الرابط المختصر :
أكد فضيلة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنه لا يوجد ما يسمى بالإسلام السياسي، قائلاً: الإسلام واحد وشامل وكامل، فقد ورد في صحيح البخاري حينما سأل المشركون سيدنا سليمان كيف تتدخلون في الحكم، فأجابهم إن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد علمنا كل شيء من الدخول إلى المرافق الصحية إلى أن نحكم العالم فهو دين شامل.
وتحدث فضيلته في خطبة الجمعة أمس، بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب عن سنن الله قائلاً: من سنن الله تعالى أن تكون هناك أديان مختلفة وإن من قُتِل دون ماله وعرضه نفسه فهو شهيد، هذا هو الإسلام.. وإن الصراع في فلسطين هي حرب ضد من احتلوا الأرض باسم اليهود وطردوا أهلها ويريدون تحويل هذه الأرض إلى أرض لهم، وهذا هو جوهر الصراع وما يسمى بسنة التدافع كيف ندافع وليس نهاجم ونأخذ حقوق الآخرين، ولو كان للمسلمين قوة لحسبوا لهم الحساب وإن هذه القوة تكون للدفاع عن المسلمين وليس للحرب والإرهاب كما يروج له الآن.
سنة التدافع
وقد بدأ خطبته الأولى قائلاً: إن الله سبحانه وتعالى جعل في هذا الكون سنناً ومن أهمها سنة التدافع والتي سماها الله سبحانه وتعالى بسنة دفع الله الناس بعضهم ببعض وهذه السنة التي تسميها الحضارات والناس والعلماء بسنة الصراعات بين الحق وبين الباطل، بين الخير وبين الشر، بين الظلم وبين العدل، بين الطغاة المستبدين الظلمة وبين المستضعفين، هذا التصارع يسميه الله سبحانه وتعالى سنة التدافع، لأن عملية الصراع تدل على أن القضية تمشي دون تدبير إلهي بينما سنة التدافع تدل على أن هذه القضايا كلها تسير وفق قدر الله ولكن بأفعال الناس وبأخذ الناس بهذه الأسباب الخيرة أو الشريرة، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً بأن هذه الصراعات التي تسمى بالصراعات وبأن هذه المدافعات بين الحق وبين الباطل وبين الشر وبين الخير وبأن هذه الجولات التي ينتصر فيها الظلم أو الباطل أو الشر أو الاستبداد أو هؤلاء الطغاة، إن هذه الجولات ما هي إلا لَبِنات في حد ذاتها لما يريده الله سبحانه وتعالى من الخير لهذه الأمة.
مصائب للتمكين
واستحضر فضيلته سورة يوسف: كل محنة من هذه المحن وأن كل مشكلة من هذه المشاكل وكل مصيبة من هذه المصائب التي أصابت سيدنا يوسف كانت هذه المصيبة أو المحنة درجة وسلماً وسبباً لتحقيق التمكين لسيدنا يوسف. ولو لم يكن هناك مؤامرة من إخوانه عليه لما وصل يوسف إلى مصر، وأن يصبح عزيز مصر أي رئيس وزراء مصر، وإن هؤلاء القافلة لو كانوا طيبين لبحثوا عن أهله ولكنهم كانوا سيئين وأخفوه وأخذوه للبيع، ولو لم تكن عملية البيع والشراء لما وصل يوسف إلى مصر، وإن هؤلاء القافلة بعد أن وصلوا إلى مصر وبعدما لانت قلوبهم وقالوا بدلاً من بيع هذا الطفل الصغير ذي السبع أو العشر سنوات نتركه يعيش في هذه الأرض يتكسب، لما وصل إلى ما وصل إليه، وإن امرأة عزيز مصر لو كانت عفيفة ولم تحاول أن يقع فيها أو ما أشبه ذلك لما سجنته، وحينئذ لما دخل يوسف السجن ولما اقترب من الحكم ثم يهيئ الله سبحانه وتعالى شخصين يريان رؤيتين ويفسر لهما سيدنا يوسف واحد يصلب والآخر يعود إلى ملكه فيسقيه الخمر، ويطلب منه أن يذكره، ولكن الله يأمر بأن ينسى، لأنه لو تذكره قبل هذه الرؤيا، وحيث إن الملك يقوم بالتحقيق لكي يفرج عنه، بعدها يتركه الله سبحانه وتعالى في السجن لأجل الوصول إلى هذه القضية.
حاجة الملك
وتابع: وبعدما تشتد حاجة الملك بعد هذه الرؤيا الغريبة، (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) لمن يفسرها حيث عجزوا عن تفسيرها لما احتاج الملك إلى يوسف وكان هذا وقت أن يتذكر هذا الشخص المسجون بعدما أطلق سراحه يا ملك إني أعرف رجلا كذا وكذا وإني نسيته وهو صادق ومحسن.......إلخ، وحينئذ يفسر له يوسف وحينئذ يكون في مكانة كبيرة جداً ويقولون ائتوا بهذا الرجل اجعله مستشارا لي، ولكنه لا يقبل بذلك لأنه لابد أن تتم تبرئته من السبب الذي أدخله السجن مع علمه بأنه بريء ولكن يجب أن يأخذ القضاء مجراه، وينفذ الحكم على الجميع دون تفريق فرفض يوسف الخروج إلى أن تتم براءته فجمع الملك النسوة ويشهدن له، (قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ) فاستعصم، وحينئذ يظهر نظيفاً وجميلاً في وجهه كما هو جميل في خلقه وجميل في وفائه للعزيز الذي كان قد أكرمه (إنه ربي) هذا أحد التفاسير أي إنه رباني ويربيني وأكرمني واحترمني فكيف أخونه في زوجته بالإضافة إلى خوفه من الله.
تسلسل المحن
وهكذا تسلسل المحن يؤدي إلى تسلسل المنح الربانية وأي حلقة من هذه الحلقات فقدت لما وصل يوسف إلى عزيز مصر، هكذا الدنيا أيها الأخوة الأحبة وإن سورة يوسف نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد ما توفت زوجته خديجة وعمه أبوطالب وبعد ما طُرِد من الطائف وناله ما ناله، هنا نزلت هذه السورة فكأنما الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان يوسف قد أصابته هذه المصائب بسبب دعوته قد جعل الله له هذه المحن سلماً ودرجة لرقيه ومنحه الربانية وأنت يا محمد تعمل ليلاً ونهاراً في سبيل دعوتك وإن كل هذه المصائب هي لَبِناتٌ لتوصيلك إلى التمكين، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) فلذلك ارتاح الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه السورة راحة كبيرة وفهم مقصدها تماماً، ولماذا تنزل هذه السورة في هذا الوقت.