الرابط المختصر :
الحمد لله الذي جعل الحياء من شعب الإيمان، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان.
الآداب والأخلاق في الإسلام مرتبطة بالعقيدة ومبادئها، وقد شمل الإسلام في
أخلاقه أحوال المسلم كلها، وفي جميع حالاته، وهذه الأخلاق ثابتة، لا تتغير
بتغير الزمان والمكان والحال، ولهذه الأخلاق عنوان ودليل، وهو خلق الحياء،
كما جاء عن زيد بن طلحة -رضي الله عنه-، عن النبي –صلى الله عليه وسلم–
قال: «إنَّ لكلِّ دينٍ خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلامِ الحياءُ». أخرجه: ابن
ماجة والطبراني بإسناد حسن.
والحياء هو ذلك الخلق الفاضل في النفس،
الذي يبعثها على الانقباض من كل ما يعيبها، ومن التقصير في حق من له حق،
ويحمل على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال، وكل ما لا يليق، لأن
الحياء يتماشى مع فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، كما جاء عَنْ أَبِي
أَيُّوبَ –رضي الله عنه– قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ
وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ» .أخرجه: البيهقي والترمذي وقال:
حسن غريب، وهو من صفات الرب -جل وعلا- كما جاء عن يعلى بن أمية -رضي الله
عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن اللهَ -عز وجل- حَيِيٌّ
سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحياءَ والسِّتْرَ، فإذا اغتسل أحدُكم فلْيَسْتَتِرْ».
أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن.
ومن صفات رسول الله –صلى الله عليه
وسلم– كما وصف عمران بن حصين –رضي الله عنه– حياء النبي –صلى الله عليه
وسلم– فيقول: «كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أشدَّ
حياءً منَ العذراءِ في خِدرِها، وَكان إذا كرِهَ شيئًا عرفناهُ في
وجْهِهِ». أخرجه مسلم وأبو داود بسند صحيح.
والحياء من صفات الصالحين
كعثمان –رضي الله عنه– الذي كان يستحيي منه النبي –صلى الله عليه وسلم-،
ولما سألته أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- عن ذلك؟ قال: «ألا أستحي من
رجل تستحيي منه الملائكة؟». أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومجمع الزوائد
بسند حسن.
وهو من صفات الصالحات، كما حكى القرآن الكريم عن بنات شعيب
–عليه السلام- عندما ذهبت إحداهن لتستدعيه: ﴿فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي
عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما
سَقَيْتَ لَنا﴾ [القصص:25]
وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كانت
تقول: «كنت أدخل بيتي الذي دُفِنَ فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وأبي، فأضع ثوبي، فأقول إنَّما هو زوجي وأبي، فلمَّا دُفِنَ عمر معهم، فو
الله ما دخلت إلَّا وأنا مَشْدُودَةٌ عليَّ ثيابي؛ حَيَاءً مِن عمر».
أخرجه: أحمد والطبراني.
حتى العرب قديما اشتهروا بالحياء، فيقول شاعرهم عنترة بن شداد:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
لذلك فإن عدم وجود الحياء، وتركه والبعد عنه يؤدي إلى هلاك العباد وفعل
القبائح: فعن عقبة بن عمرو –رضي الله عنه– قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ آخرَ ما أدرك النَّاسُ من
كلامِ النُّبوَّةِ الأولَى: إذا لم تستحْيِ فاصنَعْ ما شئتَ». أخرجه:
البخاري وابن حبان بسند صحيح.
والحياء من شعب الإيمان: فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه– قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ: بِضْعٌ
وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أفضلها شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،
وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ
مِنَ الإِيمَانِ» أخرجه الشيخان.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن الحياء من الإيمان" ((متفق
عليه)) .
وعنه أيضا قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا
رُفِعَ الْآخَرُ» رواه أحمد والطبراني بسند صحيح.
الحياء طريق الجنة
كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه– قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الحياءُ من الإيمانِ،
والإيمانُ في الجنةِ، والبَذاءُ من الجفاءِ، والجفاءُ في النارِ» أخرجه:
أحمد والحاكم والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الحياء يزين كل شيء، كما
روي عن أنس-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما
كانَ الفُحشُ في شيءٍ قطُّ إلَّا شانَهُ، ولا كانَ الحياءُ في شيءٍ قطُّ
إلَّا زانَهُ». أخرجه ابن ماجه والترمذي بسند صحيح.
والحياءُ كلُّهُ خيرٌ كما قال –صلى الله عليه وسلم-، ولا يكون مذموما إلا في موضعين:
1- الحياء في طلب العلم: كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: «نعمَ
النِّساءُ نساءُ الأنصارِ لم يمنعهنَّ الحياءُ أن يتفقَّهنَ في الدِّينِ»
أخرجه: مسلم وابن ماجه بسند صحيح، وكما قالوا:"يضيع العلم بين الحياء
والكبر"
2- عدم قول الحق والجهر به، كما روي عن خزيمة بن ثابت -رضي
الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ لا يستحي
مِن الحقِّ». أخرجه: ابن حبان بسند صحيح.
يتم تطبيق خلق الحياء في حياتنا العملية من خلال:-
1- الحياء مع الله، بأن نلتزم أوامره ونواهيه، ولا يرانا على معصية، أو
كما جاء عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: «استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ، قُلنا: يا رسولَ اللَّهِ
إنَّا لنَستحيي والحمد لله، قالَ: ليسَ ذاكَ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَ
اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن تحفَظ الرَّأسَ، وما وَعى، وتحفَظَ البَطنَ، وما
حوَى، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا،
فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني: منَ اللَّهِ حقَّ الحياء» أخرجه:
الترمذي بسند حسن.
2- الحياء من الناس: بإيصال الحقوق لأصحابها، وإعطاء كل ذي فضل فضله، فيحترم الصغير الكبير، ويرحم الكبير الصغير.
3- الحياء من النفس: بالتأدب والتخلق بأخلاق النفس الكريمة، وحفظ لسانه من
الفحش، والمحافظة على كرامته وحشمته، والبعد عن مسالك الريبة ومواطن
الرذيلة.
هذا وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم