عالم الشهادة في المشهد المصري اليوم مزرٍ وموجع ومؤرق، وعالم الغيب مع الأمل والعمل لله مثمر ومزهر ومورق. عالم الشهادة فيه استماتة واحتيال بالجملة من النظام البائد أن يجر عقارب الساعة للخلف، وأن يرد الزمان إلى ما قبل اليوم الميمون 25 يناير 2011م؛ ليعود لنا أقطاب النظام البائس الذي حطم مصر بالاستبداد السياسي والفساد المالي والتحلل الأخلاقي والتخلف الحضاري.
وعالم الغيب فيه تدبير آخر، يقول فيه رب العزة سبحانه: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59]. ومن يدير مصر ليس المجلس العسكري وعمر سليمان الذي يعود حاملاً كل خصائص النظام البائد من كبر وعنجهية، وظلم وطغيان، بل الذي يدير العالم هو الملك سبحانه، فهو وحده الذي يعلم حقيقة ما يجري وما سيجري في عالمي الغيب والشهادة؛ لأنه الكبير المتعال. فإن قيل: إن عمر سليمان قادم يعلم دخائل الأمور من خلال منصبه الرفيع رئيس جهاز المخابرات للمخلوع حسني "باراك". قلنا: نحن نركن إلى علام الغيوب الذي قال عن نفسه سبحانه: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9].
فنحن الفقراء إلى الله، الموقنون بنصر الله؛ لأنّا لا نحمل إلا الخير لعباد الله، بل لخلق الله؛ لأنا ربنا سبحانه استعمرنا في هذه الأرض. لكن نائب المخلوع في عالم الشهادة قد باشر تقزيم مصر مع رئيسه المخلوع، ومزق علائقنا مع الأشقاء العرب والجيران، إلا الكيان الصهيوني المحتل فقد "جبر" له كل خيرات مصر وحرم أهلها وأهلنا بغزة، وأشرف معهم على ضرب غزة وقتل أطفالنا، ونسائنا ورجالنا، وعلمائنا، ومساجدنا، ومدارسنا، وهو إلى اليوم من خلال جهازه يُجيع أهلنا في غزة، ويحرمهم من الوقود والسولار، ولقمة الغذاء، وعلبة الدواء.
ويقدم للكيان الصهيوني الغاز والبترول، وكان -ولا يزال- الصديق الحميم للمجرمين من قادة الصهاينة، وحتى يزيدك من "الدست مغرفة" يعتذر عن انتخابات الرئاسة اليوم ويغيّر رأيه في الغد، وبدا المشهد الإعلامي من بقايا النظام السابق في غاية اللطف مع رجوع الباشا نائب المخلوع في رأيه.
أما الإخوان الذين اختارهم في النقابات، ومجلسي الشعب والشورى، فقد فتحوا عليهم النار والسُّعار بأنهم لا يوفون بوعدهم، ولا يثبتون على مواقفهم، رغم مرور أكثر من عام وظهور متغيرات هائلة ونكوص من المجلس العسكري في تلبية مطالب الثورة، وتعمد إزاحة الإخوان والسلفيين من المشهد التنفيذي.
مما أوجب أن ينتزع الإخوان المواقع التي يُفسد منها بقايا النظام الحياة السياسية والاقتصادية، حتى وصل بهم الأمر إلى إراقة البترول والسولار في الصحراء؛ لخنق الناس وافتعال الأزمات، عقابًا لهم على اختيار الإسلاميين، تمامًا كما علّموا عباس أن يعاقب الشعب الفسطيني على اختيار حماس.
لكن هذا المكر السيئ في عالم الغيب يقابله المكر الإلهي، كما جاء في قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 46، 47]. وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
وقد دبروا مع كل عرس ديمقراطي حوادث ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، والمجمع العلمي، وبورسعيد، وارتدّ ذلك عليهم، ونفذت إرادة الملك سبحانه بما لم يكن أحد في عالم الشهادة أن يتصوره أن يدفع القدر بنائب المرشد لينافس على الرئاسة نائب المخلوع، لتكون المسألة في علم الله تعالى الذي نوقن أنه سبحانه الذي قال عن نفسه: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة: 6].
فهو سبحانه عزيز على المجرمين رحيم بالمؤمنين، وأشهد الله أنني مع جولاتي في أرض الله تعالى من شرقها لغربها، وشمالها لجنوبها، لم أجد مثل أهل مصر إيمانًا ويقينًا وعزمًا وتصميمًا، ورجولة وتضحية، وصبرًا ودأبًا، وحمية وغيرة، وعلمًا وخلقًا، وهؤلاء سيرحمهم الله من هذا الكيد الرهيب، والمكر الشديد المستند إلى الخارج اللدود، لكن علاّم الغيوب لن يرضى لمصر وأهلها بعد كل هذه التضحيات، والدماء، والجراح، والرقي الحضاري في ثورتهم أن يعود فلول وأزلام النظام اللعين، الذي حكمنا بالحديد والنار والسيف البتار؛ لأن قوة الملك الجبار هي التي ستذل هؤلاء الأشرار، كما توعدهم بقوله سبحانه:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15].
نحن بمسيس الحاجة أن نتضرع إلى الله لمصر وأمتنا بدعاء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يطيل التضرع بقوله: «اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (رواه مسلم).
فيا قومي من أهل مصر، لا تركنوا إلى تلبيس وتدليس عالم الشهادة، وأيقنوا -مع الأمل والعمل- أن علام الغيوب لن يقدر لمصرنا إلا كل خير، فهو القائل سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
بل أسألكم بالله!! هل يوجد خطاب طمأنة لأهل مصر ومحبي مصر، آكد من وعد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.
قوموا -لأجل مصر وأمتنا- بالليل تذللاً وتضرعًا، وتحركوا -لأجل مصر وأمتنا- بالنهار فريضة وتطوعًا، وثقوا في قوله تعالى: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].