معركة النقود والحبوب!
كتب: د. ونيس المبروك
الأمين المساعد للاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
بعد أيام قليلة يطفو على بحرنا الزاخر
بالجدل؛ قضية زكاة الفطر من جديد، هل نؤديها حبوبا أم نقودا!
وسيبدأ مهرجان حشد الآثار وسباق تكديس الأقوال،
مع ما يتخلل ذلك من تقعر ممجوج، واستعراض القدرة على تجميع نُتف الكتب ونُقَل الكُتّاب.
وماهي النتيجة التي يخرج بها المسلم
الذي يريد أداء فرض الله تعالى عليه، ويبحث في حكم المسألة؟
لا شيء!
سوى ما استقر في المدونة الفقهية منذ قرون -بعد
تحقيق وتدقيق - من أن زكاة الفطر يؤديها المسلم لأخيه الفقير بما يسد حاجته ويفرح
أولاده في هذا اليوم، وقد أداها الصحابة بما كان متوفرا عندهم من قوت أو نقود أو
ثياب
لقد ظل الاختلاف الفقهي حول هذه
المسالة قرون طويلة يتداوله الفقهاء كأي مسالة من مسائل الفروع، دون نكير على
مخالف أو تقديس لموافق، ولا صراخ ولا زعيق، ولم يقيموا حربا أو يشغلوا عامة الناس
بهذه الجزئيات العابرة والاختلافات المُعتبرة .
ثم نبتت نابتة – ولا أدري هل نبتت أم
أُنبتت !- تظن أن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، طافت أقطار الأرض وذهبت في عمق
التاريخ، وتخطت مدارس الفكر ومذاهب الفقه، ثم استقرت في صدورهم وعقولهم، وخصّهم
الله تعالى وحدهم بالمسطرة والميزان!، فلا عالم إلا من ثَقُل في ميزانهم ، ولا
عِلمَ إلا ما تجاوز مسطرتهم، فالقول ما قالوا والرأي ما رأوا، والدين ما دانوا
والسنة ما فهموا، ولسان حالهم ومقالهم يقول : نحن "فقط" أهل السنة
والجماعة، وأهل الحق وحُراس الحقيقة، ونحن إن شئت الطائفة المنصورة والفرقة
الناجية، وأنصار السنة وأتباع السلف...
أما الآخرون فهم ما بين منحرف لابد من
"تدميره" أو ضال نُحذّر منه ونَحذرْه، أو مبتدع نبغضه ونهجره، أو خارجي
يجاهر بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، ... وهكذا شغلوا أوقات الناس وأججوا
عواطف الشباب وأهدروا طاقات الأمة في معارك فارغة وجدل عقيم؛ لا يُقيمُ ديناً ولا
يُصلِح دُنيا.
فلتتقرب أخي الحبيب إلى الله تعالى
بزكاة فِطرك حَبا أو نُقودا، ولا تشغل الفقير بمذهبك، وتَفْرِض على السائل
مشْرَبَك
فإن لم تفعل، فلا أقل من أن لا تحرم
أخاك من مودتك، لأن البغضاء هي "الحالقة"، لا تحلق الشعر، إنما تحلق
الدين كما صح عن سيد المرسلين عليه افضل الصلاة وأتم التسليم.
#_بداية_الإصلاح_وعيٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر
بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.