باريس، 16 جمادى الآخرة 1436 هـ / 5 إبريل 2015م
عقد "المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث" و"اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا" و"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" و"المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية - باريس"، بعون الله وتوفيقه، ندوة بعنوان "فقه التعامل مع الإساءة إلى المقدّس"، على مدى يوم كامل في باريس، شاركت فيها نخبة من العلماء والمفكرين والأئمة والمرشدات من أنحاء القارّة الأوروبية ومن خارجها.
وقد تناولت الندوة في أعمالها المنهجية الإسلامية ومعالمَ الخطاب الإسلامي في التعامل مع الإساءة للمعتقدات والمقدسات، مع تحرير هذه القضايا في ضوء المقاصد الشرعية ومقتضيات الواقع المعاصر. كما بحثت الندوة الموازنة بين ممارسة حرية التعبير واحترام المقدّس بحدودها وضوابطها، مع استخلاص قواعد من الهدي النبوي في فقه التعامل مع الإساءة. وسيتمّ بعون الله تعالى نشر الأوراق العلمية التي تمّ عرضها في الندوة بشكل تفصيلي.
وقد خلصت الندوة في ختام أعمالها إلى التوجيهات التالية:
1. إنّ واقع البشر في تنوّعهم وتعدّد مشاربهم في الأديان والأفكار والآراء، علاوة على التطوّر الهائل في التواصل عبر العالم، والتحدِّيات المتزايدة في المجتمعات الإنسانية، يستدعي العناية بمقومات السلم الاجتماعي والتفاهم المتبادل وقطع الطريق على شتى صور الاستفزاز والتحريض وإشاعة الكراهية ونشر الأحقاد واقتراف الاعتداءات.
2. إنّ حرية الرأي والتعبير محترمة ومكفولة في الإسلام، كما دلّ على ذلك صريح القرآن الكريم وصحيح السنّة النبوية المطهرة والسيرة العملية لرسول الله صلى الله وعليه وسلم، ولا يُعقل أن تمارَس هذه الحرية بمعزل عن المسؤولية والأخلاق العامة أو بما يوقع الضرر والأذى على الأفراد والمجتمعات الإنسانية.
3. إنّ ما يقع من إساءات للأديان والمعتقدات، بما في ذلك ازدراء المقدسات الإسلامية أو محاولة الإساءة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هي سلوكيات شائنة وإلحاق للأذى بالمجتمعات، وهي تمثل تعدياً على القيم المشتركة وتمسّ بالسلم الاجتماعي والتعايش الإنساني.
4. إنّ تعامل المسلمين مع الإساءات إلى المقدسات الإسلامية ينبغي أن يخضع لمنهجية شرعية، تقوم على فهم النصوص الجزئية في ضوء مقاصدها الكلية، وتعتمد الجدال بالتي هي أحسن، وعدم مقابلة الإساءة بمثلها، وتعمل على تصحيح الصور المغلوطة بالدليل والبرهان، والتعريف بسموّ الرسالة ورحمتها بالعالمين.
5. إنّ ضعف المعرفة بالعلم الشرعي الإسلامي، وقراءة النصوص بمعزل عن سياقاتها وملابساتها، وشيوع سوء الفهم أو الاجتزاء من كتب التراث على نحو مخلّ، مما قد يقود بعض الأفراد إلى سوء فهم وتقدير للمسائل الشرعية، وقد ينعكس ذلك على الفكر والممارسة بما يفضي إلى أخطاء تتعارض مع تعاليم الإسلام ومقاصده ولا تحقق مناط الحكم.
6. إنّ من مسؤولية الأئمة والخطباء والدعاة والمربين بذل مزيد من الجهود في تناول المفاهيم الإسلامية العامّة كمفهوم الحوار والاختلاف والتعدد والجهاد والتعايش، في إطار رؤية تأصيلية شاملة تقوم على حسن فقهٍ للنصوص، واعتبارٍ للمقاصد الشرعية والظروف الواقعية، وذلك بما يحقق الوسطية والاعتدال في فهم الدين وتطبيقه، وتكريس التواصل بين أفراد المجتمع الواحد والإنسانية جمعاء.
7. لقد بات من الملحّ إبراز حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، ومواقف من عفوه وصفحه وحلمه وعدله وإنصافه ووفائه بالوعد ورحمته بالعالمين.
8. ضرورة تطوير جهود التعريف بالإسلام في مضامينها ووسائلها، والسعي إلى الوصول إلى عموم الجمهور في أوروبا بالخطاب القويم، ويمكن في هذا المسعى الاستفادة من شتى وسائل الإعلام والتواصل المستحدثة، علاوة على تطوير الجهود المبذولة في هذا الشأن في مجالات العمل العلمي والثقافي والفني.
9. إنّ على الأئمة والمربين والموجِّهين أن يبادروا إلى عقد اجتماعات تخصصية، ومدارسة ما من شأنه أن يعين على تحصين المسلمين من الزلل أو الوقوع في براثن التطرف أو العنف.
10. ينبغي تطوير قدرة الآليات القانونية على التعامل مع ظواهر الإساءة إلى المقدسات واستفزاز البشر في معتقداتهم ونشر الأحقاد والكراهية والإضرار بالسلم الاجتماعي وشقّ صفوف المجتمعات.
والحمد لله ربِّ العالمين