الرابط المختصر :
الحمد لله القوي الرزاق، والصلاة والسلام على صاحب الأخلاق، وعلى آله وصحبه إلى يوم التلاق.
يشتكي كثير من الناس من ضيق العيش، وقلة المال والفقر وضياع البركة في
الأرزاق، فهل هناك أسباب لذلك فيعمل الإنسان على إزالتها، أم يستسلم ويقول
ليس بالإمكان أفضل مما كان، وهذا هو قضاء الله وقدره؟ .. إلى آخر تلك
العبارات المثبطه والتي تستخدم في غير محلها.
نقول: إن الأرزاق وإن
كانت مكتوبة ومقدرة، فهناك أسباب تجلب البركة في الرزق، وأسباب أخرى تمنع
البركة في الرزق، وتتسبب في ضيق العيش فيه، وهذا هو موضوعنا.
تعود أسباب موانع البركة في الرزق إلى عوامل منها:
عدم الأخذ بالأسباب: كالكسل والتواكل، وليس التوكل على الله، وعدم العمل
والركون إلى الدَعَة والراحة، وطلب الرزق من خلال الأمنيات، وعدم الأخذ
بالأسباب المُحقِّقَة للرزق، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال:
"إني أكره الرجل يمشي سبهللا، لا في أمر الدنيا، ولا في أمر
الآخرة".(الجوهري في الصحاح 302/1)
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال:"إني لأمقت الرجل أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة". (أبو داود والبيهقي)
وعن عبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله
عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ يحبُّ المؤمنَ المحترِفَ» . أخرجه: البيهقي
والطبراني وفيه ضعف.
ومنها الذنوب والمعاصي: فيظن كثير من الناس أن
التجارة شطارة، وأن الرزق يأتي على قدر السعي، وأن الهدف هو الحصول على
الأموال دون النظر إلى الوسائل التى تستخدم لجلبها، هل هي مشروعة أم لا؟
ولا يدري أن البركة في الرزق مقرونة بطاعة الله، وأن الرزق لا ياتي
بالمعصية والكسب الحرام، بل بالطاعة؛ كما قال رب العزة –جل وعلا-: ﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ [طه:124]
وعن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه-
قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا
النَّاسَ فَقَالَ: «هَلُمُّوا إِلَيَّ»، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ، فَجَلَسُوا
فَقَالَ: «هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى
تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ
أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُنَالُ مَا
عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ».أخرجه: الطبراني والبراز وهو صحيح.
ومن أهم الذنوب التي تمحو البركة من الرزق، وبسببها يضيق على العبد في رزقه:
الربا: وما أعلن الله الحرب على أحد كما اعلنها عى آكل الربا ؛ كما تعالى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ
مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ
رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) ﴾[البقرة]
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنْ قَوْمٍ
يَظْهَرُ فِيهِمُ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ» . أخرجه: أحمد،
وفيه ضعف.
والزنا: وهو من أهم أسباب ضياع المال ومحق البركة من الرزق،
لأنه من أكبر الذنوب، كما قال سبحانه ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32]
وعن جابرِ بنِ
عبدِاللهِ –رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:
«إيَّاكُم والزنا فإنه يَقطعُ الرزقَ».أخرجه: الطبراني وابن عدي، وقَالَ
الْخَطِيب: إِسْنَاده ثِقَات إِلَّا كَعْبًا
ونقص المكيال والميزان
والغش في البيع والشراء، كما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ–رضي الله
عنه- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَلَمْ يَنْقُصُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ
الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا
زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ،
وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ
وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ
غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ».أخرجه: ابن ماجة
والحاكم وقال صحيح.
واليمين الكاذبة: التي تؤدي إلى الفقرومحق
البركة، فعن عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: «اليمينُ الفاجرَةُ تُذْهِبُ المالَ أوْ تذْهَبُ بالمالِ» .
وفى رواية أبي هريرة: «ويمينُ الغموسِ تذهبُ المالَ وتدعُ الدارَ بَلا
قِعَ». أخرجه: البيهقي والبزار بسند حسن.
وقال بعض التابعين لأحد
التجار: "يا عبد الله! اتق الله، ولا تكثر الحلف، فإنه لا يزيد في رزقك إن
حلفت، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف". وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن
رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِيَّاكمْ وَكَثْرَةَ الحَلِفِ فِي
البَيْعِ فإِنَّهُ يُنْفَقُ ثم يمحق».أخرجه: مسلم وأحمد وهو صحيح.
وعن
أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم- يقولُ « لحلِفُ مُنفِقَةٌ للسلعةِ، مُمحِقَةٌ للبركةِ». أخرجه:
الشيخان.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ
قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا، وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا
فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا، وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ
بَيْعِهِمَا». أخرجه: الشيخان.
والاحتكار: أي احتكار السلع وما يقتاته
الناس ويحتاجونه، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
«مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامًا ضَرَبَهُ اللَّهُ
بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ». أخرجه: أحمد، وابن ماجه وهو صحيح
وأخيرا: منع الزكاة وومنع الصدقة والإنفاق في سبيل الله بكل الصور، كما جاء
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
«مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ إلا مَلَكانِ يَنْزِلان، يقول أحدُهما:
اللهم أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ مُمْسِكاً
تَلَفاً» .أخرجه: الشيخان.
فاللَّهُمَّ اكْفِنِا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.