بيان حول مشروع القرار المطروح في الجلسة 48 للجنة السكان والتنمية بالأمم المتحدة، المنعقدة في نيويورك في الفترة 13-17 ابريل 2015 بعنوان:
إدماج قضايا السكان في التنمية المستدامة، وفي الأجندة التنموية لما بعد عام 2015
Integrating population issues into sustainable development, including in the post-2015 development agenda
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين (وبعد)
يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، و الكثير من هيئات وروابط علماء المسلمين، ومنظمات المجتمع المدني، وكثير من عقلاء العالم؛ بقلق ما تصدره اللجان المختلفة بهيئة الأمم المتحدة من وثائق تخص السكان والمرأة والطفل، تشتمل على بنود تهدد استقرار الأسرة وتماسكها، من خلال تبني عدد من القضايا التي تتجاوز حدود الحريات الفردية؛ لتهدد قيم المجتمع وأسس استقراره.
ويعد المؤتمر العالمي للسكان والتنمية International Conference on Population and Development (ICPD) الذي عقده صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA في القاهرة عام 1994، من أخطر المؤتمرات التي عقدتها هيئة الأمم المتحدة . حيث تصادمت الوثيقة الصادرة عنه بشكل واضح وصريح مع الأديان والقيم والفطرة الإنسانية.
وتوالت المؤتمرات لمتابعة التطبيق الكامل لتلك الوثيقة في تجاهل تام لما تحفظت عليه الدول. وبعد عشرين عاما من تاريخ توقيع تلك الوثيقة، اتضح عدم امكانية تطبيقها بشكل كامل، وهو ما كان يستوجب ان تراجع الأمم المتحدة موقفها المتحيز لنمط اجتماعي واقتصادي وقيمي أوحد، وتؤسس موقفا جديدا قائما على احترام التنوع الثقافي والقيمي لشعوب العالم، إلا أنها اختارت التمادي في تحدي إرادات الشعوب، وفرض المزيد من الضغوط لتطبيق ذلك النموذج الأوحد.
وهاهي تطرح في الجلسة (48) للجنة السكان والتنمية التي ستعقد في الأمم المتحدة بنيويورك في الفترة 13-17 إبريل 2015، مشروع قرار Resolution يحمل المزيد من الضغوط، والتعهد بالتطبيق الكامل لوثيقة القاهرة للسكان، وسائر الوثائق ذات العلاقة.
ونعترض في ذلك المشروع على ما يلي:
أولاً: التأكيد المتكرر على التطبيق الكامل لـ (برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية)، و (الإجراءات الأساسية لمواصلة تنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية)، وسائر الوثائق ذات العلاقة بالمرأة والطفل مثل اتفاقية سيداو، اتفاقية حقوق الطفل، وثيقة بكين وغيرها، دون مراعاة للتباين الثقافي والقيمي بين أقاليم العالم المختلفة ودون أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد للتحفظات التي سجلتها الحكومات عند التوقيع على تلك الوثائق فضلا عن الضغوط المستمرة من قبل الأمم المتحدة على الحكومات لسحب تحفظاتها عن تلك الاتفاقيات1.
ثانياً: اعتبار أن "مساواة (النوع) الجندر Gender Equality2، واستقواء3النساء والفتيات empowerment of women and girls ، وضمان حصولهن على الصحة الجنسية والإنجابية 4 شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، واعتبارها ضمن حقوق الإنسان، بما يجعل معارضتها فيما بعد انتهاكا لحقوق الإنسان، وهذا يمثل خطرا كبيرا على المنظومة القيمية والأخلاقية للأسرة والمجتمع الإنساني، للأسباب التالية:
أ. المطالبة بـمساواة الجندر، في حقيقة الأمر هي مطالبة بـ: إلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة للوصول إلى التساوي المطلق، وفي نفس الوقت مطالبة بتحقيق التساوي في الحقوق بين الأسوياء والشواذ5.
ب. المطالبة باستقواء المرأة والمراهِقة، يعطيها الحق في التحكم الكامل في جسدها، وفي قراراتها الحياتية، في استقلال تام عن أي طرف آخر، فلا طاعة لزوج ولا ولاية لولي! علاوة على إعطاء الفتاة الحق في أن تختار هويتها الجندرية Gender Identity، وتختار توجهها الجنسي Sexual Orientation.
ت. المطالبة بتقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء والمراهقات (دون الإشارة للحالة الزواجية)، فوثيقة القاهرة للسكان نصت على: "أن المراهقات اللاتي يحملن يحتجن الى دعم خاص من أسرهن ومجتمعهن المحلي خلال فترة الحمل ورعاية الطفولة المبكرة. ويجب أن يشترك المراهقون اشتراكا كاملا في تخطيط وتنفيذ وتقييم هذه المعلومات والخدمات، مع المراعاة الواجبة لتوجيه الأبوين ومسئولياتهما"6!
ثالثا: الإشارة إلى تقارير الأمين العام الصادرة في هذه الدورة: E/CN.9/2015/3، E/CN.9/2015/4، E/CN.9/2015/5، يحمل خطورة لاشتمال تلك التقارير على نقاط شائكة ومثيرة للجدل، أهمها:
- البديل المطروح للتقليل من النسل هو "حصول الشباب على وسائل منع الحمل الحديثة للوقاية من حمل المراهقات"7وفي المقابل "القضاء على الزواج المبكر (تحت الـ18) لتتاح للمرأة إمكانية السيطرة على عدد أطفالها ومن ثم المساهمة في إبطاء النمو السكاني على الصعيد العالمي"
- تكرار الربط بين مساواة الجندر، واستقواء المرأة، والحصول على الصحة الجنسية والإنجابية وتحقيق التنمية المستدامة.
- يستنكر التقرير إقبال الشباب على الزواج، ويعزي ذلك إلى عدم توافر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، فينص على: "مع عدم توفير الإمكانية أمام الجميع للحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.. تزداد بشدة معدلات زواج الشباب، لاسيما المراهقات في سن مبكرة"
وبناء عليه يرحب التقرير بـ "اتخاذ مجلس حقوق الإنسان قرارا تاريخيا بمنع ممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر... وتعميق الالتزام العالمي بأن تكون السن القانونية الدنيا المعترف بها للزواج هي 18 سنة في جميع البلدان".
- بدلا من الإنفاق على التنمية الحقيقية للدول الفقيرة، يتم إنفاق الملايين على "تعزيز أمن سلع الصحة الإنجابية" يقدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA من رفالات (واقيات ذكرية) ووسائل منع الحمل"12. ويصمم الصندوق المشاريع لتقديم حزمة من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للشباب من خلال عقد شراكات مع المدارس والمعاهد والمرافق الصحية والمجتمع المدني وسائر القطاعات التي تركز على الشباب!
- وفي حين تعتبر تلك الوثائق تقييد الحريات الجنسية للجميع انتهاكا لحقوق الإنسان، تغض الطرف أمام الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها المرأة والفتاة المسلمة في كثير من أنحاء العالم، مثل: سوريا، و فلسطين، و العراق، وبورما، و مصر، وأفريقيا الوسطى وغيرها، من قتل، وحرق، واغتصاب ممنهج، وتعذيب، واعتقالات تعسفية.
رابعا: استدعاء القرار 68/309 حول تقرير مجموعة العمل المفتوحة Open Working Group (OWG) والذي نص على أن المقترح proposal الذي وضعته تلك المجموعة، والمتضمن في التقرير، سيكون هو الأرضية التي يتم الاستناد إليها في إدماج أهداف التنمية المستدامة SDGs في الأجندة الإنمائية لما بعد 2015 ( the post-2015 development agenda) والمطروحة للتفاوض في الاجتماع التاسع والستين للجمعية العمومية الذي سينعقد في سبتمبر 2015، وهو أمر جد خطير، حيث يكرس ذلك المقترح proposal، كل ما سبق ذكره من نقاط شائكة بدعوة التنمية المستدامة والقضاء على الفقر،
وتزييفا لوعي الشعوب، تجاهل ذلك المقترح المسببات الحقيقية للفقر والتي تكمن في استنزاف ثروات العالم الثالث بدءا من عهود الاستعمار وحتى يومنا هذا، وبدلا من مطالبة الدول المتقدمة بتعويض ما استنزفته، وإصلاح ما أفسدته من مناخ وبيئة، تم تسليط الضوء على الأنماط الاستهلاكية، ومطالبة الشعوب النامية بتسديد فاتورة استهلاك العالم الغربي، إضافة إلى فرض الوصاية على ما تبقى من ثروات الشعوب، وفقا لمعايير يضعها العالم الغربي وحده.
أمام تلك المعطيات، فإننا نؤكد على ما يلي:
أولاً: مطالبة منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها باحترام إرادة الشعوب والمنظومات القيمية والأخلاقية التي تستند إليها، والتي من شأنها الحفاظ الفعلي على الأمن والسلام الدوليين.
ثانياً: دعوة الدول الإسلامية إلى اتخاذ موقف موحد وحاسم إزاء الوثائق الدولية المتعلقة بالسكان والمرأة والطفل، ورفض كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية الغراء، سواء في الوثائق السابقة كالسيداو، وبكين، ووثيقة القاهرة للسكان، وغيرها، أو أية وثائق لاحقة تطرح للنقاش أو التوقيع.
ثالثا: تعزيز موقف الحكومات في التمسك بالتحفظات حفاظا على الهوية، والسيادة الوطنية.
رابعاً: مطالبة منظمة الأمم المتحدة باتخاذ خطوات جادة وعملية؛ لرفع العنف الحقيقي عن النساء والفتيات في كل المناطق التي يتعرضن فيها للقتل، والحرق، والاعتقال، والتعذيب، والاغتصاب الممنهج.
وبالله التوفيق.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
المكتب الإعلامي
الدوحة في 23 جمادى الآخر 1436هـ
الموافق 12 أبريل 2015م
أ.د علي القره داغي أ.د يوسف القرضاوي
الأمين العام رئيس الاتحاد