البحث

التفاصيل

دعاة الفساد والانحلال في الميزان (1)

الرابط المختصر :

دعاة الفساد والانحلال في الميزان (1)

بقلم: موفق شيخ إبراهيم

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

إن ممَّا يدعو للأسف والتحسُّر، ما آلت إليه حياة المسلمين، حتى أصبح أحرارهم وأنقياؤهم، لا يرقأُ لهم جَفْنٌ ولا تكتحلُ أعينُهُم بنومٍ! بعد أن شاعت الفواحش شيوعاً لا ينبغي تجاهله أو الصمت إزاءه، لما لذلك من آثار سلبية وعواقب مؤلمة، وما لُعِن بنو إسرائيل إلا لأنهم سكتوا عن المنكر، حتى صار لهم طبعاً! فلعنهم الله جميعاً.

إننا نعيش زمناً عزَّ فيه وجود الأصفياء، ونرى سفلة القوم من ساقطي الخلُق وهزيلي الشرف، يتصدرون مرافق مجتمعية وأنشطة جماهيرية ومفاصل قيادية، وهم أحقر من أن يُذكَروا في دوواين الرجال.

بات آحادنا يعيش وقتاً ادلهمت فيه دياجير الفتن، وأشهِرِت فيه سيوف الإغراءات. ويشهد أناساً ركضوا في ميدان الغفلات، وركنوا إلى اتباع الشهوات، وقللوا المبالاة بتعاطي المحظورات، ورغبوا بالانتفاع بما يأخذونه من السوقة، وأصحاب السلطان. ادعوا أنهم تحرروا من رقِّ الأغلال وتحققوا بحقائق الوصال، وأنهم قائمون بالحق، وهم عنه ناكبون! راموا تغطية الشمس بغربال، والتعمية على وجه الحق بالاحتيال، وهكذا تُختزَلُ الحقائق، ويطيش الميزان! فتبنى الجريمة الخرقاء، التي يستحيي من مقاربتها العقلاء. 

إن الترويج للحفلات المشوبة بلوثات الإباحية، في الشرق العربي المسلم، أمر لا يمكن فصله عن توجهات غربية، تسعى لإغراق المجتمعات المسلمة في الزَبَد على سطح السيل؛ ليسهل عليها إحكام السيطرة على شعوب تستكين للشهوات المحرَّمة والمهلكات! والفنُّ المزيَّف الذي يسعى لإشاعة الفواحش، لم يكن كذلك، إلا لتطبيع الرذيلة في المجتمعات، وتسويق الموبقات.

يأتي هذا كله، في الوقت الذي كنا نأمل أن نرى فنَّاً راقياً هادفاً، يرتقي بالمستوى التربوي للناس، لدرء المجتمع عن المفاسد، وتحصينه من النقائص، ومعالجة قضاياه الجسام. وعند انتفاء وجود هذا الجسم المناعي للأمَّة، التي إن لم تتمكَّن من تحصين قلاعها وحماية هويتها، فستتحول من تألقها بالمحتوى الإيماني إلى مرحلة الغثائية والتبعية لكل ناعق! والهدف هو إخراج المرأة من فيأ مظلَّة العبودية لله عزَّ وجلَّ والاستمساك بشرعه، وجعلها مجرَّد متاع في مسارح الرذيلة وملاهي الخنا ووسائل الإعلان وأوراق الصحف والمجلات، وشاشات التلفزة والقنوات الفضائية.

ويشتدُّ استغرابي عن رضا البعض لأهله، أن يكونوا ألعوبة في يد الرعاع وأوشاب الخلق، يواجهون التيه والانحراف عن الجادَّة! يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من قلَّ حياؤه قلَّ ورَعُهُ، ومن قلَّ ورَعُهُ مات قلبُهُ".

ومما ينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا، أنَّ من سنن الله الحاكمة لحركة الحياة، أن انتشار الفواحش في المجتمع من أعظم الأخطار، التي تهدم بناء المجتمع وتقوِّض أركانه. يقول الله تباركت أسماؤه: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾. نعوذ بالله من عذابه ومن شديد عقابه.

ثم إنَّ المجتمع لا يخلو من سلوكيات نشاز، ولكن طبيعة المجتمع المحافظ الرصين، لا تسمح للمنكر أن يصبح عُرْفَاً مألوفاً، سهل التناول لكل قاصد يجترئ عليه ويهمُّ به! وهذا كفيل بانحسار الفساد، وانتفاء دوافعه وغياب بيئته، وعندئذ يتماسك المجتمع فلا تنحلُّ عراه. وحينها يقتصر الفساد على أفراد أو مجموعات، ولا ينقلب إلى ظاهرة ماحقة. ويصبح المجتمع في مأمنٍ، يستحيل إلى قلعة تحتاج إلى حارس أمين، والحارس فيما أحسب والذي ترنو إليه الأنظار، هو المرأة التي حسُنت تربيتها، وكان العفاف سِمَتَها والحياء زميلها. وفي المقابل فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة، هم الحريصون على زعزعة حياة المسلمين. يعملون على ضرب ثقة الفئة المؤمنة بالعفَّة والنظافة، وعلى إزالة التحرُّج من ارتكاب الفاحشة، تارة عن طريق الإيحاء بأن الفاحشة شائعة في الدائرة التي يعيشون فيها، وهم من روَّادها، لا من الذين شذُوا وخرجوا من تحت عباءة العامَّة والأكثرية الذين مارسوها! وتارة عن أنَّ سبيل الوصول إليها، مذلَّل وسهل ميسور! وبذلك تشيع الفاحشة في النفوس، لتشيع بعد ذلك، على أرض الواقع!

إن ثقافة الإلحاد والانحلال، وثقافة الأدب الهابط والفنّ المبتذل، وثقافة الإغراق في المادِّيّات والشهوات، ينبغي أن توصد في وجْهها الأبواب، ويُرْكل دُعاتُها بالأقدام، لأنها ثقافة إشاعة الفاحشة.

تجدر الإشارة إلى أن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع، هم أنفسهم الذين يتطاولون على شريعة الله! لأنهم لا يجدون من يوقف شطَطَهم عن الحق! بل يجدون من الكائدين لهذا الدين كل تحفيز وتقدير! ومحبة ذلك يحمل دلالة خبث النية، نحو الصفوة النظيفة في المجتمع، وإرادة إلحاق الأذى بها، وتجاهلاً فظيعاً لقول المولى تبارك في علاه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.

نعوذ بالله أن نكون دعاة انحلال، ونبرأ إلى الله من المتأسلمين، الذين يبغون في الأرض الفساد!

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
مَآلاتُ الصَّمْتِ الجَمْعِيِّ
السابق
باكستان: الجماعة الإسلامية تطالب الحكومة بتحرك عاجل ضد عدوان الاحتلال على غزة وتدعو إلى تحالف إقليمي لكسر الحصار

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع