الرابط المختصر :
منذ صدور كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق (1305- 1386هـ، 1887- 1966م) في عام 1925م، والعلمانيون يتخذون من هذا الكتاب "إنجيلا ودستورا".
ففي هذا الكتاب، كانت دعوى علمنة الإسلام "وإن رسوله صلى الله عليه وسلم ما كان إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين، غير مشوبة بشيء من الحكم، لم يكن ثمة حكومة ولا دولة ولا شيء من نزعات السياسة، ولم يكن هناك ترتيب حكومي، ولم يكن ثمة ولاة ولا قضاة ولا ديوان.. إلخ، كانت زعامة دينية، ويا بعد ما بين السياسة والدين"!
هكذا طرحت في ساحة الفكر الإسلامي -ولأول مرة في التاريخ- دعوى علمنة الإسلام، ونفي الصلة بينه وبين السياسة والدولة والحكم والقانون.
وعندما صدر هذا الكتاب عام 1925م، كان الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا (1313- 1391هـ، 1895- 1971م) وهو أبو القانون المدني، وواضع المقومات الدستورية والقانونية للكثير من البلاد العربية، كان في باريس يعدّ رسالة دكتوراه عن "الخلافة الإسلامية".
فكتب في هذه الرسالة عن دعوى الشيخ علي عبد الرازق -تحت عنوان "رأي شاذ"- دراسة مستفيضة، قال فيها عن شمول الإسلام للسياسة، وإقامة رسوله صلى الله عليه وسلم للدولة في المدينة المنورة: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع لحكومته أصلح النظم الممكنة في وقته، لأنها تتناسب مع حالة المجتمع، وإن حكومة النبي قد أقامت دولة حقيقية لا تقل في نظمها عن الدولة الرومانية في بدايتها، فالنبي قد وضع بالفعل النظم الأساسية للدول الإسلامية، فأوجد نظاما للضرائب وللتشريع ونظما إدارية وعسكرية إلخ.. وهذه النظم كانت تحمل في طياتها عوامل التطور والنمو مع الزمن، وقد تطورت فعلا دون أن تخرج بذلك عن كونها مؤسسة على الإسلام.
فنحن نرى أن الأنظمة التي باشرها النبي إنما كانت أنظمة مدنية حقيقية، كأي حكومة أخرى، فقد كان يفرض بمقتضاها عقوبات جنائية على من خالف أحكام التشريع الإسلامي، ولم يكتف بالجزاءات الأخروية التي يفرضها الدين، وكان له عمال إداريون وماليون، وكان له جيش مسلح، إنه كان حاكما دنيويا إلى جانب صفته نبيا مرسلا.
فالنبي حامل الرسالة الإسلامية، كان مؤسس الدولة الإسلامية أيضا، فقد أوجد الوحدة الدينية للأمة العربية، وأوجد إلى جانبها الوحدة السياسية للجزيرة العربية، بل يمكن القول بأنه أنشأ حكومة مركزية في المدينة، وعين حكاما للأقاليم خاضعين لتلك الحكومة، كما حدث في اليمن وغيرها من الأقاليم.
والصحابة بعد وفاة النبي، لم ينشئوا دولة، وإنما وسعوا رقعة الدولة التي أنشأها، التي كان يتوقع لها هذا الاتساع وتنبأ به قبل وفاته، ولم يفعل الصحابة أكثر من السير على الخطة التي بدأها وتحقيق نبوءاته".
هكذا رد السنهوري باشا عام 1926م على كتاب "الإسلام وأصل الحكم" الذي صدر 1925م، وإذا كان العلمانيون في بلادنا -القانونيون منهم والسياسيون- يحنون رؤوسهم إجلالا للسنهوري، فهل قرأوا هذا الذي كتبه عن هذه العلمانية التي بها يعتكفون؟!