الرابط المختصر :
بيعة علي رضي الله عنه ٢
الحلقة الخامسة والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020 م
خامساً: شروط أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في بيعته وأول خطبة خطبها رضي الله عنه:
جاء في بعض الروايات: أن أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه اشترط في بيعته أموراً؛ منها: أن تكون البيعة في ملأ وليس في خفية ، وفي المسجد وعن رضا المسلمين ، وأنه يدير أمرهم كما يراه ويعلمه ، فوافقوه وتواعدوا صباح اليوم التالي في المسجد للبيعة، وكان يوماً حافلاً وحاسماً ، فقد خرج أمير المؤمنين وقد لبس ملابسه كاملة... ثم بعد الحمد والثناء على الله بيّن للناس المحاولات التي بذلت معه وقال: إني كنت كارهاً لأمركم ، فأبيتم إلا أن أكون عليكم ، ألا وإنه ليس لي أمر دونكم ، ألا إن مفاتيح ما لكم معي ، ألا وإنه ليس لي أن اخذ منه درهماً دونكم.
ثم قال: يا أيها الناس: إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم ، وقد افترقنا بالأمس على أمر ، فإن شئتم قعدت لكم ، وإلا فلا أجد على أحد ، ثم رفع صوته قائلاً: رضيتم؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد عليهم. وأقبل الناس يبايعونه. وبعد أداء البيعة قال أمير المؤمنين: أيها الناس ! إنكم بايعتموني على ما بيعتم عليه أصحابي ، فإذا بايعتموني فلا خيار لكم علي ، وعلى الإمام الاستقامة وعلى الرعية التسليم ، وهذه بيعة عامة... إلخ.
ومما مضى دروس وعبر وفوائد منها:
1- مبدأ الشورى:
إن البيعة للخليفة الرابع علي رضي الله عنه لم تختلف من حيث مبدأ الشورى عن مثيلتها السابقة بالرغم من الأزمة التي ألمت بالأمة ، والأحوال المدلهمة والمشكلات المتتابعة ، فلم تتم البيعة على أساس عشائري ، أو أسري أو قبلي ، أو على أساس عهد ووصية من رسول الله ﷺ ، ولو وجد شيء من هذا القبيل لما حصل هذا الحوار الطويل ، ولما رفض أمير المؤمنين ولكان أول من يطالب بحقه. بينما كان الناس هم الذين يدفعونه إلى البيعة دفعاً ، ويلحّون عليه في الطلب إلحاحاً، وهو يروغ منهم متخلصاً لعله يحدث ما يمنعه من ذلك ، إلى أن قبل على كره منه ، ولم يطالبوه بهذا على أساس وصية من رسول الله ﷺ له - ولو وجدوا شيئاً من ذلك لما ترددوا في تنفيذه - ولا على أساس أنه من عبد مناف، أو لأنه من قريش فحسب ، بل لأنه من السابقين ومن العشرة المبشرين بالجنة ، ولأنه الثاني بعد عثمان في اختيار الناس لهما عند تطبيق عملية الشورى بعد مقتل عمر بن الخطاب ، فكان عبد الرحمن بن عوف لا يشير عليه أحد بتنصيب عثمان خليفة بعد عمر إلا سأله: لو لم يكن عثمان موجوداً فمن تختار؟ فيقول: علي رضي الله عنه.
2- أهل الحل والعقد في عهد أمير المؤمنين علي:
كان أهل الحل والعقد عند استخلاف أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بقية العشرة المبشرين ورؤساء بطون الأوس والخزرج ، وكان هؤلاء من أهل المدينة ، لأنهم هم السابقون الراسخون في العلم والإيمان، وكان علي رضي الله عنه يرى أن أمر اختيار الخلافة لمن كان باقياً في المدينة من المهاجرين والأنصار ، وأهل الحل والعقد من أهل بدر ، وأصحاب الشورى ، إلا أن الحسن بن علي رضي الله عنه كان يرى ضرورة مراعاة الأمور المستجدة في تركيبة المجتمع الإسلامي ، وقد بدا ذلك في هذا الحوار بين الحسن بن علي وأبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال الحسن: قد أمرتك فعصيتني ، فتقتل غداً بمضيعة لا ناصر لك ، فقال علي: إنك ما زلت تحن حنين الجارية ، وما الذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها ، ثم أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر.. وكان جواب علي رضي الله عنه: وأما قولك: لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار؛ فإن الأمر أمر أهل المدينة ، وكرهنا أن يضيع هذا الأمر.
على أن علياً رضي الله عنه ، كان يرى أن البيعة تجوز في غير أهل المدينة من المهاجرين والأنصار ، ولكنه كان يكره أن يتحول ذلك عنهم إلى غيرهم أو أن يشركهم فيه غيرهم تقىً وورعاً إن يحدث بعد رسول الله ﷺ وخلفائه شيئاً يبتعد به عن نهجهم وسبيلهم ، أو أنه كان يرى أن الوقت ما زال مبكراً على إشراك غير المهاجرين والأنصار في أمور اختيار الحاكم المسلم ، ولذلك فإنه كان يكره أن يضيع هذا الأمر من المهاجرين والأنصار، والدليل على ذلك أنه رضي الله عنه عرض عليه أهل الكوفة بيعة الحسن ، قال: لا أنهاكم ولا امركم ، وهذا فيه تجويز لغير أهل المدينة في اختيار الحاكم.
ونستفيد من الحوار الذي حدث بين الحسن بن علي وأبيه رضي الله عنهما أموراً منها:
أ- احترام الرأي في النقاش من الجانبين.
ب- لطف المعاملة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لولده.
ج- صراحة الولد مع والده ، وإبداء كل ما يراه صواباً في موضوع النقاش.
د- حسن الاستماع للطرف الثاني ، حيث استمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، من ابنه الحسن جميع ما عنده من الحجج.
هـ- تفنيد الحجج واحدة بعد الأخرى تفنيداً علمياً.
3- الحرص على أن لا يظل منصب الخليفة شاغراً:
لقد عزم المهاجرون والأنصار بالمدينة على علي رضي الله عنه أن يقبل الخلافة رغماً عنه ، تداركاً لخطر فساد أمر الأمة واختلاف الناس ، فقبل ، وحرص على زحزحة الغوغاء خطوة أخرى إلى الوراء ، بأن اشترط أن تكون البيعة له علانية في المسجد ، وبذلك يظل أهل الحل والعقد هم الذين يعقدون الإمامة ، أما العامة فموضعهم هو: البيعة العلنية العامة، وحرص على تأكيد هذا المبدأ من فوق المنبر ، بقوله: أيها الناس ! إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم.
4- الرد على بعض الكتب المعاصرة التي تحدثت عن بيعة علي رضي الله عنه:
يقول العقاد - وهو يتكلم عن اختيار الخليفة بعد مقتل عثمان -: وهذا الخبر على وجازته قد حصر لنا أسماء جميع المرشحين للخلافة بالمدينة بعد مقتل عثمان ، وربما كان أشدهم طلباً لها طلحة والزبير اللذان أعلنا الحرب على علي بعد ذلك، فقد كانا يمهِّدان لها في حياة عثمان ، ويحسبان أن قريشاً قد أجمعت أمرها ألا يتولاها هاشمي ، وأن علياً وشيك أن يذاد عنها بعد عثمان كما ذيد عنها قبله ، وكانت السيدة عائشة تؤثر أن تؤول الخلافة إلى واحد من هذين ، أو إلى عبد الله بن الزبير ، لأن طلحة من قبيلة تيم ، والزبير زوج أختها أسماء ، وفي تأييد السيدة عائشة لواحد منهم مدعاة أمل كبير في النجاح.
وقال في موضع اخر: فمما لا شك فيه أن الإمام أنكر إجحافاً أصابه في تخطيه بالبيعة إلى غيره بعد وفاة ابن عمه صلوات الله عليه ، وأنه كان يرى أن قرابته من النبي مزية ترشحه للخلافة بعده ، لأنها فرع من النبوة على اعتقاده ، وهم شجرة النبوة ومحط الرسالة ، كما قال.
وقال: فمن المعلوم أن علياً كان يرى أنه أحق بالخلافة من سابقيه ، وأنه لم يزل مدفوعاً عن حقه هذا منذ انتقل النبي عليه السلام إلى الرفيق الأعلى.
وغير ذلك من الطامات والأكاذيب والإفك المبين التي تورط فيها العقاد بسبب الروايات الموضوعة. وسار على منهجه خالد محمد خالد في كتابه (خلفاء الرسول) ونقل عن علي كلاماً مفترى ، ذكر فيه أن أبا بكر وعمر قد اغتصبا الخلافة من علي.
وجانب الصواب خالد البيطار في كتابه (علي بن أبي طالب) ، عندما علق على موقف السيدة فاطمة من ميراث أبيها وموقف علي من خلافة أبي بكر ، وهذا مثال لفيلق طويل لا ينتهي خاض هذه المعمعة وخبط فيها ، والتي تدعي أن علياً - رضي الله عنه - ذيد عن الخلافة بعد عثمان كما ذيد عنها قبله ، وأن الصحابة كانوا يتامرون لنيل الخلافة بدافع العصبية ضد بني هاشم ، أو لمطامع دنيوية ، وأن علياً أنكر إجحافاً أصابه في تخطيه بالبيعة إلى غيره بعد وفاة النبي ﷺ ، وأنه كان يرى أنه أحق بالخلافة من سابقيه ، وأن النبي ﷺ مهّد لخلافته وحبَّبه للناس بما أمَّره حيناً واستخلفه حيناً آخر ، وأن ليس ثمة علاقة حميمة بين الإمام وبين الصحابة ، وأنه غفر للشيخين تعديهما عليه بأخذ الخلافة، وأنه بايع الصديق بعد وفاة فاطمة. وكل هذا بهتان وزورٌ ، وكذب وافتراء ، يأباه الحق والعدل والإنصاف ، وينكره التاريخ الصحيح، ويكذبه الكلام الصريح الذي صدر عن علي نفسه الذي سبق ذكره.
فقد اعترف علي بأفضلية الخلفاء ، حينما كان هو الخليفة ، فكان يعلن ذلك على المنبر ويتوعد من يفضله عليهم بالعقاب ، وهذا ثابت بالأسانيد الصحيحة ، وكان لهم ناصراً ومعيناً ، وعلاقته بهم وطيدة وشيجة لا تؤثر في رسوخها العواصف الهوج التي يثيرها من تورط في الروايات الضعيفة والأخبار الموضوعة من الكتَّاب الذين ذكرنا بعض نقولهم على سبيل المثال لا الحصر ، والسبب الذي أسقطهم في هذه الهوة هو جهلهم بمنهج أهل السنة والجماعة في كتابة التاريخ ، وبعدهم عن التمييز بين المصادر الصحيحة والمصادر الساقطة، وعدم تفريقهم بين الروايات الصحيحة والروايات الضعيفة والموضوعة ، والاعتماد على الموضوعات في تحليلاتهم.
5- أول خطبة خطبها علي رضي الله عنه:
قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في أول خطبة خطبها حين تولى الخلافة: إن الله عز وجل أنزل كتاباً هادياً ، بيّن فيه الخير والشر ، فخذوا بالخير ودعوا الشر ، الفرائض أدوها إلى الله (سبحانه) يؤدِّكم إلى الجنة ، إن الله حرَّم حُرَماً غير مجهولة ، وفضَّل حرمة المسلم على الحُرم كلها ، وشد بالإخلاص والتوحيد المسلمين ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق ، لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب ، بادروا أمر العامة ، خاصة أحدكم الموت ، فإن الناس أمامكم ، وإن من خلفكم الساعة تحدوكم ، تخففوا تلحقوا ، فإنما ينتظر الناس أخراهم ، اتقوا الله في عباده وبلاده ، إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ، أطيعوا الله عز وجل ولا تعصوه ، وإذا رأيتم الخير فخذوا به ، وإذا رأيتم الشر فدعوه: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 26].
ولـمَّا كانت بيعة علي جاءت بعد فتنة عمياء ذهب ضحيتها خليفة المسلمين السابق، فقد دعا المسلمين إلى الخير ونبذ الشرّ ، وبيّن لهم أن حرمة المسلم فوق كل الحرمات ، فلا يجوز أذاه في حال من الأحوال ، ثم ذكرهم بالموت والاخرة، وحثّهم على التقوى والطاعة والعمل الصالح، وقد جاءت محاور الخطبة حول جانب العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق ، واهتمت ببعض مقاصد الشريعة ، ولو شئنا أن نلخص خطته التي يريد أن يرسمها للناس لقلنا: يريد أن يقول لهم: ارجعوا إلى العهد الذي كنتم عليه أيام رسول الله ﷺ ، والخلفاء الراشدين الذين سبقوه ، وقد أشار أمير المؤمنين في حكمة وبلاغة إلى النهج الذي سيقبلون به عهد الخلافة الجديد بقوله: إذا رأيتم الخير فخذوا به ، وإذا رأيتم الشر فدعوه. وختم بالآية الكريمة التي كانوا في حاجة إلى استحضارها ، ليقارنوا بها بين ما كانوا عليه قبل الإسلام وبعد الإسلام - إلى أمد بعيد - من القلة والضعف والضَّعة والخمول حتى كانوا كقطعة لحم على كف يختطفها الطير ، ثم ما صاروا إليه من القوة والسعة والأمن والسَّلام، والرخاء والثراء ، وما أكرمهم به عليهم من النِّعَم، فطنّت حصاتهم، وخفقت راياتهم، ودان لهم العباد والبلاد.
6- الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين:
قال النووي: يجوز أن يقال للإمام: الخليفة والإمام وأمير المؤمنين. وقال ابن خلدون: وإذ قد بيَّنا حقيقة هذا المنصب وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين ، وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة ، والقائم به خليفة وإمام، ويعرف ابن منظور الخلافة بأنها الإمارة.
ويفسر أبو زهرة الترادف بين لفظي الخلافة وهي الإمامة الكبرى ، وسميت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي ﷺ في إدارة شؤونهم ، وتسمى إمامة ، لأن الخليفة كان يسمى إماماً ، ولأن طاعته واجبة ، ولأن الناس كانوا يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم.
كما فسر الأستاذ محمد المبارك سبب اختيار هذه الألفاظ ، الإمام والخليفة وأمير المؤمنين بأنه: ابتعاد بالمفهوم الإسلامي للدولة ورياستها عن النظام الملكي بمفهومه القديم عند الأمم الأخرى من الفرس والرومان المختلف اختلافاً أساسياً عن المفهوم الإسلامي الجديد.
هذا وقد كان الخلفاء الأول يُلقبون بالخلفاء كما يلقبون بالأئمة ، ومنذ خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه استعمل المسلمون لقب (أمير المؤمنين) ، ولقد ورد لفظ (إمام) في القران الكريم في أكثر من موضع بمعنى الزعيم أو الدليل أو الرئيس قال الله تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]. أي: جاعلك قدوة يؤتم به، وقال تعالى: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74] ، أي: يقتدون بنا في أمر الدين، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ [الإسراء: 71] ، أي: بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين ، وقيل: بكتاب أعمالهم التي قدموها، وورد لفظ الإمام في مواطن كثيرة من السنة النبوية؛ منها قول رسول الله ﷺ : من بايع إماماً ، فأعطاه صفقة يده ، وثمرة قلبه ، فليطعه إن استطاع ، فإن جاء اخر ينازعه فاضربوا عنق الاخر، وقوله ﷺ : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وقوله: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل.
ومن الملاحظ أن لفظ (الإمامة) يغلب استعماله عند أهل السنة في مباحثهم العقدية والفقهية بينما الغالب استعمالهم لفظ (الخلافة) في كتاباتهم التاريخية ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المباحث - خاصة العقدية - قد كتبت للرد على المبتدعة في هذا الباب كالشيعة الروافض والخوارج.
فالشيعة الروافض يستخدمون لفظ الإمام دون الخلافة ، ويعتبرونها إحدى أركان الإيمان عندهم ، ويفرقون بين الإمامة والخلافة ، فهم يعتبرون الإمامة رئاسة دين ، والخلافة رئاسة دولة، ويريدون من ذلك إثبات أن علياً رضي الله عنه كان إماماً زمن خلافة الثلاثة الذين سبقوه، وقال ابن خلدون: إن الشيعة خصوا علياً باسم الإمام نعتاً له بالإمامة التي هي أخت الخلافة ، وتعريضاً بمذهبهم في أنه أحق بإمامة الصلاة من أبي بكر.
إن هذه الألقاب: الخليفة ، الإمام ، أمير المؤمنين ، ليست من الأمور التعبدية ، وإنما هي مصطلحات وجدت بعد وفاة الرسول ﷺ ، واصطلح الناس عليها ، وقد أطلق المسلمون غير هذه الألقاب في وقت لاحق كلقب الأمير ، كما كان الحال في الأندلس ، وكذلك لقب السلطان ، كما تسمى بذلك الحكام في الدولة الإسلامية ، لقب من هذه الألقاب ، إذ إن المهم في هذا المجال أن يكون المسلمون ورئيسهم خاضعين للتشريع الإسلامي عقيدة وشريعة؛ بغض النظر عن الألقاب التي يمكن أن تطلق على هذا الرئيس ، سواء كان لقبه الخليفة أم أمير المؤمنين أم رئيس الدولة أم رئيس الجمهورية ، فيمكن إطلاق أحد هذه الألقاب أو غيرها، وهذا يرجع إلى ما يتعارف عليه الناس ، وإن كان الأفضل الالتزام بالألقاب السابقة ، لما لها من مفهوم سياسي متميز عن المفاهيم المختلفة عند الأمم الأخرى، ولما لها من معانٍ دونت عبر التاريخ على أنها رمز للحضارة الإسلامية.
7- أيهما أصح عند ذكر أمير المؤمنين علي هل نقول رضي الله عنه أم كرّم الله وجهه أم عليه السلام:
إن الأصل عند ذكر الصحابة الترضي عنهم جميعاً ، كما قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100].
وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18]. لذلك اصطلح أهل السنة على الترضي على كل صحابي يجري ذكره أو يروى عنه حديث ، فيقال مثلاً: عن أبي بكر - رضي الله عنه - ، ولم يستعمل السلام - فيما أعلم - عند ذكر أحد منهم ، مع أن السلام تحية المسلمين فيما بينهم، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً ﴾ [النور: 61] ، وعلى هذا فالترضي أفضل من السلام ، قال تعالى: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72] ، وأخبر النبي ﷺ أن الله تعالى يقول لأهل الجنة: «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً».
ولكن اصطلح العلماء على أن السلام يختص بالأنبياء لقوله تعالى: ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الصافات: 181]. ولقوله: ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ [مريم: 15]. ولما ورد في حق علي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ، أخذ الغلاة كالرافضة يستعملون في حق أمير المؤمنين علي: عليه السلام ، أو كرم الله وجهه ، ولا شك أنه أهل لذلك ، لكن يشركه في ذلك جميع الصحابة، وقد وقع هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب ، ومن بعض علماء أهل السنة أن يفرد علي - رضي الله عنه - بأن يقال: عليه السلام من دون سائر الصحابة ، أو كرم الله وجهه ، وهذا وإن كان معناه صحيحاً لكن ينبغي أن يساوى بين الصحابة في ذلك.
يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ