فتوى الجهاد
وجهاد الفتوى
بقلم: عطية أبو العلا
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
يعد الدور
الذي قام به العلماء ببيان وتوضيح حكم الدين والشرع فى القتال لمواجهة الحملة
الصهيوصليبية على المسلمين فى فلسطين وعموم بلاد المسلمين هي في ذاتها جهاد وهو
الجهاد الحقيقي بالكلمة فكانت كلمة حق أمام الامبريالية المتغطرسة ووكلائها من
أنظمة جائرة والتى تستطيع بما تمتلك من أدوات وإمكانات أن تضيق على هؤلاء العلماء
عيشتهم وتتعبقهم بقوائم ولوائح الإرهاب والمطاردة والحبس، والسجن، والقتل،
والتشريد..
وقد تكون
لهذه الفتوى فاتورة أسال الله أن يعين من تصدر لها عليها ولعلهم يقاربون بها مقام
المقاتل البطل الشهيد الأسطوري الذي رسم بمشهد استشهاده صورة البطل المسلم الشجاع
المقدام المشتبك يحيى السنوار الذي فتح أبواب طوفان سيغرق أعداء الأمة وينجوا بها
بسفينة العودة لإسلامها وجهادها ودينها الرحمة للعالمين الهادي للبشرية لبر النجاة
من طوفان الكفر والظلم والاستكبار.
وتعود خطورة
الفتوى التي أصدرها علماء المسلمين من خلال هيئة الاتحاد العالمي بوجوب الجهاد في 28
مارس آذار\ رمضان الماضي، نص الفتوى فتوى لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشأن "استمرار العدوان على غزة ووقف الهدنة" دعا فيها إلى وجوب جهاد الكيان الصهيوني وكل
من يشترك معه على الأرض المحتلة في إبادة أهل غزة، وذلك بالتدخل العسكري، وإمداد
المجاهدين بالمعدات الحربية والخبرات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية. وأن ذلك
فرضاً متعيناً أولاً على الفلسطينيين، ثم على دول الجوار مصر والأردن ولبنان، ثم
على الدول العربية والإسلامية كافة. الى شخوص مصدريها ومدي ما يتمتعون به من
القبول لدى الأمة الاسلامية فهذه الأمة لا ينال أحد الإمامة فيها إلا بالصدق
والصبر واليقين ومن تصدروا لإعلان هذه الفتوى الخطيرة التي تؤسس لمرحلة جديدة
وتاريخية فى الفقه الاسلامي عموماً وفقه الجهاد خاصة والأمة الاسلامية تراهم أئمةً
لها في دينها.
وهو ما سبب
إزعاجاً كبيراً لأنظمة الحكم التي باعت شعوب الأمة لأعدائها وأحكمت وثاق قيدها
وسلمتها فريسة سهلة للحملة الصليبية الحالية التى تستهدف محو الأمة من صفحات
التاريخ فحين استنفر الحاكم المرعوب من الفتوى أتباعه الرسميين، وأتباعه الشعبيين،
لم يستطيعوا أن ينقضوا فريضة الجهاد، وإنما حاولوا تفريغ مضمونها عبر جدليات
الضوابط والشروط، وفق أربابهم. يفسر ذلك
تلك الرهبة والرهاب وحالة الذعر التي انتابت
أشخاصاً يتم توجيهم من قبل ضباط وعساكر الأمن في مصر مثل قيادات حزب النور
السلفي التى خرجت عن صمتها على دماء وأعراض المسلمين وتكلمت فقط عندما شعر محركهم
بالخطر من الفتوى.
فخرجوا
بخطاب قطري حصراً على مصر وحدودها السياسية وليس خطابا أمميا يستوعب ما ألقته
الفتوى فى حجر الأمة بكاملها من عربها وعجمها من شرقها لغربها على امتداد المعمورة
من مسؤلية وواجب وحمل حتما سيجد طريقه لقلوب عموم المسلمين المعتصرة ألما منذ
قرابة الثمانية عشر شهرا من مشاهد القتل والذبح والحرق والتشريد والتجويع لأطفال
ونساء وشيوخ المسلمين على الهواء مباشرة. ليقوم بإصدار فتوى تستهدف مخيال الأمة
باختزال كينونها في مصر حصراً ضمن حدودها الجغرافية والسياسية، وتسوق مسوغات تبرر
حالة الوهن والخور والخذلان والتساوق مع المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة التي
تحكمه اتفاقيات العار..
وهذا الخطأ
الذي وقعوا فيه يبدو أنه نتج عن استعجال العسكر لهم فى صياغة رد سريع على الفتوى
بمحددات فى اللاوعي لديهم فالضباط الذين كلفوهم بالرد يرون لمحدودية أفهامهم أن
الأمة هي مصر وفقط فى حدودها الجغرافية والسياسية الحالية وهي محكومة بمعاهدة كامب
ديفيد التي بموجبها يمكن إسقاط فريضة الجهاد والقبول بهدم المسجد الأقصى وذبح
الأبرياء على بعد أمتار من حدودنا و لأن نص الفتوى ذكر مصر والاردن بالتحديد.
وتكمن أهمية
الفتوى فى أنها أعادت فكرة الجهاد والاستشهاد والقتال والسلاح وفقه المعارك الى
الحوار والنقاش والمداولة والاخذ والرد والدراسة والاجتهاد ولو لم تكن الفتوى
ترهبهم وتخيفهم ما أعاروها اهتماماً على
المستوى الرسمي ليخرج الموظف بوزارة العدل المصرية نظير عياد برد أبرز ما
ورد فيه أنه لم يورد آية قرانية ولا حديثاً نبوياً وذلك فى نص فتوى دينية يفترض ان
تكون مرجعيتها ومنطلقها القرآن والسنة والاجماع عند المسلمين كمصادر للدين
الإسلامي الذي يجب أن يكون الرد بموجبه
وذلك ما لا يُراد لهذه الأمة، يُريدونها حبيسة تصوراتهم وأمانيهم الباطلة، لذا فإن
أي جدل تصنعه هذه الفتوى هو في المكان الصحيح.
وهذا المشهد
الذي أعاد الى الأذهان فكرة الجهاد والارهاب الحلال الذي ترضى عنه أمريكا في إطار
حربها الباردة، مع السوفيت حيث دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها المجاهدين الأفغان،
والجهاد الحرام والإرهاب الذي لا ترضى عنه أمريكا اليوم من وجوب قتال الصهاينة
المعتدين الظالمين ودار الافتاء المصرية نفسها التى كان على رأسها فضيلة الشيخ جاد
الحق علي جاد الحق بوظيفة مفتي آنذاك،
والذي أصبح لاحقًا شيخًا للأزهر عام 1979 خلال
الغزو السوفيتي لأفغانستان، والتي اعتبر الجهاد في أفغانستان واجبًا على المسلمين
لدعم المجاهدين ضد الاحتلال السوفيتي. واعتبر الغزو السوفيتي احتلالًا لكافة بلاد
المسلمين وليس أفغانستان فقط. ودعا الدول الإسلامية إلى تقديم الدعم المادي
والعسكري للمجاهدين الأفغان ضد السوفيت.
وفي الحقيقة
إن من أسوأ ما ابتُليت به أمتنا إغراقها في الأسئلة المزيفة، لشغلها عن طرح
الأسئلة الحقيقية، فترى الناس لا يملون أسئلة الوضوء والخلاء والغسل والحيض، على
حد قول القرضاوي (كأنهم لا يخرجون من الحمام)، وقول الغزالي (ضبط نواقض الوضوء أهم
عندهم من ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم)!
وإذا خرجوا
من الخلاء كانت أسئلتهم عن زكاة الفطر مالا أم حبوبا ...الخ، قال الغزالي (إذا
رأيت من يهتم اهتماماً هائلاً بإخراج الفطرة، أتخرج قمحا وشعيرا أم دراهم؟ ويستثير
ذلك أعصابه أكثر مما يستثيره ضياع مقدسات المسلمين وانتهاك حرماتهم وسفك دمائهم. فاعلم
أنك أمام مسخ من الخلق؛ لا يُؤمن على دين الله، ولا دنيا الناس، وهذا النفر من
المتدينين عبء على الأرض والسماء).
وينسب
للإمام عز الدين بن عبد السلام مقولة: "من نزل بأرض تفشى فيها الزنى فحدث
الناس عن حرمة الربا فقد خان". فأولويات الدين غائبة، بفعل عمد مع سبق
الإصرار والترصد، وشركاء الجريمة أمراء جور وعلماء سلطة تمالأوا على إفساد دين
الناس.
علما أن دور
الفتوى نفسه في الشأن العام والفعل السياسي وفكرة "الفتوى" التي تصدرها
جهة ما تعتقد بأنها تملك سلطة تأثير معنوية على الأمة تمثل اختزالا مخلا لتعقيدات
الواقع وعناصره الاجتماعية والسياسية. حيث أن أيضا رغم أهمية الدور الذي صاغه
العلماء في صورة فتوى فهذا قد يولد لدى البعض وهم بأن ما ينقص الأمة هو مجرد فتوى
حتى تتحرك وتنتقل إلى ميدان الفعل والتأثير، وهو في ذات الوقت قد يمنح مصدري
الفتوى شعوراً خادعا بالرضى وإعفاء النفس من المسئولية بأنهم أدوا الذي عليهم
بإصدار الفتوى وبقي على الأمة التنفيذ..
مشكلة الأمة
أعقد كثيراً من انتظار فتوى تذكرها ببديهيات استطاعت الأنظمة رغم وضوحها أن توجد
خطابا يغاير المعلوم من الدين والفطرة بالضرورة.
فكل مسلم
يعلم من بديهيات الدين قتال الظالمين ونصرة المستضعفين، لكن ماذا أغنى هذا العلم
في الواقع!! هل أنتج هذا العلم حركة اجتماعية وسياسية مؤثرة؟!
كذلك فإن
هذه الفتاوي تستنبط عادة من كتب الفقه القديمة ولا تجسر الفجوة مع الواقع المعاصر
وتأخذ في الاعتبار مستجداته وتعقيداته، التي أوجدتها الدولة الحديثة بصيغتها الحالية
وفاعلية الفتوى لا تكون إلا بفهم كامل لعناصر الواقع وحيثياته.
ومعوقات
الفعل مركبة ومتعددة تتمثل في منظومة التفكير ومعطيات الواقع السياسي وعدم توفر
البيئة المحفزة لفعل تراكمي في اتجاه تحقيق مقاصد الدين في مستوى الأمة مثل
الموالاة والنصرة والوحدة..
لذلك فإن ما
تحتاجه الشعوب هو فعل تراكمي طويل الأمد لإشاعة ثقافة الفاعلية الاجتماعية والسياسية.
وهذا لا يحدث بفتوى واحدة، بل يحدث من خلال رحلة طويلة لبناء الإنسان وتربيته
وتفجير كوامن فاعليته..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن
رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.