توقفت عجلات كرسيك المتحرك، لكن لم تقف مسيرة دعوتك واستمرت بالعطاء، ولم تقف رسالتك إنما رُويت بدمائك الطاهرة، فأينعت أزهارًا للأمل نشرت عبق رائحتها بالكون.
أحمد ياسين.. اغتالوك وهم يظنون أنهم باغتيالك وتغييبك عن الأرض ستموت أفكارك ومنهجك، لكن الفكرة الصافية والمنهج الحق لا يموت؛ لأنه استمد بقاءه من الدين الإسلامي الحي والباقي إلى قيام الساعة. رحل الشيخ ياسين عن الدنيا ولكن سيرته بقيت في نفوس الملايين من المسلمين الذين خطوا طريقه واتبعوه يحملون نفس الراية، معلنين بأعلى أصواتهم: في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء، فليعد للدين مجده ولترق منا الدماء.
بأجسادكم أعدتم الفرحة للأمهات الثكالى، وزرعتم الأمل في عيون أطفالنا.. بإيمانكم وشجاعتكم كسرتم مقولة: إن الكف لا تقاوم المخرز.. تستعجلون الفجر الجميل بأجسادكم.. فتودعون الدنيا بما فيها من ابتسامة حيّرت الأعداء.. لتستقبلوا بها الحياة من جديد عند رب العالمين.. ولتكتبوا تاريخ عزتنا، ولتشعلوا من أجسادكم شموع درب الحرية والخلاص.
حملتم جرح أمتكم في صدوركم.. وسرتم واثقين بنصر الله.. تدوسون الشوك.. لتزرعوا الورود الجميلة.. لتنشر عبق رائحتها في الدنيا.. تمضون بصمت.. تتركون خلفكم الذكرى الجميلة والأمل والحب.. تحديتم ضعفنا، وبذرتم الأمل في قلوبنا.
قال الشيخ ياسين في آخر مقابلة تلفزيونية معه: "إننا طُلاَّب شهادة، لسنا نحرص على هذه الحياة، هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية".
الشيخ أحمد ياسين حقق أمنيته الكبرى في الانضمام إلى مواكب الشهداء، وقدَّم درسًا لوعاظ السلاطين، الذين يصدرون الفتاوى المطرزة، وفق أهواء الحاكم، وللتغطية على مفاسده، وخاصة تلك التي تطالب بطاعة أولي الأمر، وكأن هؤلاء يجيشون الجيوش لحماية الثغور الإسلامية، والتصدي للغزاة الصهاينة، ويقرعون طبول الحرب للدفاع عن الأمة والعقيدة.
سيبقى الشيخ أحمد ياسين رمزًا لاحتشاد الشعب الفلسطيني الكامل بشبانه وشيوخه ونسائه وأطفاله من حول قضيته، ومن حول وطنه وهويته وأرضه ومقدساته: عزيمة كالصخر، وعقل تنظيمي واضح ووضّاء، ولهفة للانتصار بالتحرير وبالشهادة.
رحم الله الشيخ أحمد ياسين، وتلك الصدور الشماء التي تحملت وتتحمل عن الأمة أعباء أكبر مشكلات العالم منذ قرون وقرون؛ المشكلة اليهودية، التي أرادوا لها حلاًّ على حساب أمتنا وأرضنا ووجودنا، ويأبى الشيخ ياسين، ويأبى كل أطفال فلسطين، إلا أن تبقى فلسطين عربية إسلامية، ومن البحر إلى النهر.
لا عزاء في الشهداء، فهم أحياء عند ربهم يرزقون, بل تهنئة لهم على هذا الاصطفاء وذاك الاجتباء من رب الأرض والسماء.. قال سبحانه {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].
لقد مضى الشيخ المجاهد أحمد ياسين أسدًا في حياته, عزيزًا في شهادته, وستكون دماؤه ودماء إخوانه لعنة على الصهاينة المعتدين.