لا توجد مؤشرات ولو رمزية علي أن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في بنجلاديش التي انتهت بفوز ساحق لحزب رابطة حزب رابطة عوامي بزعامة الشيخة حسينة واجد ستكتب نهاية للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ وصول الحزب ألي الحكم قبل 4سنوات تخللته موجة اضطرابات سياسية لم تنته بتنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق زعيم الجماعة الإسلامية عبدالقادر ملا لاتهامه بالتورط في مقتل زعيم الاستقلال البنجالي ضياء الرحمن في مطلع السبعينات من القرن الماضي فالأجواء التي سبقت الانتخابات متمثلة في رفض الحكومة طلب زعيمة المعارضة البيجوم خالدة ضياء بتشكيل حكومة محايدة لإدارة الانتخابات التشريعية تؤكد عمق الأزمة السياسية في ظل رد الحكومة علي هذه الخطوة بفرض الإقامة الجبرية علي زعماء الحزب الوطني وإصرارها علي الإشراف بشكل كامل علي الانتخابات .
ولن توفركذلك الأغلبية التي حصل عليها حزب رابطة عوامي وحلفاؤه وحصدها 232مقعدا من جملة أعضاء البرلمان البالغة 300أجواء للاستقرار في ظل حملة التشكيك في شرعية العملية الانتخابية التي تقودها المعارضة ودعوة الأحزاب بشكل متقطع لعصيان مدني في مجمل مدن البلاد بشكل أدي لإصابة الحياة بالشلل خصوصا في العاصمة دكا لاسيما أن هذا التشكيك لاقي أذانا صاغية لدي عديد من المراكز والمعاهد المتخصصة في الرقابة علي الانتخابات التي اعتبرت أن الظروف التي أجريت فيها هذه الانتخابات لا تشير مطلقا لإمكانية استمرار البرلمان الحالي لعدة أشهر .
"أحضان الهند "
ولا يمكن في هذا السياق تجاهل أن أحزاب المعارضة سواء العلمانية وفي مقدمتها الوطني وحلفاؤه والجماعة الإسلامية وغيرها من القوي المناهضة لسبل تسيير رابطة عوامي للبلاد لن تقف مكتوفة الأيدي أزاء إصرار الشيخة حسينه علي الارتماء في أحضان الهند وفتح أبواب البلاد علي مصراعيها أمام الشركات الهندية لتسيطر بالكامل علي مفاصل الاقتصاد البنجالي فضلا عن رفضها لتقلص علاقات دكا التقليدية مع العالم الإسلامي بشكل سيدفعها لعدم ترك هذه الحكومة تهنأ بهذا المسلك بل ستعمل علي قض مضاجعها عبر التظاهرات والعصيان المدني لإجبارها علي الدخول في حوار وطني قد يفضي لاستقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة تشرف علي الانتخابات القادمة . "تراجع اقتصادي "
وستحاول قوي المعارضة الاستفادة من حالة التراجع التي يشهدها الاقتصاد البنجالي حاليا لاسيما قطاع الغزل والنسيج الذي تحول خلال السنوات الأخيرة الي قاطرة للاقتصاد المتداعي وهو أوضاع سيكون لها تداعيات سلبية علي مجمل الوضع الاقتصادي لشعب يعيش ما يقرب من 58%من مواطنيه تحت خط الفقر وهي نسبة مرشحة للتصاعد في ظل الأوضاع الأمنية شديدة الصعوبة والتي أدت لمقتل ما يقرب من 500مواطن خلال الأشهر الأخيرة في ظل مراهنة حكومة حزب عوامي علي الحل الأمني والاعتقالات والدخول في مواجهات مفتوحة مع خصومها السياسيين متجاهلة نصائح قوي غربية وإقليمية بالدخول في حوار مع المعارضة لتسوية الأزمة وهي النصيحة التي لم تجد أدني استجابة من الحكومة الحالية المصممة علي المضي قدما لأخر الشوط في المواجهة مع المعارضة .
وقد أدت هذه الأجواء والاضطرابات الأمنية لتدهور حاد علي قدرة البلاد علي جذب الاستثمارات فرأس المال الجبان بطبعه لن يراهن علي العمل في بلد مضطرب سياسيا وأمنيا في ظل تهديدات قادة المعارضة باستمرار الاحتجاجات لفترة طويلة لإجبار حكومة الشيخة حسينية علي عقد انتخابات تشريعية يرونها عادلة وهو طلب سيتجاهله الحزب الحاكم بقوة مما سيفتح الباب أمام موجة اضطرابات ستشل اقتصاد البلاد في ظل الحديث عن تراجع حاد في صادرات البلاد التي بلغت العام الماضي 25مليار دولار إلي 21مليار وارتفاع تكلفة المنتجات بشكل زاد من الضغوط علي الاقتصاد البنجالي المتداعي .
"مصالحة وطنية "
ولا شك أن أجواء التشكيك في نزاهة الانتخابات وما تلاه من هيمنة حزب الشيخة حسينة علي البرلمان سيصعب من مهمة هذه الحكومة في تكريس نوع من الشرعية فهناك حالة غضب من التلاعب في الانتخابات سبقتها أحداث دامية أدت لسقوط ما مئات القتلي احتجاجا علي حكم الإعدام الذي نفذ بحق زعيم الجماعة الإسلامية وهي أجواء ستزيد من حالة الاحتقان بل ستدفع المعارضة لرفع سقف مطالبها محاولة الاستفادة من حالة غضب إقليمي ودولي علي سياسات حزب عوامي وهو ما سيترجم في القريب العاجل بضغوط دولية وإقليمية لتحقيق المصالحة السياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف علي الانتخابات . ومما يزيد من قتامة المشهد أن الانتخابات التشريعية التي كان يراهن عليها حزب رابطة عوامي لإعادة الهدوء للبلاد واستعادة الاقتصاد لعافيته قد لا يكتب الأهداف المرجوة فحالة الاحتقان المتصاعدة والاختفاء القسري لزعماء الحزب والجناح الطلابي له والانزواء بعيد اتقاء لضربات وعدم رفع الإقامة الجبرية عن زعيمة المعارضة خالد ضياء تؤشر إلي أن المشهد الأمني سيزداد تعقيدا فلا يمكن لحكومة تحظي بالأغلبية تتصرف بهذه الرعونة التي حدت بمنظمة "هيومن رايتس واتش" إلي التأكيد علي انه لا توجد ديمقراطية تعتقل قادة المعارضة وتشن حملات أمنية الواحدة تلو الأخرى ضد قادتها .
"استعادة أرضيتها "
ومن هنا ينبغي التأكيد علي أن مراهنة حكومة الشيخة حسينة علي الدعم الهندي لضمان الاستمرار في السلطة تبدو أقرب للمقامرة غير محمودة العواقب فالهند التي تمكنت من الهيمنة علي مفاصل الدولة البنجالية حريصة علي دعم هذه الحكومة التي وفرت لها فرصة ذهبية لاستعادة الأرضية التي كادت تفقدها خلال وجود الحزب الوطني في السلطة خصوصا ان الأخير لا يبد ارتياحا للتقارب مع الهند بل يفضل علي العكس توثيق الصلات مع العالم الإسلامي وباكستان المجاورة مما سيشجعه لاستمرار ضغوطها علي الحكومة الحالية لفض تحالفها الوثيق مع الهند ومن المهم التأكيد أن وجود حكومة نواز شريف في السلطة قد يجعلها تعاود توثيق الصلات مع حزب البيجوم خالد ضياء خلال والعمل علي تعويض ما فقدته باكستان في جارتها اللدودة عبر الرهان علي الحزب الوطني وحلفائه الإسلاميين الداعمين لإقامة علاقات خاصة مع باكستان والمملكة العربية السعودية واستغلال حنقهما علي تنامي النفوذ الهندي وإقرار هذه الحكومات إجراءات علمانية متطرفة تسير بالبلاد إلي طريق مجهول لزيادة الضغوط علي الحكومة الحالية لثنيها عن الاستمرار بكل الوسائل والرهان علي هذه الضغوط لفتح الباب أمام حوار وطني ينهي هيمنة الحزب الحاكم ويدعو لانتخابات نيابية مبكرة تنهي الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ عدة أعوام
"مقاومة شرسة "
ولكن السؤال المطروح يتمثل في مدي استجابة حزب رابطة عوامي لضغوط إقليمية ودولية متوقعة لتخفيف قبضته علي السلطة وإنهاء عام كامل من الفوضى الدامية التي خلفت مئات القتلي و تخللتها مظاهرات وعصيان مدني قوي كانت له تأثيراته المدمرة علي الاقتصاد المتداعي والإجابة هما ببساطة تكمن في أن "الشيخة " ستقاوم هذه الضغوط بقوة مستفيدة من دعم هندي مفتوح لها خصوصا أن نيودلهي لم تتمتع بنفوذ قوي في البلاد منذ استقلالها إلا خلال سنوات حكم رابطة عوامي الأخير وبالتالي فإن البلاد علي أعتاب أزمة سياسية وفوضي أمنية طاحنة خصوصا إذا لم تستمع السلطة لصوت العقل وتكف عن الارتهان للآلة الأمنية والدعم الهندي لضمان الاستمرار في السلطة