم تحقق  فلا وألف لا، تراه يهتم بالظاهر لا الباطن، وبالدنيا لا بالآخرة، ، ويقيم الدنيا ويقعدها من أجل مسألة فرعية من مسائل الفقه المتعددة، في حين لا تتحرك له شعرة عندما تنتهك حرمات الأمة ، و تغتصب مقدساتها ، ويضيع شرفها شرقا وغربا بين عدو يدعي الحرية و السلام، وصديق للأسف الشديد اختار الهزيمة والاستسلام  !!

     والغريب في الأمر أن أصحاب هذا النوع من التدين يظنون أنفسهم بأنهم ورثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وأنهم هم القدوة، وهم التقوى، وهم الورع والصلاح، أما غيرهم ممن يخالفونهم فهم بالنسبة إليهم على باطل، وعلى بدعة من القول والفعل، ولا يزالون كذلك حتى يتبعوا منهجهم ومذهبهم.!!

      إن هذا الصنف من الناس يصدق فيهم قول المولى عز وجل: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: 103 - 105].

       إنهم المفلسون الذين خسروا الدنيا والآخرة معا، بسبب سيئات ارتبطت بالقلب، والأخلاق أحبطت حسنات ارتبطت بالأركان والعبادات وفقط، قال صلى الله عليه وسلم: " أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ".[2]

       ولله در الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عندما قال: "تجد الرجل يتورّع عن القطرة من الخمر، أو ممن استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة، ولكنه يطلق لسانه في الغيبة والنميمة في أعراض الخلق".[3]

        كما أن أصحاب هذا التدين يستحيل أن يكونوا خداما لهذا الدين، أو أداة بناء لهذه الأمة بما يعيد لها كرامتها ومجدها، بل بالعكس فهم معول هدم، وعقبة كؤود أمام كل نهضة رائدة، أو حضارة بارزة.

      إنهم الصنف الذي يمدحه العدو، ويسعى بالمال والإعلام وغيرهما من أجل توسيع دائرته، وانتشاره حالا ومستقبلا، فهم بهذا الفكر الميت، والسلوك الهدام يقدمون خدمات جليلة للعدو لا تقدر بثمن، يل إن العدو ما كان ليحقق أهدافه من ضرب للإسلام، واغتصاب مقدساته لولا جهل وغباء أصحاب التدين المغشوش، وأختم بالشيخ الغزالي رحمه الله تعالى الذي بدأت به هذا المقال المتواضع، حيث يقول:" ليس من الضروري أن تكون عميلا لكي تخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبيا"، وأنا أقول يكفيك أن تكون جاهلا بفقه التحضر والتحرر معا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* أ. د/ محمد دمان ذبيح؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، جامعة محمد العربي بن مهيدي أم البواقي - الجزائر-.



[1] - محمد الغزالي ، ركائز الإيمان بين العقل والقلب، ص: 23.

[2] - رواه مسلم برقم 2581.

[3] - ابن القيم ، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ص : 70.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
حملة شعبية في مومبرا الهندية لمقاطعة منتجات الاحتلال احتجاجًا على مجازر غزة
السابق
"رواحل الطوفان" في إسطنبول: مؤتمر عالمي يطلق مبادرات نوعية لدعم المقاومة الفلسطينية

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع