الرابط المختصر :
مر عام على شعب سوريا صابرا محتسبا مرابطا متفائلا مُصرًّا على إسقاط النظام الظالم الطائفي العنيد ، ولقد شاءت إرادة الله أن تطول المحنة زمانا، وتتسع أركانا، وتتغير منهاجا، فقد انفجرت كل المدن فلم يبق في سوريا موضع حجر أو شجر، أو مدر أو وبر، البر والبحر، السهل والجبل ، إلا ثار منتفضا ضد هذا النظام الفاشي، ولقد شعرت أن هذا الشعب فيه من الكنوز المدفونة من المعادن النفيسة ومن الرجال والنساء والشباب والفتيات ما أرجو من الله أن يجمع صفوفهم نحو معركة التحرير، ولقد تميزت ثورة سوريا بخصائص لم تتوفر لغيرها مما جعل ثورتها جحيما إذا قسناه بربيع العرب؛ حيث إن الحكام بسوريا من طائفة واحدة على حين كان الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن لعائلة واحدة في نظام جمهوري على الورق، ملكي في الحقيقة، وعلماء الأصول يقولون: "العبرة في المعاملات بالمقاصد والمعاني، وليس بالألفاظ والمباني"، لكن النظام العلوي جمع السوأتين، وهو أنه نظام حكم العائلة والطائفة العلوية النصيرية التي اتفق علماء الأمة على تكفيرها لأنها تقول بحلول الله تعالى في جسم الزعيم - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وعليه فقد ابتلى الشعب السوري بأن عُذبوا لينطقوا بالكفر الصراح " لا إله إلا بشار" تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ومرت ثورة تونس ومصر دون أن ينقض الجيش على الشعب، ودخلت ليبيا واليمن في حالة عدوان من قطاعات من الجيش على الشعب، وانحاز لهم من أول يوم فيالق ورتب كبيرة، لكن لأن 80% من الضباط والجنود في جيش الأسد من الطائفة العلوية فقد تأخر انشقاق كبار الضباط والجنود، وكان على عبد الله فاسد يستعين بالأمريكان على ضرب شعبه عسكريا ويحرك بعض الحرس الجمهوري ليقتل أبناء شعبه، وانحاز الكثير من الرتب إلى الثورة مما أنهك الجيش وفكك اصطفافه وراء الظالم ، لكن البعد الطائفي والرعب الداخلى في سوريا جعل تماسك الطائفة أكبر، كما يقول الله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} (الأنفال:73)، ولذا أعان الظالمَ على شعبه فيالقُ حزب اللات في لبنان، وكتائب بدر وغيرها من شيعة العراق، والحرس الثوري من شياطين إيران، بل إن الحوثيين جاءوا من اليمن لنصرة الظالم، وقاتل ما لا يقل عن سبعين ألف جندي وضابط من الدول المجاورة لمنع سقوط نظام جزار سوريا، وهذا ما أطال عمر النظام ومدد له أنبوبة الأوكسجين التي قد تنشِّط قلبا آيلا للتوقف والسقوط، وهو مالم يحدث في كل الثورات أن دخلت جيوش طائفية من الخارج لتسند النظام من الداخل، ولقد كان مصدر الاهتمام في العالم الغربي بمصر لثقلها العربي والإسلامي والعالمي، وليبيا من أجل البترول، واليمن لتأمين منابع البترول للغرب بأبخس الأثمان من جهة الجنوب، وتونس لم يستطع العالم أن يصدق أن هناك ثورة قد تغير نظاما محكما متحكما قاهرا مسيطرا، فلم يُفق إلا على أنباء "بن علي هرب، بن علي هرب"، لكن سوريا غير هذه الدول لأنها تقع على حدود الكيان الصهيوني، وكل التحليلات من أكابر مجرميهم أن أصلح نظام لتأمين الاحتلال هو نظام الأسد؛ فأبوه ضائع الأسد سلم الجولان قبل المعركة، وابنه لم يصوب طلقة واحدة نحو الصهاينة، بل وجه الجيش لسحق الشعب الثائر للحق، ولا يتحمل الكيان الصهيوني أن يقع بين طرفي "الكماشة" أو شقي الرحي: الشعبين المسلمَين السنيين في مصر وسوريا، وبما أن النظام الأمريكي الذي لا يتنفس إلا من الخيشوم الصهيوني فإن دموع التماسيح على حجم المجازر في سوريا ليس إلا من باب الحفاظ على ورقة التوت التي لاتستر عورتها مع الوعي العربي، الذي صار يوجه لطمات للنظام الأمريكي ومنه رفض المجلس الانتقالي بليبيا اختيار رئيس وزراء مختار من أمريكا وقد قدمت فجأة هيلاري كلينتون تحمل الأمر أو الوصية الواجبة "لا الاختيارية" فأخذ مرشحها صفرا من الأصوات، واختاروا رجلا وطنيا لا عميلا، وتقدم مجلس الشعب المصري بلطمة أخرى برفض المنح الأمريكية وهي بحق محن وليست منحًا، كما قال الله تعالى: "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم" (البقرة: 105)، فهل بعد هذا يرحب النظام الأمريكي بنجاح ثوار سوريا، وإنني أزعم أن دور أمريكا في الدم الذي يهراق في سوريا أقوى من روسيا والصين وأقل من دور إيران قطعا.
لكن الله الذي ألهم شعب تونس أن يثوروا – على غير توقعات أبعد المتشائمين – فنصرهم الله على طاغيته، والله الذي أعان شعب مصر على إزاحة حسني مبارك بكل جبروته، والقذافي بكل كبريائه، وتوظيف المليارات لجلب المرتزقة، والله الذي أعان أهل اليمن على أجهل حاكم عربي ظالم طاغ، هو وحده الذي قال عن نفسه {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} (السجدة:5)، وهو سبحانه كما قال عن نفسه: {إن الله يحكم مايريد} (المائدة:1) {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف:1).
ياإخواني وأخواتي: تفاءلوا بالخير تجدوه، غدا ينصر الله شعبنا في سوريا على جزار الأسد وزبانيته وطائفته وشيعته وشبيحته، لكن أرجوكم افعلوا شيئا تلقون به الله تعالى.