البحث

التفاصيل

في ذكرى العلامة محمد سليم مولوي

الرابط المختصر :

في ذكرى العلامة محمد سليم مولوي

بقلم: نسيم حمزة أحمد

 

لقد ترك رحيل إم في محمد سليم مولوي فراغا في عالم المعرفة سيكون من الصعب ملؤه. بقلوب حزينة وأسى عميق، نودع شخصًا مميزًا كرّس حياته للعلم ونشر الحكمة، مسترشدًا بإيمانه الراسخ بالله.

إنا لله وإنا إليه راجعون".

سليم مولوي كان اسما يتردد في قلوب الذين يحبون علوم القرآن الكريم وثراء اللغة العربية. من بين الشخصيات البارزة في ولاية كيرالا، كان المرحوم خيطًا فريدًا برز بمساهماته التي لا مثيل لها. وقد تحدث عنه العلماء الكبار في العالم باعتباره عالما ترقى إلى منزلة العلماء الموقنين مع وجهات نظره السمحة والمعتدلة.

ورغم أنه ربما لم يشغل أدوارًا قيادية رسمية في أي مؤسسة إسلامية، إلا أن تأثيره كان محسوسًا بلا شك من خلال رؤيته للأمور المعاصرة. ولم تقتصر خبرته العلمية وموقفه المبدئي على أي قضية واحدة، بل امتدت إلى مجالات مختلفة، وقدمت توجيهات لا تقدر بثمن. وكان التزامه واضحا في الأسس التي ساعد في إرساءها في المجتمع الإسلامي في ولاية كيرالا.

على الرغم من أنه لم يكن معروفًا على نطاق واسع كعالم إسلامي تقليدي، كانت قدرته على سد الفجوات بين المواضيع الحديثة والقيم الإسلامية التقليدية بمثابة شهادة على معرفته المتنوعة وبراعته الفكرية.

امتدت مساهماته إلى ما هو أبعد من المساعي الأكاديمية. كفيلسوف ولاهوتي وفقيه وكاتب، ترك بصمته على صفحات الأدب والتعليم، وأغنى الأجيال بتعاليمه. أظهرت كتاباته، التي ظهرت في المجلات العربية المختلفة، فهمه العميق للموضوعات المعقدة ودوره كمعلم.

واستمر سعيه النهم للمعرفة حتى في أوقات المرض، مما يدل على تفانيه الذي لا ينضب في السعي وراء الحقيقة. إن وجوده داخل أسوار المؤسسات التعليمية المختلفة في جميع أنحاء ولاية كيرالا، مثل الجامعة الإسلامية في كوزيكود والمركز، محفور في أذهان أولئك الذين علمهم وألهمهم.

كانت طلاقته وإجادته للغة العربية استثنائيين للغاية لدرجة أن العديد من العلماء والخبراء في هذا المجال علقوا على كفاءته، وغالبًا ما قارنوه بشكل إيجابي مع الناطقين باللغة العربية. وكانت قدرته على التحدث باللغة العربية بفصاحة ودقة وأصالة شهادة على تفانيه في خدمة اللغة العربية.

إنه لأمر استثنائي حقًا أن يتمكن شخص من ولاية كيرالا بالهند من تحقيق هذا المستوى العالي من الكفاءة في اللغة العربية. وقد سمح له فهمه العميق للفروق الدقيقة في اللغة بالمشاركة في المناقشات العلمية، وإلقاء الخطب المؤثرة، والتواصل بشكل فعال مع الجماهير الناطقة باللغة العربية.

عندما أتذكر الحياة الرائعة للراحل، تأتي بعض تجاربي الشخصية إلى ذهني. باعتباري طالبًا في كلية سانتابورام الإسلامية، كان لي شرف تجربة الدفء والتشجيع الذي انبعث من هذا العالم العظيم.

خلال فترة وجودي في الكلية، تركت الرعاية والدعم الحقيقيين من سليم مولوي بصمة لا تمحى في نفسي. إن تفانيه الذي لا يتزعزع في التعليم ومعرفته العميقة في الدراسات الإسلامية واللغة العربية ألهمتني وكثيرين غيري. فهو لم ينقل المعرفة الأكاديمية فحسب، بل غرس فينا أيضًا الشعور بالهدف وأهمية المساهمة بشكل إيجابي في المجتمع.

إحدى المساعي التي جسدت التزام سليم مولوي تجاه طلابه كانت جهوده لتسهيل فرص التعليم في الخارج. وكنت محظوظاً بأن أكون أحد الطلاب الذين تلقوا توجيهاته ومساعدته في متابعة دراستهم في الخارج. على الرغم من أن أسبابًا شخصية غير متوقعة حالت دون تحقيق خططي، إلا أن إيمان سليم مولوي الراسخ بإمكانياتي كان بمثابة قوة دافعة في مساعي الأكاديمية.

وكان لقاءي به لاحقاً في قطر لقاءً أثرى فهمي لتأثيره وإرثه. لقد أصبح نموذجًا يحتذى به ليس بالنسبة لي فحسب، بل أيضًا لعدد لا يحصى من الآخرين الذين سعوا إلى حكمته وتوجيهاته. وقد انعكس تجسيده للعالم الإسلامي وخبير اللغة العربية في تصرفاته وتواضعه ومعرفته العميقة.

أثناء تفاعلاتنا، كان غالبًا ما يكلفني بمهام، ويشاركني حكمته ورؤيته لمساعدتي على النمو كفرد قوي. امتدت توجيهاته إلى ما هو أبعد من المجال الأكاديمي، حيث عززت النمو الشخصي والمرونة. لقد رأى إمكانات في كل شخص التقى به وآمن بقدرتهم على إحداث تغيير إيجابي في العالم.

الذاكرة التي تبرز بوضوح هي احتضانه للتكنولوجيا. وأذكر أنه كان أول من امتلك هاتفًا محمولاً من بين الجالية المالايالية في قطر. قد تبدو هذه الحكاية غير مهمة، لكنها تتحدث كثيرًا عن انفتاحه على الابتكار وقدرته على التكيف مع الأوقات المتغيرة مع الحفاظ على قيمه.

بينما نحتفل بحياة ومساهمات سليم مولوي، فإن تجربتي الشخصية هي بمثابة شهادة على التأثير العميق الذي أحدثه على طلابه وأولئك الذين عبروا طريقه. لا يزال صدى تعاليمه وتوجيهاته وروحه الرحيمة يتردد، مما يذكرنا بأن إرثه يعيش من خلال الحياة التي لمسها والمعرفة التي نقلها.

نسأل الله أن يجعل مثواه الأعلى في الجنة، وأن تستمر تعاليمه في إلهامنا وإرشادنا في سعينا إلى الحقيقة والتنوير. محمد سليم مولوي، ستبقى إلى الأبد في قلوبنا كمنارة للمعرفة ورمزًا للتفاني في السعي وراء الحكمة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





التالي
تقرير يرصد مشاركات وتوصيات المؤتمر العالمي "الأسرة بين القيم الإسلامية والتحديات المعاصرة" بمشاركه نخبة من العلماء والمتخصصين
السابق
القرآن وتكامل مصادر المعرفة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع