اعتبر فضيلة الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ما يحدث في القدس الشريف وما حول الأقصى من أخطر المآسي والمصائب التي تتعرض لها الأمة.
وذكر أن اليهود الصهاينة الغاصبون استثمروا فرقتنا واستفادوا من تمزقنا، وصرحوا بأن أكبر مكسب اكتسبوه خلال حرب غزة أنهم اكتسبوا تأييد الكثير من قادة الدول العربية والإسلامية واستثنوا منها بعض الدول منها قطر وتركيا والحمد لله..
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: "العدو يقاتل ويتكاسل المسلمون، بينما المفروض، حينما العدو يقاتل، المسلمون يتحدون فالمصائب تجمع المصابين، وأبدى أسفه لأن المصائب تجمع البعض نحو العدو وهذا مما يضحك ويبكي استغلال الفرقة.
وقال فضيلته: في ظل هذه المآسي والنكبات وهذا التفرق وعدم الثقة بالله سبحانه وتعالى بالمعنى الحقيقي وعدم الثقة بالمؤمنين انتهز الأعداء الفرصة ووصلوا إلى مرحلة العمل داخل القدس الشريف داخل المسجد الأقصى، يريدون تقسيمه مكانا وزمانا، ومنعوا المسلمين من الصلاة عدة أيام ليقضوا عيدهم في باحات المسجد الأقصى، ومكانيا يريدون أن يكون للمسلمين القبة الصخرة وحوالي ألف وألفين متر ويسيطروا على البقية ليبنوا عليها هيكلهم، وهم يشتغلون على ذلك، والعسكر والشرطة الصهيونية تحمي المستوطنين المتشددين ليعيثوا فسادا داخل المسجد الأقصى.
وأشار إلى أن المدافعين عن الأقصى اليوم هم النساء الحرائر اللائي يردن أن يضحين بكل شيء من أجل الأقصى لأن الرجال أخرجوا والفلسطينيون والمقدسيون من المسلمين والمسيحيين لا يقصرون وبذلوا كل جهودهم لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية. وقال: ونحن مسؤولون أمام الله من خلال الوثيقة العمرية على حماية جميع المقدسات.
الأقصى يقسم
ونعا حالنا قائلا: المسجد الآن يقسم، والنساء الحرائر يضربن ويجرحن ويخرجن، والرجال أوذوا وسجنوا وجرحوا، ونحن مشغولون بسبب سياساتنا الحمقاء، في اليمن مشغولون بالحوثيين وقد توسعوا وأخذوا كل شيء، وفي العراق وسوريا ومصر التي كانت قادرة أن تقول لا لإسرائيل واليوم تقول نعم لكل شيء لإسرائيل لذلك المصيبة كبيرة ولكنه في ظل هذه المصيبة الكبرى قلبي وقلوبكم واثقة بالله بأن هذه إن شاء الله المخاض الأخير لخروجنا من هذه المحنة لأننا وصلنا إلى مرحلة الوجود وعدم الوجود، والبقاء وعدم البقاء، فنسأل الله أن يحمي القدس ويحمي الأقصى وأن يوفقنا جميعا للمساهمة في حماية الأقصى وإعمار فلسطين وغزة.
الجيل الأول
وقال فضيلته: إذا نظرنا إلى القرآن الكريم، وإلى تربية الرسول صلى الله عليه وسلم، للجيل الأول لخير أمة أخرجت للناس، ونتأمل كيف جمعهم من الفرقة إلى الوحدة، ومن الذلّ إلى العزة، ومن المهانة إلى الكرامة، ومن الاختلافات إلى الوئام والائتلاف...
مبينا أن هذه التربية تقوم على أساس الثقة بالله تعالى، وحسن الظن بالله سبحانه، والتوكل عليه في كل شيء، وهو الأساس في حياة الإنسان المسلم، أن يكون قلبه مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى في كل حركاته ونبضاته وسكناته، وفي كل عواطفه ومشاعره وشعائره، حينئذ يأخذ بالأسباب المشروعة، وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين. وذكر أن الرعيل الأول من الصحابة، كانوا مؤمنين بالله سبحانه وتعالى، ومتوكلين عليه حق التوكل، وواثقين به ثقة مطلقة بنصره وبقدرته، وبأنه خالق كل شيء، وفاعل كل شيء، ومرجع كل شيء، ولذلك يقول السلف الصالح في وصف المؤمنين، أولياء الله المتقين، وعباد الله المخلصين، بأنهم كانوا يثقون بالله سبحانه وتعالى في كل شيء، ويستغنون به عن كل ما عداه، ويرجعون إليه في كل شيء، ولذلك حينما خوفهم المشركون يوم بدر ويوم أحد، فقال هؤلاء: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة، فحول الله سبحانه وتعالى الهزيمة إلى النصر، والخوف إلى أمن، والاضطراب إلى سكينة، وهكذا كان الأنبياء بدءًا من سيدنا آدم، ومرورا بسيدنا نوح، إلى سيدنا إبراهيم، إلى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد واجه إبراهيم هذا الظالم الجبار النمرود وقومه الذين أشركوا بالله، وقومه الذين اتخذوا أصناما وأوثانا آلهة، واجه كل هؤلاء بمن فيهم أبوه داخل بيته، فقد حاربه أبوه وطرده وآذاه، ومع ذلك لم يقابل أباه إلا باللطف والإحسان وحتى بالدعاء، واجه هؤلاء عن طريق الثقة بالله سبحانه وتعالى، وحينما رمي به في النار جعل الله سبحانه وتعالى بسبب هذا الإيمان وهذه الثقة هذه النار أمنا وسلاما (يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ).
موسى وفرعون اعتماد على الآخرين
وأكد أنه لو عاش المؤمنون بهذا الإيمان لما استعانوا بالآخرين، ولما أصابهم الضعف، ولما اعتمدوا في حكمهم وكرسيهم على الأجانب أو حتى على غير الأجانب، بل اعتمدوا على الله ثم على شعوبهم، ولو كانوا لديهم هذه الثقة بالله سبحانه وتعالى لما خافوا على أموالهم، ويضحون بأموالهم وأموال المسلمين في سبيل إرضاء أعداء الله والمسلمين..
وأكد أن الثقة بالله هي زاد المتقين، وعدم الثقة بالله سبب لشقاوة الآخرين، ولو كانت لدى الأمة في مجموعها ومجموع قيادتها وأقول الأمة لأن الأمة فيها خير كثير وبعض القيادات فيهم خير كثير ولكنني أتكلم في العموم في معظم هؤلاء القادة لو اعتمدوا على الله هل يحصل ما حصل في مصر واليمن، فاليمن كله يعود إلى عدم الثقة بعضهم ببعض، فاستعانوا بالأعداء وبمشروعات أخرى في سبيل القضاء على عدو وهمي، وهذا العدو لم يثبت أنه عدو أبداً فالشعوب ملتزمة بالإسلام وكل الناس يتمنى أن يطبق شرع الله في سره وعلنه، ولكن أعداءنا يغرون بنا، ولذلك رب العالمين يقول: (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ) وهذا هو الواقع فلو أحببنا هؤلاء الأعداء وصرفنا عليهم كل شيء والله ما أحبونا وإنما تعاملوا حسب مصالحهم ومن مصالحهم تفرقتنا والقضاء على ثرواتنا، ولو كانت الأمة الإسلامية قوية فهل كانت تفرض عليهم بفعل كذلك أو كذا، أبداً، وإنما كل القرارات يكون بيدها.