أولُ "دولة مستوطنات".. فلنشاهد!
بقلم: عمر الجيوسي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
يهطل الليل.. وعلى تلة مطلة على أول مستوطنة بنتها
العصابات الصهيونية يقف الحاج خليل، ابن الثمانين، وبعينين مغرورقتين بالوجع يحدق
في الأفق.. يشير بعكازه بيد مرتجفة تهزها الذكريات، يهمس: "مكان هذه
الكرفانات المضيئة وتلك الأسلاك الشائكة.. هناك كانت لنا بيارة برتقال، وبيت
عائلتنا، وكل ذكرياتنا.. اعتبر الاحتلال كل ذلك (أملاك غائبين)، مع أننا ما زلنا
هنا!. تحوّل كل المكان إلى مستوطنة لا أعرف اسمها.. سكنت مكاننا".
في كل صباح، يحتاج المدرس أحمد -ليصل من حاجز
قلنديا إلى مدرسته في رام الله- إلى ساعتين وثلاثة أرباع القهر، في حين تمرّ
سيارات المستوطنين ذات اللوحات الصفراء في ربع ساعة، وتصل إلى مستوطنات حديثة،
أنيقة، مكيفة.
نصف الحقيقة أرقام.. يقول التقرير الرسمي إن عدد
المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يقترب من المليون، في مئتين وثمانين
مستوطنة
كاميرات الإعلام ترصد نمو (دولة مستوطنات) تشق
الأرض مثل فطر سام سريع النمو، يُسقى بماء مسروق.. كل بيت فيها ينبت من فلقتي
الاحتلال والإحلال.. يستمر تسمين هذه المستوطنات، تُحرس ببندقية تمتد عبر النجمة
السداسية، وترقى بنصوص الحاخامات..
تستمر شهية الجرافات الإسرائيلية بغرز أنيابها في
أراضي الفلسطينيين بجرعة زائدة من العجرفة والنكاية.. تبدأ بالضم غير القانوني
والقضم الهمجي، وتنتهي بفرض أمر واقع يمنع قيام دولة فلسطينية متواصلة التضاريس.
أضواء (دولة المستوطنات) لا تنطفئ!. تخاف ألا تكون
مشروعًا دائمًا.. كل مستوطن فيها بلطجي في عصابة مسلحة، يحرسها جيش وقرارات أمم
تراها بعين الحقيقة العوراء.
نصف الحقيقة أرقام.. يقول التقرير الرسمي إن عدد
المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يقترب من المليون، في مئتين وثمانين
مستوطنة.
والأرقام لا تروي كل الحكاية؛ فليس على وجه الأرض
(دولة مستوطنات) تعيش مكان (دولة قيد الاعتراف) في (دولة سريعة الذوبان)، تخنقها
حواجز وجدران وطرق التفافية، ونقاط تفتيش تغرز نفسها كأوتاد مدببة تحت أقدام
الفلسطينيين.
77 عامًا وفتاوى اتفاقية جنيف تحرم بناء المستوطنات..
سبعة وسبعون عامًا والمجتمع الدولي ما زال يحاول وقف التوسع الاستيطاني فقط بـ
"القلق العميق"
تغتال (دولة المستوطنات) فكرة حل الدولتين.. يسمون
الضفة الغربية اسمًا توراتيًّا: يهودا والسامرة.. وزيرهم التلمودي المتطرف يصرح:
"حان الوقت لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على يهودا والسامرة"..
"نحن لا نوسع المستوطنات، نحن نؤسس لسيادة!
"وزيرة الاستيطان تصرح: "لا يوجد شعب
فلسطيني".. كلمات ليست عابرة، وأقوال أفعال لا انفعال.. جرافاتهم وقراراتهم
تحوِّل البؤر العشوائية إلى مستوطنات ومجتمعات معترف بها في الكنيست وفي محكمة
(العدل) العليا الإسرائيلية؟
يضربون كل قرارات الأمم بحائط مجلس الأمن.. تقرير
منظمة (بتسيلم) الحقوقية الإسرائيلية يكشف أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية
"تسعى لخلق واقع لا رجعة فيه".. يحاول المستوطنون الاقتراب من خط
النهاية باقتحام المسجد الأقصى، ثم تحقيق حلمهم الأكبر بتهويده، لتغفو المستوطنات
وتصحو على حلم الدولة العبرية.
77 عامًا وفتاوى اتفاقية جنيف تحرم بناء
المستوطنات.. سبعة وسبعون عامًا والمجتمع الدولي ما زال يحاول وقف التوسع
الاستيطاني فقط بـ "القلق العميق".. سبعة وسبعون عامًا والصهاينة
يبعثرون خارطة الشرق الأوسط، ويسعون لمكان أكبر وأكبر تحت الشمس.. سبعة وسبعون
عامًا والاستيطان يتسارع كقطار فقد فرامله.. وما زال جرس الإنذار يقرع النداء
الأخير.. فهل نشاهد أول (دولة مستوطنات)؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة
عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.