إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية
وانتصار شعب (3): "نظام
الأسد والمقاومة"
كتبه: التهامي مجوري
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
**
اقرأ: إلى صديقي: الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (1)
اقرأ: إلى صديقي الذي لم يعجبه سقوط طاغية وانتصار شعب (2)
**
نظام الأسد محسوب على المقاومة باعتباره من فريق الصمود
والتصدي، ولكنه في الواقع لا صمود ولا تصدي ولا مقاومة إلا بالشعار، بدليل أنه له
أرضا محتلة "الجولان" لم يفعل شيئا لتحريرها، ولم يطلق رصاصة في سبيل
ذلك؛ بل هو موقِّع على معاهدة مع الصهاينة منذ 1974 على ألا يتعرض للصهاينة
بالأذى، ومع ذلك له علاقة بإيران راعية المقاومة وله علاقة بحزب الله اللبناني،
فما هي صورة هذه المقاومة؟
في مطلع سنة 1979 كنت بدمشق، وفي صبيحة أحد الأيام سمعت
وأنا في حي الحلبوني في موجز الأحبار، الساعة الحادي عشرة رسالة من آية الله
الخميني موجهة للرئيس السوري حافظ أسد... مختتمة بقول الخميني "والسلام على
من اتبع الهدى"، وكانت يومها الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في
إيران، وبحكم اهتمامي بهذا الموضوع، تساءلت بيني وبين نفسي كيف تختتم رسالة بهذه
اللفظة وهي موجهة إلى رئيس دولة؟ وكيف يسمح للمذيع بقراءتها؟ ثم اختفت هذه
التساؤلات مع نشوة انتصار الثورة التي كانت أول فتح على التيار الإسلامي، ومنفذا
جديدا لم نعرفه من قبل... ولكن مع مر الأيام كانت صدمة التحالف الإيراني السوري،
في ظل علاقات طائفية مقيتة، تشتغل على كل ما هو طائفي أخذا وعطاء... وبدأ التدفق
الإيراني على دمشق وانتشار الوجود الشيعي...
من هنا كانت العلاقات الشيعية العلوية تأخذ مجراها في
الواقع، أما العلاقات الإيرانية السورية، فقد كانت كما يقول الباحثون في عهد الشاه
على أحسن ما يرام، بل كانت قوية وعلى أساس طائفي، ولكن لم تظهر طبيعتها الدينية،
بسبب علمانية النظامين الفاسدين.
وبعد انتصار الثورة الإيرانية، انطلقت السياسة الإيرانية
في تصدير الثورة إلى باقي العالم الإسلامي، وبصفة خاصة مناطق الوجود الشيعي
والأقليات الشيعية، مثل العراق ولبنان وسوريا والبحرين واليمن، ولكن تم التركيز
بكثافة على سوريا ولبنان، باعتبار أن سوريا بها نظام موالي لإيران وفي نفس الوقت
يمثل الممر الآمن للنشاط الشيعي الإيراني، أما العراق فقد اشتعلت حرب بينها وبين
إيران، دامت ثمانية أعوام، أتت على الخضر واليابس، لتنتهي بعد سنوات قليلة
باستيلاء النظام الإيراني على بغداد، بممهادت ومباركة أمريكيتين.
إن اهتمام إيران بالمقاومة لكونها الموضوع الأكثر أهمية
في المنطقة، وهي بوصفها دولة ذات ثقل تريد أن يكون لها دور إقليمي، فاعتمدت
المقاومة كمبدإ له مقدماته في أدبيات الإسلام، ولها امتدادتها في الأمة، سواء
بالصيغة التقليدية المنحصرة في مقاومة الصهاينة بفلسطين المحتلة، أو لمواجهة فكرة
الشرق الوسط الجديد الذي تعمل على صناعته الولايات المتحدة الأمريكية منذ تفكك
الاتحاد السوفييت، ولذلك ما تتمتع به إيران من تعاطف كان ولا يزال بفضل موقفها من
المقاومة؛ بل إن مناصرة الأمة لها في انتصار ثورتها سنة 1979 كان موقفا مبدئيا،
ولم تتنازل عنه الأمة، إلا بعد أن اكتشفت أن إيران دولة تقليدية كغيرها من الدول
لها مصالحها، التي تعمل على تحقيقها ولو على حساب دول أخرى، وذلك ما وقع بالفعل في
علاقات إيران بالنظام السوري، الذي لا تنظر إليه كحليف استراتيجي لا يمكن التفريط
فيه، وإنما تعاملت معه كآلية تقضي بها مصالحها القومية، فسوريا بالنسبة لإيران رغم
العلاقات الطائفية، ليست أكثر من ممر تهرب عن طريقه السلاح والمؤونة إلى حزب الله،
متجاوزة في ذلك ومتجاهلة لشعبين: الشعب السوري والشعب اللبناني. أما الشعب السوري
فلا معنى له ولمصالحه إلا كونه وسيلة لوصول السلاح إلى حزب الله، وأما الشعب
اللبناني فهو رهينة لحزب سياسي يعمل لصالح إيران، وبمعنى آخر فإن الشعبين السوري واللبناني
خَدَمٌ للمصالح القومية الإيرانية... ولذلك كانت إيران حريصة على مساعدة النظام
السوري حتى لا يسقط، تحت ضربات المعارضة السورية، فساندته ودعمته، ووقفت إلى جانبه
في مواجهة شعبه الذي ثار عليه، واستمرت في دعمه بالمال والسلام والمقاتلين لمدة 13
سنة... ولما سقط الأسد، شعرت إيران بخسارة كبيرة بحيث لجأت إلى تركيا حفاظا على
ماء الوجه...
فالمقاومة بالنسبة للنظام السوري ليست إلا فرع من فروع
الأمن القومي الإيراني لا أكثر ولا أقل، وفي أحسن الأحوال، هي دولة تقليدية أسست
على قواعد طائفية متسترة بقيم قومية وسياسية أخرى لا تمثل الحقيقة التي هي عليها
طبيعة، ولا طبيعة الدولة ومؤسساتها الحزبية والاجتماعية والسياسية.
إيران ومحور المقاومة
إن وجود إيران كدولة ذات سيادة وبإمكانيات في المنطقة،
جعل منها القوة الأولى على المستوى العقدي، وذلك بتبنيها الاستقلال والتمرد على
الغرب والمقاومة، ولكنها كدولة لها طموحاتها في المنطقة، تريد أن يكون لها مواقع
نفوذ تساوم بها في صراعاتها الدولية، قد حرمت فضل قيادة المنطقة، وتمنيت لو أن
تركيا ومصر ارتقتا إلى المستوى القومي المستقل إلى ما هي عليه إيران اليوم، إذن
لوقع توازنا مهمًّا في المنطقة، وربما كان لذلك تأثيره على شعوب المنطقة، ولكن
الفراغ الذي تركته مصر وتركيا في الساحة، سمح لإيران بالاستفراد ببعض ما ينبغي أن
تقوم به مصر وتركيا، إلى أن تحولت أطماعها لا تقل سوء على الشعوب العربية
والاسلامية في المنطقة، من الأعداء الحقيقيين... فاعتمادها حزب الله كذراع لها في
لبنان، له القدرة على ارتهان الشعب اللبناني، والمشاركة في محاربة النظام السوري
لشعبه.
(..يتبع..)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.