معرفة بلغت حد اليقين
الشيخ محمد الغزالى
الإيمان معرفة بلغت حد اليقين، أو هو علم يصحبه الجزم والقطع .. فإذا قلت: أنا أؤمن بوجود القاهرة فمعنى ذلك أمران: أحدهما عقلى، هو أنك تعرف وجود هذا البلد، والآخر قلبى، وهو أن علمك لا ريبة فيه ولا تردد، بل مقرون بالتصديق التام.
والإيمان بالله ـ جل شأنه ـ ينطوى على الأمرين جميعا، النظرى والنفسى.
فإذا قلت: أنا أؤمن بالله فمعنى ذلك أنك تعرفه، وأن معرفتك له لا تلتبس بشك أو تردد. بل إن فؤادك ملئ بالتصديق لقضية هذا الوجود الأعلى.
وبديهى أن تتفاوت حقائق الإيمان فى النفوس بتفاوت المعرفة ضيقا وسعة، وتفاوت التصديق عمقا وقربا.
فهناك عارفون بالله معرفة صافية الرونق، مجلوة الأفق، شديدة التألق كأنها معرفة دراسة وخبرة. (الرحمن فاسأل به خبيرا).
وهناك معرفة دون ذلك.
وهناك أصحاب قلوب مفعمة باليقين، راسخة الثقة، تمر بها العواصف كما تمر الرياح بشماريخ الذرى لا تزحزها عن الحق قيد أنملة.
وهناك يقين دون ذلك.
على أن الإيمان إذا كان معرفة وتصديقا.
فإن هذه المعرفة يجب أولا أن تتسم بالصحة، وإلا فلا قيمة لتصديق لبابه الخطأ.
إن من البشر أجيالا لا تعرف الله، ومنهم من يعرفه على وجه حافل بالأغلاط والترهات.
والفريق الأول: ينكر أصل الألوهية كالشيوعيين والوجوديين وأضرابهم من الملحدين.
والفريق الثانى: يعترف بالألوهية ولكنه يتصورها تصورا مخالفا للواقع، وينسب إليها ما لا يليق بها، كجماهير المشركين على اختلاف مللهم، سواء فيهم عبدة الأصنام؟ أو الزائغون عن الحق من أهل الكتب الأولى.
والإيمان عندنا يجعل العلم الصحيح بالله روح التصديق المقبول.
وقد امتلأ القرآن الكريم بالآيات التى تعرف الله لعباده تعريفا ينفى عن أذهانهم صور الضلال والانحراف، ويقر الحق فى نصابه.
خذ هذه الآية: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم).
هذه الآية تعرف بين المسلمين بآية الكرسى، وقد نوهت السنة النبوية بفضلها ومكانتها، وتتكون من عشر جمل متصلة المعنى فى الحديث عن ذات الله وصفاته:
1- (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ... )
ليس فى الوجود أحد يتجاوز مرتبة العبودية، فكل ما عدا الله عبد له، وهو وحده المتفرد بالألوهية فى السموات والأرض...
من قال عن نفسه إنه إله فهو كاذب، ومن قال عنه الناس ذلك فهم عليه كذبة، وقد تمر بالناس أعصار يتخذون فيها بعض الجمادات والدواب آلهة، وهذه أعصار الانحطاط الذهنى والنفسى التى نرجو أن يتم خلاص البشر جميعا منها.
ولكن الضلال الشائع إلى اليوم اتخاذ بعض البشر الطيبين آلهة مع الله بحجة أنهم انبثقوا منه أو أنه حال فيهم.
وقد حارب الإسلام هذه الضلة حربا شديدة، وأكد أن البشر مستحيل أن يرتفعوا إلى مصاف الآلهة، وأن الله العلى الكبير لا يمكن أن يهبط إلى منازل البشر.
إنه الإله الذى خلق غيره، ومنحه الحياة، وقام على أمره من المهد إلى اللحد
(واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا).
ورسول الإسلام ـ وهو قمة البشرية ـ عندما يدعو الله يؤكد هذه الحقيقة " اللهم أنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك وفى قبضتك.
ناصيتى بيدك ماض فى حكمك، عدل فى قضاؤك... ".
الجانب العاطفي من الإسلام