صادف يوم أمس (الثالث والعشرين من فبراير) الذكرى السبعين لتهجير الشعب الشيشاني، بالإضافة إلى شعوب أخرى إلى آسيا الوسطى ومعتقلات سيبيريا، وذلك في عام ١٩٤٤ على يد رأس السلطة السوفيتية آنذاك الديكتاتور جوزيف ستالين.
يعد فصل التهجير أساسياً لدى الشعب الشيشاني، إذ إنه شكل في مخيالهم الجمعي، ذكرى فقد الأعزاء والأجداد في ظروف صعبة حين تم تجميع العائلات في محطات القطارات وإجبارهم على ركوب العربات، وبالتالي تهجيرهم بتهمة التعاون مع النازية، وهي تهمة ثبت بطلانها تاريخياً. وبطبيعة الحال تخلل عملية الترحيل قتل المعارضين، وحرق قرى بأكملها. وقد قضى الشيشانيون في المنفى ثلاثة عشر عاماً، وتمت إعادهم بعد محاولات السلطات السوفيتية التنصل من أفعال ستالين.
النفي الشيشاني، يعد محطة فارقة في تاريخ هو صراعي بطبيعة الحال مع روسيا، فمنذ القرن الثامن عشر، ولغاية يومنا هذا فإن الشعب الشيشاني تعرض في علاقته مع روسيا إلى العنف بمعدل كل 3 سنوات تقريباً سواء أكان ذلك العنف حرباً أم مواجهة عبر انتفاضة شعبية أم نفياً كالذي نتحدث عنه اليوم.
وباستخدام النسب المئوية نلاحظ أن الشيشان تعرضت للعنف من قبل روسيا بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم وشكل الدولة: ففي العهد القيصري ومن أصل ما يزيد على ١٣٠ عاماً من العنف هناك %26.5 منه صراع، وفي العهد الشيوعي ومن أصل 74 عاماً هناك %38 منه صراع، وأما العهد الفيدرالي، أو المسمى بالديمقراطي هذه الأيام، هناك %60 منه صراع.
تلك الحقبة أسهمت في حرمان جيل كامل من التعليم، عدا ما لاقاه الأطفال من عذاب تلك الحقبة، من جوع، ويتم، وحرمان، وبرد، ولا يخلو بيت شيشاني اليوم دون أن يحمل ذكرى أليمة من النفي الذي تسبب بمقتل الآلاف. (حتى عام ٢٠٠٦، كان هناك نحو تسعة عشر ألف طفل من الشيشانيين كانوا غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة من جراء الحرب ويعانون من مشاكل نفسية جراء الدمار والتعذيب).
عالم السياسة الشيشاني المرحوم «عبدالرحمن أفتورخانوف»، وهو بالمناسبة أول من له الفضل في كشف مأساة النفي في الأوساط الأكاديمية الغربية والعالمية، قال خلال مقابلة معه عن إعلان استقلال جمهورية الشيشان في بداية التسعينيات، بأن إعلان الاستقلال هو «انتقام الأطفال لآبائهم عن جريمة النفي»، وبالفعل، فإن قادة الحركة الاستقلالية عام ١٩٩١، كانوا ممن ولدوا في المنفى في آسيا الوسطى وغيرها.
كما أن الشيشانيين في فترة النفي كانوا عرضة للأحكام القاسية والتعسفية، وكان أي احتجاج بسيط كافياً ليعرض المرء نفسه لحكم بالسجن لا يقل عن 25 عاماً، وأذكر أني قابلت في الشيشان مرة شخصاً سجن عشرة أعوام لسرقته كيس دقيق وهو شاب ليقي من تبقى من عائلته شر الموت من نقص الغذاء.
إلى يومنا هذا لم يقدم أي اعتذار للشيشانيين عن تلك الحقبة، رغم وجود حكومة موالية لموسكو في الشيشان، لا بل لم يقدم آنذاك أي من مسؤولي السلطات السوفيتية إلى المحاكمة، لا بل إن الآلاف من القضايا ضد من انتهكوا حقول الإنسان في الشيشان خلال الحربين المعاصرتين أيضاً، لم تسجل في المحاكم الروسية، فالتاريخ في تلك المنطقة يكرر نفسه كثيراً.