من أسماء الله الحسنى.. اسم
(الملك)
كتبه: د. علي بن محمد
الصلابي
الأمين العام للاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
إن الله، سبحانه وتعالى، هو الملك المطلق،
الذي لا يُشارك في ملكه أحد، ولا يُعازز في سلطانه مُعَازِزٌ، هو الذي بيده مقاليد
السماوات والأرض، يدبر الأمرَ كله، ويقضي في خلقه بما يشاء، لا رادَّ لقضائه، ولا معقب
لحكمه.
يقول الله، تعالى، في محكم تنزيله: {فَتَعَالَى
اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:
116]، فالله هو الملك الحق، الذي لا يزول ملكه، ولا يفنى سلطانه، ولا يغلب أمره، وهو
رب العرش الكريم، الذي وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يؤوده حفظهما، وهو العلي العظيم.
ومعناه الحقيقي ثابت له -سبحانه- بكل وجه،
وهذه الصفات تستلزم سائر صفات الكمال، إذ من المحال ثبوت الملك الحقيقي التام لمن ليس
له حياة ولا قدرة ولا إرادة، ولا سمع ولا بصر ولا كلام، ولا فعل اختياري يقوم به، وكيف
يُوصف بالملك من لا يأمر ولا ينهى، ولا يثيب ولا يعاقب، ولا يعطي ولا يمنع، ولا يُعِزّ
ولا يُذِلّ، ولا يُهين ولا يُكرِم، ولا يُعطي ولا يُنعِم ولا ينتقم، ولا يخفض ولا يرفع،
ولا يرسل الرسل إلى أقطار مملكته، ولا يتقدّم إلى عبيده بأوامره ونواهيه؟ فأي ملك في
الحقيقة لمن عدم ذلك؟
صفة الملك
الحقيقي لله، عز وجل، تقتضي الحكمة في خلق الخلق، وعدم تركهم سدى، كما تقتضي إرسال
الرسل وإنزال الكتب، وأمر العباد ونهيهم وثوابهم وعقابه
وبهذا يتبين أن المعطلين لأسمائه وصفاته
جعلوا مماليكه أكمل منه، ويأنف أحدهم أن يقال في أمره وملكه ما يقوله هو في ربّه، فصفة
ملكه الحق مستلزمة لوجود ما لا يتم التصرف إلا به، والكل منه -سبحانه-، فلم يتوقف كمال
ملكه على غيره، فإن كلّ ما سواه مُستند إليه متوقف في وجوده على مشيئته وخلقه (شفاء
العليل، ابن القيم، م2، ص609).
وهذه المعاني التي تضمّنها اسم الجلالة
(الملك) هي ما تتم به حقيقة الملك، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، تعالى، في موطن
آخر، حيث يقول: "إن حقيقة الملك إنما تتم بالعطاء والمنع، والإكرام والإهانة،
والإثابة والعقوبة، والغضب والرضا، والتولية والعزل، وإعزاز من يليق به العزُّ، وإذلال
من يليق به الذل".
وصفة الملك الحقيقي لله، عز وجل، تقتضي
الحكمة في خلق الخلق، وعدم تركهم سدى، كما تقتضي إرسال الرسل وإنزال الكتب، وأمر العباد
ونهيهم وثوابهم وعقابهم، وهذا ما بينته الآيات الكريمة التي جاءت بعدها، وفصلت قصة
آدم عليه السلام وعداوة الشيطان له، وأهمية تتبع هدى الله وخطورة مخالفته، كما سيأتي
بيانها بإذن الله، تعالى، لأن من لوازم الملك لله، تعالى، الحكم والتشريع، فكان لازمًا
على العباد قبول حكم الله وشرعه، ورفض ما سواه، والإعراض عن التحاكم لغيره، فالحكم
لله وحده، والملك: الذي المُلكُ وصفه، والخلق كلهم مماليك له، وأحكام الملك القدرية
والشرعية نافذة فيهم (قصة بدء الخلق، الصلابي، ص 1080).
فهو الموصوف بصفة الملك، وفيها معاني العظمة
والكبرياء والقهر والتدبير، الذي له التصرف المطلق في الخلق، والأمر والجزاء، وله جميع
العالم، العلوي والسفلي، كلهم عبيد ومماليك، ومضطرون إليه، فهو الربّ الحقّ، الملك
الحقّ، الإله الحقّ، خلقهم بربوبيّته، وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلهيته، فتأملْ هذه
الجلالةَ وهذه العظمةَ!
فهو الآمر الناهي، المُعِزُّ الـمُذِلُّ،
الذي يُصرِّفُ أمور عباده كما يحبّ، ويقلّبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقّه
من الأسماء الحسنى.
حاجتك إلى
الله أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك، وهو الإله الحق إله الناس، الذي لا إله لهم سواه،
فمن كان ربهم وملكهم وإلَـهَهُم فهم جديرون ألا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه،
ولا يلجؤوا إلى غير حماه
وإذا كان وحده هو ربنا، ومَلِكُنا، وإِلَهُنَا،
فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره، فلا
ينبغي أن يُدعى ولا يُخاف، ولا يُرجى، ولا يُحب سواه، ولا يُذل لغيره، ولا يُخضع لسواه،
ولا يُتوكل إلا عليه.
لأن من ترجوه وتخافه، وتدعوه وتتوكل عليه،
إما أن يكون مربيك، والقيّم بأمورك، ومتولّي شأنك، وهو ربّك فلا ربّ سواه، أو تكون
مملوكه وعبده الحقّ، فهو ملك الناس حقًا، وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلهك
الذي لا تستغني عنه طرفة عين، بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك، وهو الإله
الحق إله الناس، الذي لا إله لهم سواه، فمن كان ربهم وملكهم وإلَـهَهُم فهم جديرون
ألا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجؤوا إلى غير حماه، فهو كافيهم، وحسبهم،
وناصرهم، ووليّهم، ومتولّي أمورهم جميعًا بربوبيته وملكه، وإلهيته لهم. (شرح أسماء
الله الحسنى، القحطاني، ص111 بتصرف).
يقول الإمام الغزالي في شرح معنى (الملك):
"هو الذي يسع في ذاته وصفاته عن كل موجود؛ ويحتاج إليه كل موجود؛ بل لا يستغني
عنه شيء في شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في وجوده ولا في بقائه؛ بل كل شيء وجوده
منه أو مما هو منه، فكل شيء سواه هو له مملوك في ذاته وصفاته، وهو مستغنٍ عن كل شيء،
فهذا هو المَلِكِ مطلقًا (المقصد الأسنى، الغزالي، ص66).
وعن ابن مسعود، رضي اللَّه عنه، قال: كان
نبي اللَّه، ﷺ، إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى المُلك للَّه، والحمد للَّه، لا إله إلا
اللَّه وحده لا شريك له. قال الرواي: أراه قال فيهنّ: له المُلك وله الحمد وهو على
كل شيء قدير، ربِّ أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في
هذه الليلة وشرّ ما بعدها، ربِّ أعوذ بك من الكسل، وسوء الكبر، ربِّ أعوذ بك من عذابٍ
في النار، وعذابٍ في القبر. وإذا أصبح قال ذلك أيضًا: أصبحنا وأصبح المُلْك للَّه".
(صحيح مسلم برقم (2723).