شرح حديث:«نُصِرْتُ بالصَّبا، وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ»
أ.د. كامل صبحي صلاح - أستاذ الفقه وأصوله
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «نُصِرْتُ بالصَّبا، وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ». «أخرجه البخاري (١٠٣٥)، ومسلم (٩٠٠)».
فإنّ من سنن الله تبارك وتعالى تأييد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام بما يريد سبحانه وتعالى، حيث خصَّ بعض الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بعدة معجزات حِسِّيَّةٍ، وذلك لاثبات رسالتهم ونبوتهم، ولتكون تلك المعجزات هداية لأقوامهم.
وإنّ من هذه المعجزات التي خصّ ونصر الله تبارك وتعالى بها نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم «الصَّبا»، وهي الرِّيح، ففي الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «نُصِرْتُ بالصَّبا، وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ». «أخرجه البخاري (١٠٣٥)، ومسلم (٩٠٠)».
وفي رواية عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «أتتِ الصَّبا الشمالَ ليلةَ الأحزابِ فقالت مُرِّي حتى تنصري رسولَ اللهِ ﷺ فقال الشمالُ إنَّ الحُرَّةَ لا تسري بالليلِ فكانت الريحُ التي نُصِرَ بها رسولُ اللهِ ﷺ الصَّبا».
«الهيثمي، مجمع الزوائد (٦/٦٩)، رجاله رجال الصحيح، أخرجه البزار (٤٧٢١)».
وفي رواية عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابنِ عباسٍ رضي الله تعالى عنهما قال: «أتت الصَّبا الشمالَ ليلةَ الأحزابِ فقالت مُرِّي حتى ننصرَ رسولَ اللهِ ﷺ فقالت الشمالُ إن الحرةَ لا تسرِي بالليلِ فكانت الريحُ التي نُصِرَ بها رسولُ اللهِ ﷺ الصَّبا» «الهيثمي، مجمع الزوائد (٦/١٤٢)، رجاله رجال الصحيح».
وفي رواية عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «نُصِرتُ بالصِّبا وأُهلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ، وزادَ مُسلمٌ عن مُجاهِدٌ عنِ ابنِ عباسٍ: وما أُرسِلَ عليهم إلّا مِثلُ الخاتَمِ». «أخرجه البخاري (١٠٣٥)، ومسلم (٩٠٠) مختصراً».
يُبَيِّنُ النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم في هذا الحديث أنّ الله تبارك وتعالى نصره «بالصَّبا»، وهي الرِّيح الَّتي تَهُبُّ
من المشرق، ولهذا الحديث قِصَّةُ، حيث أنَّ الله تبارك وتعالى أرسل يوم غزوة الخندق ريحًا باردةً في ليلة شديدة المطر على الأحزاب الذين تجمَّعوا لمقاتلة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمين ومحاربتهم،
فقلعت الريح خيام المشركين، وعملت على إطفاء نيرانهم، وقلب قدورهم، مما أدّى ذلك إلى هزيمتهم ورجوعهم عن مقاتلة ومحاربة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمين الذين معه، وكانت هذه الواقعة والحداثة معجزة لنبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ونصرة وكرماً وتاييداً من الله تبارك وتعالى لنبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وللمؤمنين معه.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وأُهْلِكَت عَادٌ بِالدَّبورِ»،
وهي ريح تَهُبُّ من جهة الغرب، حيث سلَّطها الله تبارك وتعالى على قوم هود سبع ليال وثمانية أيام متتابعة، فقضت عليهم وأهلكتهم.
وقيل: إنَّ الصَّبا: هي الريح التي تجيءُ من خلف الظهر إذا استَقبلْتَ القبلة، والدَّبور: هي الريح التي تجيء من قبل الوجه إذا استَقبلْتَ القبلة.
وفي هذا الحديث دلالة على أنَّ بعض الرياح قد تأتي رحمةٌ ونصرٌ، كالصَّبا، وبعضها قد يكون عذاباً، كالدَّبور.
فلذلك لا ينبغي للعباد أن يَغتَرُّوا بعلامات الله تبارك وتعالى الكونيّة، فقد يكون في إحداها عَذابٌ، فالواجب المحافظة على العبادات والطاعات والقربات.
وفي الحديث دلالة كذلك عن الإخبار عن الأمم الماضية السابقة واهلاكها، مما يحتّم الاتعاظ بأحوالها وما كانت عليه.
ويدلّ الحديث على بيان تفضيل المخلوقات بعضِها على بعض والتمايز والتباين بينها، كحال رياح الرحمة وريح العذاب.
وفي الحديث دلالة على مشروعية إخبار الإنسان عن نفسه بما خصَّه الله تبارك وتعالى به وتفضّل عليه، على جهة
التَّحدّث بنعم الله تبارك وتعالى وفضائله عليه، والإقرار والاعتراف بها، والإكثار من شكره سبحانه وتعالى، لا أن يكون على سبيل الفخر والاعجاب ومدح النفس والذات.
هذا ما تم ايراده، نسأل الله العلي الأعلى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله ربّ العالمين.
أ.د. كامل صبحي صلاح - أستاذ الفقه وأصوله
[٢٩\١\٢٠٢٥]