بعد 6 سنوات من رحلة الهروب من الموت إلى شبه حياة، وقف جمال وسط حشود الآلاف من المسلمين الروهنجيا في مخيمات بنجلاديش، رافعاً لافتة كتب عليها نحن مواطنون في ميانمار، وُلدنا هناك، مطالباً كغيره بتوفير العودة الآمنة إلى وطنهم في آراكان بدولة ميانمار، حيث تم تهجيرهم قسرياً منه عندما شن جيش ميانمار هجمة عسكرية واسعة ضدهم في 25 أغسطس 2017م.
في فعاليات متعددة داخل مخيمات الشتات في بنجلاديش، بمناسبة الذكرى السنوية السادسة لتهجيرهم من وطنهم، عبر الروهنجيون عن صعوبة الاستمرار في العيش المؤقت، وتخوفوا من أن تتحول المخيمات إلى وضع دائم، ويتم طي قضيتهم وحقهم في العودة الآمنة لوطنهم.
يقول عبدالله، وهو يقيم في المخيم: نحن ولدنا في وطننا التاريخي آراكان في ميانمار، وهو وطننا، ولنا الحق في العودة لوطننا والعيش الآمن فيه، بدلاً من حياة الشتات، لكن سلطات ميانمار تعتبرنا مهاجرين غير شرعيين وحرمونا حقنا في المواطنة بموجب القانون الذي تم إصداره عام 1982م.
ويضيف: نحن هنا في المخيمات نعيش وضعاً إنسانياً صعباً، سواء على مستوى أسلوب الحياة، أو حتى فيما يخص رعاية أطفالنا، كما أن من حقنا أن نطمح في العيش حياة طبيعية مثل بقية العالم في بيوتنا ووطننا.
6 سنوات من الشتات
يشار إلى أن المسلمين الروهنجيا تعرضوا لحملة عسكرية واسعة شنها جيش ميانمار في 25 أغسطس 2017م، وأُجبر آنذاك نحو 740 ألفاً منهم على الفرار إلى بنجلاديش هرباً من القتل الجماعي، وانضم هؤلاء الفارون إلى اللاجئين الذين كانوا يعيشون في مخيمات بنجلاديش، ليتجاوز عدد ضحايا الشتات مليون لاجئ من مسلمي الروهنجيا.
من هم الروهنجيا؟
والروهنجيا عرقية مسلمة من بين أكثر من 135 عرقية تتكون منهم دولة ميانمار (بورما)، ويعتبر الروهنجيا السكان الأصليين لإقليم آراكان غربي دولة ميانمار.
الوطن التاريخي
وآراكان تاريخياً كانت مملكة إسلامية مستقلة وصلها الإسلام في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وحكمها المسلمون خلال الفترة من عام 1430 حتى عام 1784م، وكانت لها عملاتها المسكوكة باللغة العربية وبكلمة التوحيد، إلى أن احتلتها بورما وحولتها إلى مجرد ولاية من ولاياتها.
بورما أم ميانمار؟
وبورما هو الاسم القديم لدولة ميانمار، وهو يشير إلى العرقية الأبرز في هذه الدولة وتسمى البورمان، ويقال لهم أيضاً البامار، إلى أن تم تغيير اسم الدولة إلى ميانمار وهو الاسم الجديد لدولة جمهورية اتحاد ميانمار، حيث أصدر الحكام العسكريون لبورما قانوناً عام 1989م بتغيير اسم الدولة من بورما إلى ميانمار، وهي تتكون من أكثر من 135 عرقية بأغلبية بوذية، وهناك تواجد للمسيحية أيضاً، وهذه الدولة لها حدود مع الهند والصين ولاوس وتايلاند وبنجلاديش.
جذور تاريخية
في عام 1824م احتلت بريطانيا ميانمار وضمتها لحكومة الهند التي كانت تحت الاحتلال الإنجليزي، ووضعوا ألواناً من التمييز والعنصرية ضد المسلمين لصالح البوذيين، وهو ما استمرت عليه الحال بعد استقلال ميانمار عام 1948م، وسبق ذلك بـ6 سنوات؛ أي في عام 1942م، وقوع مذبحة كبيرة للمسلمين الروهنجيا راح ضحيتها حوالي 100 ألف مسلم، وتشريد أكثر من ربع مليون، واستمر مسلسل التهجير القسري للمسلمين الروهنجيا متواصلاً، لا سيما مع الانقلاب العسكري الذي تم في عام 1962م، حيث تصاعدت الانتهاكات وتهجير الروهنجيا من بيوتهم وقراهم، وعلى سبيل المثال تم في عام 1962م تشريد حوالي 300 ألف مسلم وطردهم إلى بنغلاديش، وفي عام 1978م حوالي نصف مليون، وفي عام 1988 حوالي 150 ألفاً لإخلاء مساحة لبناء قرى للبوذيين، وفي عام 1991م فر حوالي نصف مليون، هذا بالإضافة إلى هجرة عشرات الآلاف منذ أحداث عام 2012م، وأحداث أكتوبر 2016م، إلى أن وقعت الهجمة العسكرية في 25 أغسطس 2017م، وعلى إثرها تم تهجير نحو 740 ألفاً منهم.
تغيير ديموغرافي
في مقابل تهجير المسلمين قسرياً ودفعهم إلى الفرار إلى الدول المجاورة والنزوح إلى مخيمات في الداخل أقرب للسجن، كان يتم توطين البوذيين في قرى المسلمين بعد أن يتم إعادة تأسيسها واستكمال مرافقها.
التجريد من المواطنة
ولم يتم الاكتفاء بالتهجير القسري للمسلمين الروهنجيا، بل تم كذلك وبموجب قانون الجنسية الصادر عام 1982م، تجريدهم ظلماً من حقوقهم في المواطنة والجنسية واعتبارهم وافدين من بنغلاديش، وترتب عن هذا القانون حرمان الروهنجيا من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما حرمهم من حق التصويت بالانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية، إلى جانب منعهم من التعليم الجامعي وتقييد حركة تنقلاتهم وسفرهم وحتى الزواج.