الدكتور إبراهيم أبو محمد (عضو مجلس أمناء الاتحاد - مفتي استراليا)
إعادة نظر في الكتابة عن الحب
عندما يكتب الإنسان عن الحب بعقلية المفكر أو الأديب أو حتى بعقلية العالم، قطعا ستختلف كلماته عندما يكتب عن نفس الموضوع بعقلية المحب.
• عقلية المفكر يغلب عليها العمق ويكثر فيها البحث عن العلل الفلسفية، كما تعتمد التحليل العقلي وترتيب النتائج على المقدمات، ومن ثم فهي تتسم بالجفاف وإن امتزج بالمتعة لكنها عسيرة الهضم.
• أما عقلية الأديب فهي كالمرآة تعكس ما هو موجود، إن لم يكن في الواقع، فيكفي أن يكون وجوده في مخيلة الأديب فيجسده لك ، ومن ثم يغلب عليها توصيف الواقع وإبراز عيوبه ومزاياه إن وجدت، ثم محاولة طرح البدائل والحلول لمشكلاته مع إضافة شيء من البهارات اللغوية في إسلوب الصياغة.
• أما عقلية العالم فهي عقلية منهجية حتى وإن كتب عن "الحب "، فهي تبحث في الحدود والأسوار عن السر والحكمة، وتغوص أحيانا في بحار من العمق، لتخرج منها إلى السطح لآلئ ومرجان العبرة والعظة، وبيان قدرة النص على احتواء مجموعة من المضامين والمفاهيم الجديدة التي تحتاج إليها الحياة والأحياء.
• والعاطفة في كتابات العالم عاطفة محكومة بضوابط تجعلها تبحث عن قصد السبيل حتي في الحب ، وتتجنب الجائر منها وتنبه إليه وتحذر منه.
• براعة العالم هنا أنه يمسك بالدفة ويقود السفينة وفق خارطة طريق وبوصلة تعرف وجهتها سلفا، ومن ثم فحجم المخاطرة قليل مهما اشتدت قوة العاطفة حتي ولو وصلت إلى إعصار، لأن العاطفة هنا ليست عاطفة ضالة،
• ومن هنا فالعالم حين يكتب عن الحب لا يكتب عن مجهول لديه، وإنما يكتب عن معروف ومأنوس ومحبوب، وعاطفته في الكتابة ليست ضالة لا تعرف طريقها، وإنما هي راشدة ورشيدة، تضبطها كوابح العقل، وحدود النص. ومعالم الشريعة فيما يجوز وما لا يجوز، وهذه الضوابط لا تلغي العواطف وإنما تسمو بها فوق الغرائز والشهوات، وترتفع بها إلي عالم من الفضائل يرى في المحبوب قيمة لا قامة وقوام مادي، وروحا لا جسدا وغريزة، ويرى في صورته مثالا للعفة لا الخفة ، والطهر وليس العهر ، ومن ثم فالعالِم يعيش فوق الوجود لا فيه ، و يعلو فوق الذات ليرى الحب تقديسا وتضحية ونبلا .
• أما عقلية المحب المجرد فالخيال فيها هو الغالب، وهي عقلية متقلبة
• أحيانا قاسية، ربما نتيجة الغيرة
• وأحيانا تذوب لهفة ورقة وعذوبة، ربما نتيجة الشوق.
• وأحيانا فياضة بالدفء نتيجة الوصال.
• أحيانا تعيش في ضجيج وعراك ربما نتيجة الرغبة.
• وفي كل الحالات تتدفق بالحيوية والحياة.
• وتشعر في حروفها بكل المتناقضات.
• بالهدوء والضجيج.
• بالأمل المعطر بالمني ،واليأس المليء بالشقاء والبؤس
• والعراك والوفاق.
• والسكون والحركة.
• والغضب والرضا.
• والقلق والطمأنينة.
• والفرح والحزن
• ودوافع ذلك كله هي غيرة المحب الحر على من أحب.
• لكنها في كل الحالات راضية متصالحة مع المحبوب وإن جفي.
• تلتمس له الأعذار وإن غاب.
• وتنتظره بشوق العاشق وإن تثاقل وتباطأ.
• وتأمل دائما أن تعود إليه، أو أن يعود هو متحررا من أسر من خطفوه.
وهكذا...المواطن والوطن.