البحث

التفاصيل

مراجعات فقهية بفهم الصحابة والتابعين . الحلقة الأولى عقوبة المرتد

الرابط المختصر :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

إلى كبار مشايخنا العلماء الأكارم

السلام عليكم ورحمة الله

هذه مراجعات فقهية أطرحها أمام حضراتكم .. رجاء أن تتسع صدوركم وأوقاتكم لقراءتها وانا بانتظار تعليقاتكم العلمية القيمة التي أتشرف بها ونحن عالة على من سبقنا من أهل العلم ومنكم نتعلم.

وهي مراجعات لعدة مسائل ابدأ بأهمها وهي عقوبة المرتد التي طالما شغلت المعنيين في بلاد المسلمين ولطالما استغلتها جهات للقضاء على معارضيها ولان لها تعلقا بحرمة الدم وهي مسألة جد عظيمة عند الله وعند رسوله.. وقد قال سبحانه و تعالى (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) المائدة 32 .و قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء )

وكذلك جاء في الصحيح (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يسفك دما حراما) .وصح موقوفا من قول عبد الله بن عمر (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)..بل إن النهي عن قتل غير المسلم ليس بأقل وعيدا كما اخرج البخاري في صحيحه مرفوعا ( من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة)

.. وعشرات الآيات والاحاديث التي تحذر من سفك الدماء وقتل الأبرياء.

وبعد هذا التقديم أقول وبالله التوفيق

عقوبة الردة في القرآن الكريم لا تشتمل على القتل بل العقاب أخروي ..وهو ذنب عظيم لا شك فيه ويستحق الطرد من رحمة الله يوم القيامة ( .إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (سورة النساء 137) وهذه آية مدنية محكمة غير منسوخة.

أما النص النبوي الشريف المطلق (من بدل دينه فاقتلوه) فحديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه وظاهر النص الحكم بقتل المرتد عقوبة له في الدنيا وعليه كثير من العلماء الأعلام قديما وحديثا ولكنه نص مطلق تقيده نصوص أخرى في الصحيح وغيره وكلها بمعنى واحد.

وكما هو معلوم فإن الألفاظ المختلفة للنصوص النبوية بمجموعها تفسر بعصها بعضا خصوصا اذا كانت واردة في الباب عينه فالبخاري الذي روى هذا الحديث بهذا النص المطلق كذلك روى نصا آخر يقيد هذا المطلق بلفظ(المارق من دينه التارك للجماعة) صحيح البخاري كتاب الديات ح 6484.

وكذلك أخرجه الحفاظ كالنسائي والحاكم بلفظ( ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض) سنن النسائي كتاب المحاربة باب الصلب ح 3700 واخرته الحاكم وصححه . ..وهذا النص أوضح من الشمس في رابعة النهار فهو يربط بين الردة وجريمة الحرابة والمتأمل في هذا النص في عصرنا هذا يعتصر ألما وحسرة على حال المسلمين إذ أن النص يبين رحمة الإسلام بالإنسان المذنب حتى لو جمع بين الردة وجريمة القتل فليس القتل هو العقاب الوحيد له بل للحاكم أن يجري عليه عقوبة النفي بعيدا عن بلده ولا يقتله!! يا لرحمة الله المشرع ويا لرحمة نبيه الكريم ..ويا لقسوة قلوبنا.. إذ نرى طوائف تنتسب إلى الإسلام تذبح الناس بأدنى شبهة وتلصق تهمة الردة بأية وشاية وتجعل من فتاوى العلماء في عصور الفتن نصوصا تقوم مقام الكتاب والسنة حتى أن احدهم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الديات ح 6469 (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يسفك دما حراما) فلا يلقي له بالا وعندما تقول له أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن حرق الجاني (هذا لو كان مستحقا للقصاص) فلا يبالي بقول النبي عليه الصلام والسلام ويقول ولكن شيخ الإسلام افتى بجواز ذلك وقال كذا وكذا فيقدم فتوى العالم على النص النبوي بل يقدم أحيانا فهمه القاصر للنص على فهم الصحابة الكرام والأئمة الأعلام ومنهم شيخ الإسلام الذي يستشهد بفتاواه أن وافقت هواه والا ردها.

والواضح من النصوص النبوية الشريفة الواردة في عقوبة المرتد أن محاربة الله ورسوله ( التارك للجماعة ، الخارج عليهم القاتل للأبرياء) ليست بصفة مستقلة عن الصفات الثلاث المذكورة في الحديث بل هي صفة التارك لدينه ولو كانت صفة مستقلة صارت الخصال أربعا. والمتفق بين الحفاظ أنها ثلاث. كما في قوله عليه الصلاة والسلام من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ; يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ; الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) .

ولقد ذكر أئمة الإسلام كابن تيمية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قبل توبة جماعة من المرتدين، وأمر بقتل جماعة آخرين، ضموا إلى الردة أمورا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين، مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح، لما ضم إلى ردته قتل المسلم وأخذ المال، ولم يتب قبل القدرة عليه. وأمر بقتل العرنيين لما ضموا إلى ردتهم مثل ذلك، وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم، وأمر بقتل ابن أبى السرح لما ضم إلى ردته الطعن والافتراء انتهى كلام ابن تيمية

وتوكيدا لكلام ابن تيمية وإضافة إليه نقول ثبت بالدليل أن رجلا ارتد عن الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أمر بقتله فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله علبه وسلم على الإسلام فأصابه وعك فقال أقلني بيعتي فأبى ثم جاء فقال أقلني بيعتي فخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها ) صحيح البخاري كتاب الأحكام حديث رقم 6783 ..وهذا نص يفيد ان النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر بقتل رجل مرتد لم يقرن ردته بقتل بينما امر عليه الصلاة والسلام بقتل العرنيين كما في الصحيح لأنها جمعا إلى ردتهما القتل والنهب... وثبت كذلك انه عليه الصلاة والسلام كان عالما بحال المنافقين في المدينة ولكنه لم يقتلهم ولا امر بقتلهم ...ولقد تتبعت الروايات التاريخية التي ذكرت أوامره بقتل بعض المرتدين بعد فتح مكة فوجدت أن الصحيحة منها سندا شحيحة وهي تشير إلى الغالب من سنته (انه لم يأمر بقتل مرتد إلا وقد جمع بين الارتداد وجريمة أخرى كالقتل أو الخيانة العظمى ونحو ذلك.)

وهذا الفهم للنصوص الذي بيناه كان رأيا لسيدنا الإمام عمر وفهمه للنصوص القرآنية والنبوية ..وسيدنا عمر صاحب علم غزير وقد وافق كتاب الله في مواضع عدة وهو من كبار فقهاء الصحابة ولفهمه هذا لم يوافق سيدنا الصديق في بداية الأمر لقتال المرتدين ثم وافقه بعد أن تبين لجمهور الصحابة أن المرتدين بدأوا بمحاربة الله ورسوله وقتلوا من المسلمين جموعا كثيرة ومنعوا الزكاة وانشقوا عن الدولة والنظام العام في عملية انقلاب عسكري واقتصادي وسياسي وفكري على قيادة اختارتها الأمة طواعية ..

وغالب الظن أن فتوى عديد الصحابة ( كسيدنا عثمان وسيدنا علي وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم ) الذين قالوا بقتل المرتد كان لذلك السبب ولتلك الظروف السائدة آنذاك إذ أن الناس كانوا جديدي عهد بأحداث الردة والخوف لازال قائما على الأمن والسلم المجتمعي ونظام الدولة واستقرارها ..لذا استفحلت الردة مرة أخرى ..والذي يتمعن في أحداث الفتنة في آخر عهد الراشدين يجد أن الأعراب المرتدة الذي اعلنوا توبتهم وإسلامهم بعد انكسار حروب الردة قد شاركوا مع الخارجين في محاصرة سيدنا عثمان رضي الله عنه حتى استشهد وكذلك خرجوا من بعد ذلك على سيدنا علي ورموه بالكفر حاشاه وألبوا عليه حتى قتلوه شهيدا رضي الله عنه فكان لفتاوى الصحابة حينها بقتل المرتد المحارب أدلة معلومة تستند إلى موازنات بين المقاصد والأحكام التفصيلية..

واليوم وبعد تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال لا بد من الرجوع إلى النصوص مرة أخرى وفقهها ثم تنزيل أحكامها على واقع مجتمعاتنا اليوم ومن هذه النصوص التي تعتبر من القواعد والمقاصد عند فقهاء المسلمين وحفاظهم ومفسريهم قوله تعالى (لا إكراه في الدين) ولشيخ الإسلام ابن تيمية استشهاد لطيف وهو يتحدث في مسألة أخرى واعني عن عدم جواز مقاتلة الكفار من غير المحاربين والمعتدين إذ يقول رحمه الله في ؛ قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) هذا نص عام. إنا لا نكره أحدا على الدين: فلو كان الكافر يقتل حتى يسلم لكان هذا اعظم الإكراه على الدين

نرجع إلى فهم الإمام عمر رضي الله عنه ( للنصوص فنقول حينما كان الأمر غير مقترن بالحرابة رجع سيدنا عمر إلى اصل ما تفيده النصوص النبوية من تقييد المطلق(من بدل دينه فاقتلوه) بالقيد الواضح (الذي خرج محاربا) والذي يتوافق مع معاني الآيات القرآنية التي بينت بلا لبس ولا ريب أن دم الإنسان كل إنسان حرام إلا اذا قتل آخر عمدا وسعى في الأرض الفساد .(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) المائدة 32

وقد روى عبد الرزاق غي مصنفه والبيهقي وابن حزم: في المحلى ( أن أنسًا رضي الله عنه عاد من" تستر" فقدم على عمر، فسأله: ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل، الذين ارتدوا عن الإسلام، فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، قتلوا بالمعركة، فاسترجع عمر(أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون) قال أنس: وهل كان سبيلهم إلا القتل؟ قال: نعم، كنت أعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا أودعتهم السجن" (رواه عبد الرزاق في المصنف: 165/10، 166، الأثر (18696)، والبيهقي في السنن: 207/8، وسعيد بن منصور ص3 رقم (2573)، وابن حزم في المحلى: 221/11،)

واخرج ابن حزم في المحلى( باب من قال : يستتاب أبدا دون قتل.). أن أبا موسى الأشعري قتل جحينة الكذاب وأصحابه قال أنس : فقدمت على عمر بن الخطاب فقال : ما فعل جحينة وأصحابه قال : فتغافلت عنه ثلاث مرات فقلت : يا أمير المؤمنين وهل كان سبيل إلى القتل ؟ فقال عمر : لو أتيت بهم لعرضت عليهم الإسلام فان تابو وإلا استودعتهم السجن.. انتهى.

ولقد تتبعت أسماء من امر رسول الله بقتلهم في العهد المدني كما ذكرت آنفا فوجدت أن الروايات الصحيحة في ذلك تؤكد انهم جمعوا إلى ردتهم جريمة أخرى كالقتل أو الخيانة العظمى أو التحريض على محاربة المسلمين ونبيهم .

.ولقد فرق ابن تيمية بين نوعين من الردة: الردة المجردة والتي تقبل معها التوبة، أما الردة التي فيها محاربة لله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد لا تُقبل فيها التوبة قبل القدرة .انتهى

ومن كرامة الإنسان عند الله وحرمة دمه انه سبحانه سمى عملية قطع الطريق على المسلمين وقتلهم وترويعهم سماها محاربة لله ورسوله.. بمعنى آخر خروج مسلح لترويع الناس وقتلهم ..فكيف يستسهل أقوام ( حكاما كانوا أو محكومين ) ذبح الناس بأصغر شبهة مخالفين بذلك لهديه عليه الصلاة والسلام ولإجماع الفقهاء بدرء الحدود بالشبهات!!!

ولو رجعنا إلى كتاب الله سبحانه فيما يتعلق بمسألتنا لتبين لنا أن فهم الإمام عمر لنصوص المتعلقة بحكم المرتد فهم مؤيد بنصوص محكمة عدة من كتاب الله عز وجل كقوله سبحانه : ((لا إكراه في الدين))، وقوله سبحانه : ((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر)) ،وقوله سبحانه : ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)). وقوله تعالى ((مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) ...ويتوافق كذلك مع النص الذي أخرجه البخاري من السنة الفعلية .كما ذكرنا آنفا ..عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله علبه وسلم على الإسلام فأصابه وعك فقال أقلني بيعتي فأبى ثم جاء فقال أقلني بيعتي فخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها صحيح البخاري كتاب الأحكام حديث رقم 6783 .) وصحيح البخاري أصح كتب الحديث.

وَقد حفظت مصادر السنة كمصنف عبد الرزاق أن سيدنا عمر لم يكن وحيدا في مذهبه هذا إذ وافقه من بعده النخعي والثوري(المصنف جـ 10، _18697) وكذلك نسبه ابن تيمية إلى الإمام الهمام أبي حنيفة النعمان الفقيه التابعي الجليل فقال ابن تيمية وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ يُعَارَضُ بِمَا قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُوجِبُ قَتْلَ أَحَدٍ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَصْلًا حَتَّى الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْتُلُ إلَّا الْمُحَارِبَ لِوُجُودِ الْحِرَابِ مِنْهُ وَهُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَيُسَوِّي بَيْنَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالطَّارِئِ فَلَا يَقْتُلُ الْمُرْتَدَّ لِعَدَمِ الْحِرَابِ مِنْهُ وَلَا يَقْتُلُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَوْ الزَّكَاةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ فَيُقَاتِلُهُمْ لِوُجُودِ الْحِرَابِ كَمَا يُقَاتِلُ الْبُغَاةَ ....فَأَبُو حَنِيفَةَ رَأَى أَنَّ الْكُفْرَ مُطْلَقًا إنَّمَا يُقَاتَلُ صَاحِبُهُ لِمُحَارَبَتِهِ فَمَنْ لَا حِرَابَ فِيهِ لَا يُقَاتَلُ وَلِهَذَا يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانُوا وَثَنِيِّينَ. وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

قلت والمشهور من مذهب أبي حنيفة انه لا يحكم بقتل المرأة لو ارتدت ولكن شرح شيخ الإسلام ابن تيمية بين أن المفهوم من أصول مذهب أبي حنيفة أن المرتد لا يقتل رجلا كان أو امرأة.

والذي يدمي القلب أن كل من هب ودب اليوم قد جعل من نفسه مفتيا ولم يقعده احد العلماء المعروفين للإفتاء وتوسع في تعريفه للردة فتراه يفتي في الدماء و يصف كل معارض لآرائه بالردة ويقضي بقتله. ....ولقد وقفت طويلا أمام قوله تعالى (الأعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر ألا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله) وانا استحضر الدماء التي تسيل في بلاد المسلمين شرقا وغربا وتذكرت قول إمام المفسرين بالأثر ابن حرير الطبري وهو يتحدث عن سبب وصفهم بهذه الأوصاف فقال رحمه الله وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك، لجفائهم، وقسوة قلوبهم،, فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلُّ علمًا بحقوق الله.)

.قلت وخصوص السبب لا ينفي عموم اللفظ فكم من الناس اليوم قساة القلوب جفاة جهال بمقاصد الشرع وأحكامه التفصيلية يعلمون الأولاد الصغار عملية الذبح كي يربوا جيلا ذباحا وهم يخالفون بذلك هدي المصطفى المختار الذي منع من مشاركة الأطفال في المعارك كما في الصحيح فماذا نقول وجهات عدة في بلاد المسلمين سواء كانت في السلطة أو في المعارضة تجعل من الأطفال وقودا لحروبهم الظالمة ومن بينهم من يعلم هؤلاء الأطفال عملية الذبح كي يستصغروها وينشر ثقافة اتهام المسلمين بالردة أينما كانوا لمجرد مخالفتهم في الرأي ..فانا لله وانا إليه راجعون ..انه أبشع تشويه لإقامة الحدود ومخالفة لمقاصد التشريع في قوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) والله العليم بالقلوب يقول وصدق سبحانه( واجدر ألا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله)

 ولعل بعض الشيوخ الكرام يعترض قائلا ما تقول في مذهب جمهور الفقهاء من التابعين ومن بعدهم ممن قالوا بالقتل عقوبة للمرتد ؟ فأقول حاشا أن أجعل نفسي ندا لهؤلاء العمالقة في الحفظ والفقه فمن أكون أنا بجوارهم ولكن يبدو لي والله اعلم السبب في اختيارهم لهذا المذهب انهم كانوا مشفقين على الأمة من حدوث شق الصف مرة أخرى وسفك الدماء وانفراط عقد المجتمع المسلم وزوال الأمن لا سيما بعد ظهور طوائف الباطنية وإضرابهم ممن قتلوا وسفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض لذا ظل العلماء متمسكين بمذهب العديد من الصحابة والتابعين كون الردة في زمانهم مازالت مرتبطة بسفك الدماء ومحاربة الله ورسوله .

نحن اليوم بحاجة إلى مراجعة جدية لفهمنا للنصوص كي نكون على بصيرة من أمرنا ولكني انبه على امر في غاية الأهمية إذ أن التجديد والاجتهاد الصحيحين يمضيان حسب قواعد علمية اتفق عليها سلف هذه الأمة بدءا بالصحابة الكرام ومرورا بالتابعين والأئمة الأربعة المتبوعين في الدين .

ومن باب التجديد في امر الدين أرى والله اعلم من واجب الوقت الرجوع إلى اصل النصوص بفهم كبار علماء الصحابة كسيدنا عمر وفهمه الدقيق لألفاظ النص النبوي وكما فهم رضي الله عنه أن هذه النصوص الواردة في عقوبة المرتد. مقيدة لمطلق العقوبة وذلك بإضافة جريمة أخرى كالقتل وشق وحدة المسلمين والفساد في الأرض وقد ثبت في البخاري وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقتل الرجل الذي ارتد في المدينة ولم يأمر بقتله كما ذكرنا آنفا

وعموم الآيات المحكمات من كتاب الله تدعو إلى منع إكراه الناس على الدين ( دون ذكر للتفريق بين من دخل وارتد أو من لم يدخل بعد في الإسلام ) ونحن مطالبون بسلوك جميع الطرق الشرعية التي تؤدي إلى حقن الدماء التي حرم الله ..ولنا في فهم سيدنا عمر الخليفة الراشد في التعامل مع هذه النصوص خير أستاذ ومعلم.

وختاما أقول هذه مراجعة أولية لمسألة عقوبة المرتد أضعها بين يدي أساتذتنا العلماء الأفاضل أينما كانوا عسى أن يفيدوني بجميل فقههم ..أقول قولي هذا فان كان صوابا فمن الله التوفيق وان كان خطأ فمني واستغفر الله..

 

وكتبه محمد البرزنجي

في العاشر من ربيع الأول سنة 1440 للهجرة

الموافق للثامن عشر من تشرين الثاني عام 2018 للميلاد


: الأوسمة



التالي
كتاب : فقه الجهاد - تأليف الحلقة [ 32 ] : الباب الثالث : الجهاد بين الدفاع والهجوم (مناقشة أدلة الفريقين من الهجوميين والدفاعيين)
السابق
كتاب : الحق المر - الحلقة [ 32 ] : جورباتشوف والمسلمون

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع