الرابط المختصر :
بيروت/ موقع الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أشعر باندهاش شديد لأُولى مواقف د. نبيل العربي بعد تسلمه أمانة ثقيلة وهي الأمين العام للجامعة العربية في أجواء عاصفة وحادة وشديدة، خاصةً في زيارته لسوريا ومساندة نظامها الغاشم الظالم لنفسه ولشعبه، وكنا نتوقع من الرجل الذي رحب به أبناء ثورة 25 يناير بمصر وزيرًا للخارجية المصرية، وقام خلال أيامه الأولى من تسلمه حقيبة وزارة الخارجية المصرية بفتح المعبر، وفاء لموقفه المعروف أخلاقيًّا وإنسانيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا من مساندة لحقوق أهل غزة في العيش الكريم وكسر الحصار، وأن مصر قد أخلَّت بالتزاماتها الدولية والإنسانية والعربية في مشاركة الكيان الصهيوني في تشديد الحصار على أهلنا في غزة، بل خطى ما عجز عنه النظام البائد في السعي نحو المصالحة الفلسطينية بدبلوماسية عالية؛ مما مثل استعادة للدور المصري الرائد، بل أعلنت الصحف الصهيونية أن د. نبيل العربي عنصر معادٍ لـ"إسرائيل" مما أرضى المشاعر الفلسطينية والعربية والدولية، وجعل بارقة الأمل تعود لأمتنا العربية أن هناك تحولاً سياسيًّا كبيرًا يتجه نحو القيم الإنسانية أولاً، ويستجيب لمطالب شعوب أمتهم لا إملاءات أعدائهم ثانيًا.
لكن لا أدري ما الذي جرى للدكتور النبيل العربي بعدما صار- على ما يبدو لي- بحيلة صهيوأمريكية أمينًا عامًّا للجامعة العربية؛ حيث صرح بما أصابنا بالغثيان فيما نسب إليه في زيارته لسوريا قوله: "لا يحق لأحد سحب الشرعية من أي زعيم.. وأن الأمانة العامة تلتزم بميثاق الأمم المتحدة، ولا تقبل التدخل في الشئون الداخلية للدول، وهذا محرم وفق ميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية، والأمانة العامة تلتزم باستقرار كل الدول العربية، سوريا، مصر، اليمن وغيرها"، بل "زاد الطين بلة" عندما قال عن مباحثاته مع السفاح جزار الأسد: "تحدثنا بصراحة تامة حول المستجدات في مصر وسوريا واليمن، مؤكدًا أن سوريا دخلت مرحلة إصلاح حقيقي، ونحن نولي أهمية كبرى لاستقرار سوريا وكل دولة عربية"، ودعا إلى تجاوز الخلافات، وأن يتم النظر للمصحلة العربية المشتركة، وأمام هذه المفارقة الواضحة بين موقفي د. العربي وزيرًا وأمينًا عامًّا يبدو لي ما يلي:
1- أؤيد عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية لأي بلد، لكن ماذا لو حجبت السلطة الغاشمة عن شعبها كل حقوقهم الإنسانية من حرية الكلمة، والصحافة والنقد ومقاومة الفساد، بل وسحق كل المظاهرات السلمية، كما جرى في سوريا والقتل بالدبابات والطائرات والمدافع الثقيلة في الوقت الذي لم توجه رصاصة واحدة نحو الكيان الصهيوني المحتل للجولان وفلسطين؟!!.
2- كنت في الوزارة متوازنًا وفقدته أمينًا عندما أهملت التنديد بالفظائع التي وصلت إلى عين اليقين من خلال الصور الواضحة مثل قتل حمزة الخطيب، والنساء اللواتي هتك شبيحة النظام أعراضهن، بل الهتاف بأن يرحل الله ليحل محله بشار، والسجود لبشار في مؤتمر أنطاليا من أتباعه وغيره من الفظائغ التي توجب تحرك الدول العربية قبل غيرها من أحرار العالم؛ للضغط على النظام السوري أن يستجيب لمطالب الشعب العادلة بأن يرحل، فهو نظام- بلا شك- أشد من النظام الفرعوني المصري الذي أزاحته ثورة شعبية سلمية شبيهة بمصر، وجاءت بك وزيرًا للخارجية، ولكنك اليوم- أمينًا- تخالف ضميرك الإنساني والإسلامي والعربي بهذا التصريح.
3- إذا كان النظام قد قتل أكثر من أربعين في يوم تصريحك بأن النظام السوري قد دخل في مرحلة إصلاح حقيقية، فهل الاستمرار في قتل وسحق الشعب الذي يملك وحده السلطة والشرعية، وينادي برحيل النظام هل هذا هو الإصلاح الذي تمتدحه؟!!؛ لكنك صرحت بما يتذرع به النظام لتثبيت كرسيه الذي يتأرجح قبل السقوط بثورة شرعية للشعب السوري.
4- نخشى على الدكتور العربي أن يفقد تاريخه وحاضره ومستقبله بهذه البداية الهزيلة، بل نخشى عليك من سؤال الله لك يوم القيامة عن مساندة نظام ملطخ بدماء شعبه قديمًا في حماة وحلب وحديثًا في كل شبر من سوريا.
ولهذا نحن ندعو الدكتور العربي ألا يركن إلى الذين ظلموا، وأن يكون شجاعًا في الرجوع عن كلمته، وأن ينحاز إلى حقِّ الشعب السوري في خلع النظام السوري، كما أقررتم بحقِّ الشعبين التونسي والمصري في خلع حاكميهما المتغلبين بالقهر والاستبداد لا الانتخاب والشورى، كما نطالب الجامعة العربية بأن تحمي الشعب السوري في حقه بالتظاهر السلمي، واختيار نظامه، وإلا فسنكون كما قال الشاعر:
ألقاه في الماء مكتوفًا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
كما ندعو الجامعة العربية أن تشكل لجنة تقصي الحقائق لترفع الواقع من الميدان بدلاً من التزوير الإعلامي السوري الرهيب، وأن يُسمح للإعلام الحر بالدخول إلى مدن سوريا، إن كان الوضع كما ينقله التليفزيون الرسمي.
ونخشى أخيرًا أن يلحقك- إذا لم ترجع- ما ورد في الحديث الذي رواه البيهقي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله ومكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".
ما زلنا نطمع في رجوعك إلى الحق ونصرة المستضعفين في سوريا؛ لأن حالهم أصعب من أهل غزة الذين ساندتهم وزيرًا، وأهل مصر الذين تعتز بثورتهم.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويردنا إلى الحق الأبلج ويبعدنا عن الباطل اللجلج.