البحث

التفاصيل

د. محمد اليافعي: تقوية أواصر القربى تزداد في رمضان

د. محمد اليافعي: تقوية أواصر القربى تزداد في رمضان

أكد فضيلة الشيخ الدكتور محمد سالم اليافعي، الخبير الشرعي بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مدير فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بدولة قطر، أن الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين تزداد في رمضان عن غيره من الشهور نظراً للجو الإيماني الذي يساعد المسلم على القيام بالطاعات، ولما فيه من مضاعفة الأجور، فذلك يمثل حافزاً لزيادة الاجتهاد في التقارب بين المسلمين، ولا تقتصر أواصر الأخوة بين المسلمين على الأقارب والجيران فقط، بل تمتد إلى عموم المسلمين.

واسترجع فضيلته في حوار خاص لـ الوطن شريط ذكرياته مع شهر رمضان المبارك، متناولا العادات والتقاليد التي يحرص على إحيائها، وكيف يكون الاستثمار الأمثل للشهر الكريم لمضاعفة الأجور، منوها بأن كثيرا من المسلمين يخرجون زكاة أموالهم في الشهر الفضيل، اغتناما لمضاعفة الأجر من جهة، ولزيادة متطلبات الفقراء والمساكين في رمضان من جهة أخرى، فترتيب هذه الأمور مسبقاً يمكن المسلم من الاستغلال الأمثل لشهر الطاعات، وغيرها من الأمور التي تطرق لها في هذا الحوار الرمضاني..

بدايةً.. ما هي العادات والتقاليد التي تحرص على إحيائها في رمضان؟

مع طول فترات الدوام وانخراط أفراد الأسرة في مجالات العمل المختلفة، وقلة تجمع العائلة على طاولة طعام واحدة معظم أيام السنة، نحرص على إحياء الاجتماع على مائدة الإفطار ومشاركة هذه الفرحة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) فالاجتماع لهذه الفرحة ومشاركتها مع أفراد العائلة وجعلها وسيلة لتقريب القاصي والداني فرصة عظيمة وعادة حميدة، كما نحرص على تبادل أطراف الحديث بود ورحمة بين الأفراد على مائدة الإفطار والدعاء لمن تعب وعمل على إعداد المائدة، ومقابلة الأهل بابتسامة حتى لو غلب تعب الصيام والعطش.

ما الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان؟

تزداد الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان عن غيره من الشهور نظراً للجو الإيماني الذي يساعد المسلم على القيام بالطاعات، ولما فيه من مضاعفة الأجور، فذلك يمثل حافزاً لزيادة الاجتهاد في التقارب بين المسلمين، ولا تقتصر أواصر الأخوة بين المسلمين على الأقارب والجيران فقط، بل تمتد إلى عموم المسلمين، وكما تعلمون أن للأخوة في الإسلام أثرا ماديا ماليا أوجبه الشارع الحكيم.

الاستثمار الأمثل

ما هو الأثر المادي الذي أوجبه الشرع فيما يخص الأخوة في الإسلام؟

يتمثل هذا الحق بفريضة الزكاة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد اعتاد كثيرٌ من الناس على أن يخرجوا زكاة أموالهم في شهر رمضان اغتناماً لمضاعفة الأجور، فإخراج الزكاة من أولى الحقوق المالية الواجبة، بالإضافة إلى أواصر الأخوة التطوعية كالصدقات غير الواجبة كإفطار الصائم، وكذلك الحقوق المعنوية لقوله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، فالتبسم والرفق والصبر تعزز المودة والأخوة بين المسلمين، والعطف على الصغار وملاطفتهم بالسلام والكلام وزيارة كبار السن وإظهار الاحترام والتقدير لهم، وتبادل التهاني والتبريكات بداية الشهر ونهايته واستغلال الشهر الفضيل للاستسماح ممن كان بينك وبينه عداوة ولو لم تكن أنت المخطئ لقول النبي «وخيرهما من يبدأ بالسلام»، ولا ننسى أهل البيت فنستغل الشهر لنقوي أواصر المحبة والقربى بين الزوجين وبين الوالدين وأبنائهم، وبين الإخوان ونحث بعضنا بعضا على التودد والتغاضي وإظهار الحب.

كيف يكون الاستثمار الأمثل للشهر الكريم لمضاعفة الأجور؟

الاستثمار الأمثل يبدأ بالتهيؤ والاستعداد قبل بداية الشهر، فالمحافظة على الصلاة والورد اليومي من القرآن وصيام أيام نفل بين حين وآخر خاصةً في شعبان، والاطلاع على حال السلف الصالح.. كيف كانوا في رمضان، والإكثار من الدعاء بأن يوفقنا الله لطاعته ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.. هذه الأمور تهيئ المسلم وتعينه على الاستعداد للشهر الفضيل، وحين يبدأ المسلم شهر رمضان لابد من أن يكون له برنامج معين يحدد عدد ختمات القرآن والورد اليومي ووقت قراءته، ويحدد يوم حساب زكاة أمواله، فكثير من المسلمين يخرجون زكاة أموالهم في رمضان، اغتناماً لمضاعفة الأجر من جهة، ولزيادة متطلبات الفقراء والمساكين في رمضان من جهة أخرى، فترتيب مثل هذه الأمور مسبقاً يمكن المسلم من الاستغلال الأمثل للشهر الكريم.

رسائل ونصائح

ما الرسالة أو النصيحة التي توجهها إلى الشباب في هذا الشهر؟

نصيحتي للشباب تتلخص في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ) كل رمضان يمر عليك هو غنيمة عظيمة ونعمة من الله وصحتك وشبابك وفراغك نعم من الله إن أحسنت استغلالها في طاعته ورضاه، وكلنا مسؤولون عن أوقاتنا وأعمارنا في ما أمضيناها، فلو انشغلت أيها الشاب في ملاهي الدنيا خلال العام وغلبتك نفسك في أمور كثيرة تذكر حوار جبريل مع الرسول وهو صاعد إلى المنبر حين قال صلى الله عليه وسلم: (آمين آمين آمين) فسأله الصحابة بعد انتهاء الخطبة عن تأمينه ثلاث مرات فقال صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين)، تذكر أن الذنوب مهما عظمت يغفرها الله بتوبة صادقة فاغتنم رمضان وتقوَّ به على باقي أشهر السنة، وكذلك بر الوالدين أحياءً كانوا أم أمواتاً لا بد من برهم وتكثيف البر في هذا الشهر والدعاء لهم ولجميع المسلمين، رحم الله والدينا ووالديكم.

ما الرسالة التي ترغب في إرسالها إلى سيدات البيوت في رمضان؟

رسالتي إلى أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا.. لا تجعلي أول ما يقفز في ذهنك عند ذكر رمضان هو المطبخ والتفنن في المآكل والمشارب، فلكِ أن تبدعي في إعداد ما شئت طوال العام، ولكن ما لا يمكنك الحصول عليه طوال العام هو ما اختص به رمضان من العبادات والأجور المضاعفة، لا أنكر أجر إعداد الطعام اللازم للأسرة فلكن الشكر والأجر مكتوب بإذن الله، ولكن المبالغة في تعداد الأصناف ومكث ساعات في المطبخ كان من الممكن أن تُستغل بقراءة القرآن وأنواع العبادات الأخرى، فلمَ لا يكون حظ المطبخ من أوقاتكن في رمضان كحظه في باقي الأيام؟ وكذلك أوصيكن أخواتي سيدات البيوت بالعاملات المسلمات الصائمات، فهن يتعبن كما نتعب وهن بحاجة للعبادة واستغلال الشهر كما نحن بحاجة لذلك.

أجر الصيام

ما هي أبرز الأمور التي تذهب بأجر الصيام وتقلل من تأثيره على النفس؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش)، فمن أبرز الأمور التي تذهب أجر الصيام ظلم الناس وهدر حقوقهم، كشهادة الزور والكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم وعدم غض البصر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، فالصائم عليه أن تصوم جوارحه كلها عن المحرمات، ويستعين بالله على ترك ما اعتاد من السيئات، ويجب علينا أن نزرع في نفوس أبنائنا أن الصيام فرصة لتهذيب وتربية وتزكية النفس، والتمرن على ترك المعاصي والشهوات.

حدثنا عن الطريقة المثلى للتعامل مع القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك؟

القرآن الكريم هو ربيع للقلب ونور للبصر وجلاء للحزن وذهاب للهم ومرشد لحسن الخلق، قال صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ...) وحياة المؤمن مع القرآن لا تقتصر على التلاوة فقط، بل المؤمن يحتاج إلى تحديد ورد يومي للتلاوة وتفسيره، كلٌ بحسب استطاعته ولكن الاستمرار هو الأهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (.. وأنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قَلَّ)، وقراءة التفسير في زماننا هذا مهمة للغاية بسبب ضعفنا المحزن في لغتنا العربية، وضعف فهمنا للقرآن وكثرة المستخدمين للآيات في غير مواضعها.

ومما يسهل علينا الالتزام بورد محدد يوميا هو تحديد وقت لهذا الورد، ونتذكر دائماً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يقرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْران).. جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن.

العشر الأواخر

ما أهمية الصدقة خلال أيام شهر رمضان وفضائلها في العشر الأواخر؟

أهمية الصدقة وآثارها على حياتنا في الدنيا قبل الآخرة لا تحصى، فهي تطفئ غضب الرب ويشفي الله بها المرضى لقول النبي: (داووا مرضاكم بالصدقة) وهي تقي من النار يوم القيامة لقول النبي (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، وغير ذلك كثير.

وكما أن باقي الأجور تتضاعف في رمضان فالصدقة كذلك، وهي إلى جانب ذلك تقارب المسلمين وتقوي أخوتهم. والصدقة وإن كثرت لا تنقص المال بل تنميه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة)، والصدقة لا تقتصر على المال فالتبسم صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة والكلمة الطيبة صدقة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّكَ لن تُنْفِقَ نفقةً تبتَغي بها وجهَ اللهِ عزَّ وجلَّ إلَّا أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعلُ في فَمِ امرأتِكَ) فلنستحضر نية الصدقة عند النفقة على أهل البيت لزيادة الأجر.

ما هي نصيحتكم لمواصلة الطاعات بعد انقضاء الشهر الكريم؟

مواصلة الطاعة دليل على التوفيق وهو ليس بالأمر السهل، مفتاح تسهيله الاستعانة بالله والإكثار من الدعاء بأن يعيننا الله على ذكره وشكره وحسن عبادته ويعيننا على التغلب على نفوسنا وشهواتنا وعلى شياطين الإنس والجن والملهيات التي كثرت وتلونت من حولنا. ومما يعين على الاستمرار بعد رمضان هو المواصلة الفورية، فمثلاً استمرار قراءة ورد يومي بعد رمضان لا يؤجل إلى بعد انتهاء أيام العيد لأن ذلك سيضعف الهمة، بل نبدأ من أول أيام العيد ولو بقراءة شيء يسير ولكن ذلك يعين على المتابعة ويسهلها، وكذلك صلاة السنن الرواتب والوتر لمن لم يكن ملتزماً بهم قبل رمضان، متابعة العمل الصالح بعد رمضان لا يحتاج إلى إجازة عيد، فالعيد شُرع لنحمد الله، وطاعته عز وجل من أسمى أنواع الحمد ويحظى صاحبها بحب الله له يقول تعالى في الحديث القدسي (وما زال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه).

(المصدر: أكرم الفرجاني - جريدة الوطن)





التالي
اشتباكات بين مسلمين وهندوس في نيودلهي.. وراهب يدعو لإبادة المسلمين
السابق
تصاعد اقتحامات الأقصى والاحتلال يحاصر المرابطين وسط نداءات استغاثة ودعوات للنفير العام

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع