أدلى الدكتور أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بتصريح لجريدة (أخبار اليوم) المغربية حول “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي أصدرها مؤخرا كل من شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرنسيس.
وفيا يلي نص التعليق المنشور في عدد 8فبراير 2019:
“هذه الوثيقة تستحق التقدير والثقة؛
فهي أولا تتصف بكثير من النزاهة والإنصاف، كما أنها تخلو من الروائح الكريهة لأي توظيف انتهازي لها أو تكسب سياسي بها..
وهي غنية بالأفكار والمبادئ والقيم السامية، المجمع عليها دينيا وعالميا.
ومن مزاياها أنها وضعت الأصابع على كثير من المشكلات الحقيقية التي تعاني منها البشرية في هذا العصر… مثل”سِياساتُ التَّعَصُّبِ والتَّفرِقةِ، التي تَعبَثُ بمَصائِرِ الشُّعُوبِ ومُقَدَّراتِهم، وأَنظِمة التَّرَبُّحِ الأَعْمَى، والتَّوَجُّهات الأيدلوجيَّةِ البَغِيضةِ”. ومثل ” الأزماتِ السياسيَّةَ الطاحنةَ، والظُّلمَ وافتِقادَ عَدالةِ التوزيعِ للثرواتِ الطبيعيَّة – التي يَستَأثِرُ بها قِلَّةٌ من الأثرياءِ ويُحرَمُ منها السَّوادُ الأعظَمُ من شُعُوبِ الأرضِ”
وتُطالِبُ الوثيقة “قادَةَ العالَمِ، وصُنَّاعَ السِّياساتِ الدَّولِيَّةِ والاقتصادِ العالَمِيِّ، بالعمَلِ جدِّيًّا على نَشْرِ ثقافةِ التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ، والتدخُّلِ فَوْرًا لإيقافِ سَيْلِ الدِّماءِ البَرِيئةِ، ووَقْفِ ما يَشهَدُه العالَمُ حاليًّا من حُرُوبٍ وصِراعاتٍ وتَراجُعٍ مناخِيٍّ، وانحِدارٍ ثقافيٍّ وأخلاقيٍّ”.
وقد نبهت الوثيقة على الجوانبَ الإيجابيَّة الكثيرة للحضارة المعاصرة، إلا أنها سجلت معها تراجع “الأخلاقُ الضَّابِطةُ للتصرُّفاتِ الدوليَّةِ، وتَراجعَ القِيَم الرُّوحِيَّة والشُّعُور بالمَسؤُوليَّةِ؛ ممَّا أسهَمَ في نَشْرِ شُعُورٍ عامٍّ بالإحباطِ والعُزْلَةِ واليَأْسِ، ودَفَعَ الكَثِيرينَ إلى الانخِراطِ: إمَّا في دَوَّامةِ التَّطرُّفِ الإلحاديِّ واللادينيِّ، وإمَّا في دوامة التَّطرُّفِ الدِّينيِّ والتشدُّدِ والتَّعصُّبِ الأعمى، كما دَفَعَ البعضَ إلى تَبَنِّي أشكالٍ من الإدمانِ والتَّدمِيرِ الذاتيِّ والجَماعيِّ”.
كما أدانت الوثيقة “كُلَّ المُمارَسات التي تُهدِّدُ الحياةَ؛ كالإبادةِ الجماعيَّةِ، والعَمَليَّاتِ الإرهابيَّة، والتهجيرِ القَسْرِيِّ، والمُتاجَرةِ بالأعضاءِ البشَرِيَّةِ، والإجهاضِ، وما يُطلَقُ عليه الموت (اللا) رَحِيم، والسياساتِ التي تُشجِّعُها”.
وبجرأة واضحة تقرر الوثيقة “أن الإرهابَ البَغِيضَ الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ.. ليس نِتاجًا للدِّين – حتى وإنْ رَفَعَ الإرهابيُّون لافتاتِه ولَبِسُوا شاراتِه – بل هو نتيجةٌ لتَراكُمات الفُهُومِ الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ وسِياساتِ الجُوعِ والفَقْرِ والظُّلْمِ والبَطْشِ والتَّعالِي”
وبخصوص المرأة: نصت الوثيقة على أنه “يَجِبُ حِمايتُها أيضًا من الاستغلالِ الجنسيِّ ومن مُعامَلتِها كسِلعةٍ أو كأداةٍ للتمتُّعِ والتربُّحِ؛ لذا يجبُ وقفُ كل المُمارَساتِ اللاإنسانية والعادات المُبتذِلة لكَرامةِ المرأةِ”
وختاما أعتقد أن الأزهر الشريف إذا سار على هذا النهج الرصين المستقل، سيسترجع مكانته التي ضاعت مع الانحياز والتبعية السياسية”.